ملابسات الصراع الدموي الدائر في العراق

Oct 31, 2004
بقلم: د. زهير عبد الملك

الوضع الأمني في العراق في جوهره معركة دائرة على السلطة السياسية في البلاد بين ثلاثة أطراف رئيسية، هي :
الحكومة العراقية المؤقتة وحلفاؤها من جهة،
وبقايا النظام السابق وحلفاؤه.من جهة أخرى.
قوى الشعب العراقي المتطلعة نحو إقامة نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي .

الحكومة العراقية المؤقتة:
مجموعة من معارضي النظام السابق، لخصت هدفها المعلن بالسعي إلى وضع البلاد على بداية الطريق، بإجراء انتخابات وتشريع دستور دائم، حيث تنتهي مهمتها لتبدأ مرحلة جديدة بظل حكومة شرعية تتولى إدارة العراق وتنميته.
لكن السلطة السياسية في عراق اليوم معزولة ومخترقة في الداخل،بسبب قصور في سياساتها لكسب الجمهور العراقي، واستثمار طاقاته الفعلية، ومعزولة على مستوى الإقليم بسبب طبيعة الأنظمة المجاورة التي يرعبها قيام نظام ديمقراطي في العراق.وهي مدعومة من قبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ما دام العراق يمثل مشروعا استثماريا واعدا.
بقايا النظام السابق:
مجموعة من كوادر النظام السابق عازمة على استعادة مجدها القديم بأي ثمن. وهي مجموعات تمتلك خبرة طويلة في أساليب إرهاب العراقيين وإخضاعهم لسطوة الخوف والحيلولة دون اتحادهم وتعبئتهم في حركات سياسية قادرة على اكتساح قوى الشر والدكتاتورية والتخلص منها. وحلفاؤها خليط يجمع ما بين أنصار القاعدة وأتباع الحركات الأصولية،و ومجموعات الجريمة المنظمة، وعدد كبير من العاطلين والمهمشين منذ العهد السابق.وتحظى بقايا النظام السابق بدعم مادي ومعنوي من فروع البعث في سائر البلاد العربية، وبدعم من أعداء أمريكا في كل مكان.
قوى الشعب العراقي
فئتان : الأولى مكونة من غالبية الأحزاب والتنظيمات السياسية التي عارضت النظام السابق بالفعل من الداخل أو بصمت أو بصوت مسموع أو بالفعل من الخارج.وهي قوى فعلية يعول عليها في إنقاذ البلاد من حالتها المزرية،لكنها ما زالت في مرحلة النقاهة قبل استرداد قوتها الضاربة للدخول في حلبة الصراع السائد، والثانية مكونة من قوى الكتلة الكردية ، وهي قوى فعالة تشكل الرصيد الاستراتيجي والحليف التكتيكي للأحزاب السياسية في الوسط والجنوب لإنقاذ الوطن العراقي وتحرره من الاحتلال والإرهاب السياسي و إقامة نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي.
تتمثل نقطة الضعف الرئيسية في قوى الشعب العراقي القادرة على حسم الصراع لصالح المجتمع العراقي ووحدته الوطنية في حقيقة أن القوة الوحيدة المؤهلة، أي جماهير الشعب العراقي ما زالت خارج حلبة الصراع حتى الآن.
ولكل طرف من هذه الأطراف أهداف واضحة يسعى إلى تحقيقها بالوسائل التي يراها كفيلة بذلك.

فالحكومة العراقية المؤقتة ترى أن النصر يعني إنجاح الانتخابات القادمة، ووضع الدستور،و تشكيل حكومة شرعية من الداخل.
وبقايا النظام ترى في النصر عودة الرئيس السابق إلى السلطة، وفي أسؤ الحالات احتلالها هي لموقع السلطة وإعادة القديم إلى قدمه.
قوى الشعب العراقي، تطمح بدون توافر ظروف ملموسة مناسبة إلى تحقيق مكاسب تراها خطوة أولية لبلوغ أهدافها في بناء عراق ديمقراطي تعددي فيدرالي.
فمن الذي سينتصر في هذا الصراع الدموي؟؟؟
للنصر مستلزمات وشروط داخلية وأخرى خارجية. لكن الشروط الداخلية هب الأهم في حسم الموقف.
في تصور الحكومة المؤقتة أكثر من فجوة ومطب، تكشف بوضوح عن أن هذا الطريق لن يؤدي إلى النصر، بأي حال من الأحوال.
كما يكشف موقفها من الأحداث الجارية خيار الطرف الضعيف، فهو مستقى من نظرة ضيقة تحاول كسب الشرعية السياسية بخطفها من خلال عملية مسرحية تفتقر إلى المقومات الأساسية لنهج اقتراع السكان على ممثليهم وتكوين طبقة سياسية لإدارة البلاد لفترة معينة تسعى خلالها لحل مشكلات المجتمع العراقي وهي كثيرة وخطيرة وعميقة يتحكم بها تراث فاسد لحكم استبدادي دمر اقتصاد البلاد وشوه معالم حياتها الاجتماعية والنفسية والسياسية والثقافية.
وهي تواجه حالات تمرد وإرهاب متصاعدة، هي في جوهرها شكل من أشكال الصراع على كرسي السلطة بينها وبين المتمردين، وفي حين تدرك بقايا النظام السابق أهدافها وترفض المساومة عليها، تتردد الحكومة المؤقتة بالرغم من قوتها العسكرية في معالجة الوضع كما ينبغي، باحثة في واقع الحال عن حلول وسطية ظاهرها تجنب إيذاء المدنيين وباطنها محاولات للالتقاء في منتصف الطريق.
وهي في ذلك بموقف لا تحسد عليه بين مطرقة المتمردين وسندان الرأي العام العراقي وإن كان صامتا وقواه الوطنية وتحالفاتها التي أوصلتها إلى السلطة، ناهيك عن تحالفاتها مع الحركة الوطنية الكردية على إقامة نظام ديمقراطي تعددي فيدرالي في عراق موحد.
وثمة حقائق ثلاث لا غبار عليها :
1- لن يشارك أركان النظام السابق وحلفاؤه في الانتخابات القادمة، وسيعملون بكل قواهم لعرقلتها وإفشالها في كل الظروف. والسبب في ذلك واضح جلي: فهم يريدون أن يحكموا العراق بلا انتخابات أي دون أن ينالوا تأييدا من المحكومين !!! لسان حالهم يقول: هكذا نشأت السلطة السياسية في العراق ، وهكذا ستكون دائما. فالديمقراطية حسنة لكنها ليست للعراق.!!
2- أمريكا لم تخطأ في حساباتها:فقد عزمت منذ البداية على محاربة القاعدة وأنصارها داخل العراق فتركت الأبواب مفتوحة عن عمد.
3- أن سياسات سورية وإيران تقضيان بعدم تمكين العراق من الاستقرار مهما كان الثمن، ناهيك عن بناء نظام ديمقراطي في العراق. .
إذن فالصراع سيبقى دائرا ولكن إلى متى؟؟؟
الوقت ، دون شك، هو العامل الحاسم الذي سيقرر إلى أين تتجه البلاد وسط هذه الأمواج المتلاطمة والصراع غير الإنساني للسيطرة على مقدرات العراقيين ومستقبلهم.
لكنه سؤال مطروح على قوى الشعب العراقي في الشمال والوسط الجنوب .
للمبادرة قبل فوات الأوان.