اين الكورد الفيلية من محاكمة الطاغية صدام

د. منيرة أميد
 
لا يخفى على أحد الظلم والاجحاف الذي نال الكورد الفيلية في عهد الطاغية صدام، وقبله من الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ أنشاء الدولة العراقية الحديثة في عشرينات القرن المنصرم ، ومن ثم سن قانون الجنسية العراقي الطائفي الذي قسم العراقيين الى مواطنين من ثلاث درجات. وقد الحق معظم الفيلية بالدرجة (ج) من المواطنة بالرغم من ان كل الدراسات التاريخية غير المنحازة تؤكد انتماءهم الى تربة العراق منذ اولى الحضارات التي أقيمت في شرق من نهر دجلة و كانت الحضارة الايلامية اولها، والتي اثبت البحوث والتنقيبات الاثرية ان عاصمتها كانت تقع في منطقة الكميت التابعة لمحافظة ميسان حالياً، وقامت حضارتهم في وقت موازي لحضارة السومر.

ان اولى حملات التهجير ضد الكورد الفيلية تعود الى اواسط الثلاثينات من القرن الماضي، ثم تلته عدة حملات في الاربعينات والخمسينات، ولكنها لم تأخذ طابعها الشمولي الا مع وصول البعث الفاشي الى السلطة في الستينات.

أن الحقد القومي والطائفي والحسد الاجتماعي ، للمكانة الاجتماعية والاقتصادية التي كان يتبؤها أبناء هذه الشريحة ، وكذلك لترفعهم ورفضهم الانضمام الى حزب السلطة الفاشي ، ولكونهم كانوا محرك للقوى الوطنية العراقية والكوردية وداعمين لها، وكذلك لم تستطع الحكومة ان تنسى لهم موقفهم البطولي في مواجهتهم للانقلاب الاسود الاول الذي جاء بهم للسلطة في 8 شباط 1963 المشؤوم.

أن عمليات القتل والتصفية شمل الكثير من ابناء هذه الشريحة ممن اعتبرهم معاديين له منذ اوائل وصول البعث الى السلطة، وبعضهم كانوا يحسبون على تيارات اليسار العراقي او من الداعمين للحركة التحررية الكوردية، ومن ثم اتهام البعض الاخر بالانضواء تحت لواء الاحزاب الاسلامية الشيعية.

وجاءت قمة المأساة بتهجيرهم القسري وحرمانهم من املاكهم واموالهم الذي كسبوها بالعمل الشريف ، حيث امتازوا بعصاميتهم ونبل أخلاقهم وتفوقهم في أي مجال يدخلوه. ومنعوا حتى من أخذ وثائقهم الثبوتية وشهادات التخرج.
ولتكتمل الصورة التراجيدية للموقف، ولكي تمعن السلطة الفاشية في ايذاءهم وبأكبر وحشية ممكنة، سلبت منهم فلذات أكبادهم ، لتستخدمهم كدروع بشرية في حربها العبثية مع الجارة ايران او في تجاربها على الاسلحة الفتاكة ،الكيماوية والبيلوجية، تلك الاسلحة التي أستخدمت لاحقاً ضد أبناء قوميتهم في الحلبجة والانفال، وضد أخوتهم في الجنوب.

مما تقدم نفهم أن مأساة الكورد الفيلية سبقت المآسي الاخرى التي تجرعها الشعب العراقي بكل أطيافه ولكن قد نال الكورد الفيلية النصيب الاكبر لوجود ثلاث أختلافات جوهرية بينهم وبين السلطة، الاختلاف الاول، الايديولوجي لانتماءهم الى كل الاحزاب العراقية الوطنية والقومية كما أسلفنا ورفضهم الانتماء الى حزب السلطة، وثانياً لآنتماءهم القومي وأخيراً أنتماءهم الطائفي.

أن الجرائم ضد الفيلية تندى لها جبين الانسانية وهي وصمة عار في تاريخ العراق الحديث.
أن أهات الامهات و نداء الارامل والايتام والاخوات المفجوعات بأخوتهم، ستتواصل الى عنان السماء حتى ينال قتلتهم القصاص الذي يستحقوه.

ورغم سقوط نظام البعث الهمجي المتخلف وبدأ محاكمة الطاغية وأعوانه الا أننا لا نسمع أي أخبار عن قرب محاكمته على الجرائم التي أقترفت بحقنا ، رغم انها سبقت كل الجرائم الاخرى.
أننا نرى،انه كان من الاجدر ان تقوم المحاكمات حسب أسبقية حدوث الجرائم، وكان من واجب الحكومة ان تدرج الجرائم التي ارتكبها نظام البعث ضد الكورد الفيلية على الاقل مع قضية الانفال وحلبجة كونها تقع ضمن قضية تطهير عرقي لنفس الشعب، او تضمه في في قضية منفردة كقضية الدجيل وما الى ذلك من جرائم النظام لمحاكمة الطاغية وزمرته ، وخاصة ونحن نتوقع أن يكون وراءنا معظم الشعب العراقي من قواه التقدمية وأحزابه الوطنية والقومية الكوردية والاسلامية الشيعية، لان مؤسسيها و قادتها وكذلك قوافل شهداءها تزخر بأسماء الكثير من أبناء هذه الشريحة المناضلة ..


بودابست 23 أب (أوغسطس) 2006