ثورة تموز الخالدة ، شمس الحرية وحلمنا الذي لم يكتمل
تعود العراقيون ان يستبشروا كل ضاقت عليهم الحياة ، من منطلق كلما ضاقت حلقاتها فانها ستنفرج. كانت تلك الصبيحة الخالدة من تموز ، هي أحدى الصباحات التي انتظرتها الاف الامهات بصبر، اللاتي كان يقبع أبناءهن في المعتقلات و السجون ويتعرضون الى اقسى انواع التعذيب نتيجة معارضتهم للنظام الملكي الذي كان مرتبطاً بتحالفات مشبوهة ضد مطامح الشعب بالحرية والاستقلال. يحاول البعض تشويه تلك الثورة الخالدة من خلال ان يقارن بين ما كان يحدث في ظل في النظام البعثي الصدامي الفاشي والحكم الملكي، ويحمل ثورة تموز انها ولدت مناخ، لما حل لاحقاً من مآسي ومصائب على الشعب العراقي. أن تلك المقارنة المجحفة، يراد منها النيل من ثورة تموز ومنجزاتها. فالحكم على الفترة الملكية بمقارنتها بالفترة الصدامية وما حملته من الويلات على العراق و المنطقة لا يستوي ولا يمكن ان يكون أساساً لتقيمنا لتلك الحقبة من تاريخ العراق الذي استمرت لما يقرب من اربع عقود. فان اية مقارنة خارجة عن سياقها التاريخي، والوضع الدولي لا يمكن أن تكون منطقياً ، كما لا يجوز ان تكون المقارنة بين السئ والاسوء. ان القوى التي حارب ثورة تموز ، ووقفت بالضد من أرادة الشعب وطموحه، هي نفسها التي الحقت كل الاذى بالشعب العراقي لاحقاً، تحت شعارات قومية عروبية براقة كاذبة ومخادعة، لم يكن الغرض منها سوى التضليل للوصول الى السلطة، ثم قيادة البلد والشعب الى الهاوية التي لم نخرج منها حتى الساعة، وهذه القوى ما زالت ضالعة في قتل الشعب العراقي ووأد أحلامه.
أن ثورة تموز التي انطلقت في صبيحة ذلك اليوم البهي من تموز عام 1958 , بقيادة ابن الشعب البار الزعيم الخالد الشهيد عبد الكريم قاسم. جاءت مجسدة لاحلام الملايين من العراقيين المسحوقين، فكانت الثورة وقائدها وفية لهم. ففي عمرها القصير، ورغم كبر حجم المؤمرات والحملة الشرسة ضدها، الا انها حققت منجزات عظيمة، لم تتحقق مثلها للشعب العراقي. فجاء قانون الاصلاح الزراعي مكسباً عظيماً للفلاحين ، الذين كانوا يضطهدهم الاقطاع وحتى يرتهنون حياتهم منذ مئات السنين. وكذلك قانون رقم 80 والذي أعادت حقوق العراق في ثروته النفطية من الشركات الاجنبية، و قوانين الاسكان وتوزيع الاراضي على الفقراء والكادحين وانشاء المجمعات السكنية، حتى بلغت 35 الف مجمع سكني للفقراء في كل انحاء العراقي. حيث استطاعت بذلك ان تزيل تجمعات السكانية في الصرائف والاكواخ والتي كانت تسور بغداد والمدن الكبيرة، والتي اقل ما كان يمكن ان يقال عنها ، انها غير صالحة لسكن البشر. وكذلك قانون الاحوال الشخصية، والتي كانت من افضل القوانين ، التي أعادت للمرأة بعض من حقوقها. و شهد البلد طفرة واسعة في مجال التعليم والصحة. كما جرى توسيع وتحديث للعمران ، وتنفيذ مشاريع للطرق والمواصلات. ان كم الانجازات في تلك الفترة الوجيزة التي تعدت الاربع سنوات بقليل، كانت كافية لتخلد قائد تلك الثورة ، في عقول تلك الطبقات المسحوقة من العراقيين. والتي لم ترى قبل وبعد تلك الفترة، من يفكر في رفع من مستواها المعاشي والصحي والتعليمي، ولا من يشاطرهم رغيف يومه، وهو الذي كان لا يمل من ان يفاجأهم بظهوره، وهم يعملون في المصانع والمعامل والمخابز والاسواق الشعبية ، لمجرد السؤال عنهم، ولمعرفة احوالهم.
أن كل الكتابات عن تلك الثورة المجيدة الخالدة، لا يمكن لها ان تستوفي لقائد الثورة وللمخلصين من رفاقه، الذين ضحوا بدمائهم الزكية من أجل أن يحققوا للعراقيين، حياة تليق بهم كشعب باني للحضارة الانسانية الاولى. لكن يد الغدر وأستغلال خلق الزعيم الرفيعة، حيث عفى عن من استهدفوا حياته. فأطفأت نور الثورة ، وحل الظلام مذ يومه ينشر الشرور في كل أصقاع الوطن.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فبرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على سقوط هبل بغداد، فأنه لم تجري اي مسألة ومحاسبة لمن تسببوا في أغراق البلد في حمامات الدم وجره الى حروب كارثية، وزرعه من اقصاه لاقصاه بمقابر جماعية لابناءه، وعودة ببلد الحضارات الى ما قبل التاريخ. أن تلك الانفار القليلة الذين نراهم مهزومين أذلاء في قفص الاتهام ، لا يمكن أن يكونوا هم فقط المسؤولون عن تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق شعبنا طوال تلك السنين العجاف. أن عدم مسألة تلك الجموع المجرمة، هي التي شجعتها الى الاستمرار في جرائمها التي تذهب ضحيتها مئات العراقيين كل يوم. لا بل تزداد شراسة ووقاحة مع كل مبادرة تسامح من الحكومة وضحاياهم. فلا نعلم الى متى ستستمر سياسة مد اغصان الزيتون للقتلة والارهابين، وهم لا يشبعون من الدم النازف الذي تحول الى انهار جارية ، تتباهى مع الدجلة والفرات. لا بل نسمع بمؤتمرات للتصالح؟؟؟؟؟ ولا نعلم من هي الجهات المطلوبة التصالح معها ونحن أهالي المنكوبين من الشعب العراقي؟؟؟ فمتى ستفهم حكومتنا المنتخبة الموقرة، ان لغة التصالح والتسامح لا يزيد هؤلاء المتعطشين للدماء، سوى أستمرار في مخططاتهم، لانهم لا يفهمون تلك اللغة. وقديماً قالوا (لا يغير الطبع الا الكفن).
د. منيرة أميد 14 تموز 2006
|