المعوقات الفعلية بوجه النخب الفيلية

بقلم : د. زهير عبد الملك

 

المتتبع للمقالات المنشورة في المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت ، وهي كثيرة ، يراها زاخرة بالبحث عن أسباب فرقة الكرد الفيليين وتشتتهم . ومعظم تلك المقالات تركز على الجانب الشخصي في الخلافات بين الأطراف صاحبة الشأن . وهو جانب على قدر كبير من الأهمية من حيث كونه إن دلّ على شيء فعلى قصور في الارتقاء إلى مستوى المسؤوليات التي تستلزمها حاجات ومصالح الشريحة الفيلية المظلومة من الحكام الطغاة ومن أبناءها أيضا.

 بيد أن في مختلف الأحزاب السياسية العراقية العاملة في الوطن وخارجه نخب كردية فيلية تعمل بانسجام وتنسيق كاملين من أجل أهداف تلك الأحزاب  : بما يصب في نهاية المطاف في النهوض ببناء الوطن وتنظيفه من أدران الدكتاتوريات والسياسات العنصرية التي نكلت عن عمد وسبق إصرار بالشعوب العراقية المتآخية منذ أقدم الأزمان. ولم نشهد يوما ما صراعات ومهاترات  لا في ما بينهم ولا مع رفاقهم ، فما بال النخب غير المنتمية من الكرد الفيلية مشتتة ، تعزف عن أن  تنضوي تحت مظلة حزب سياسي تقدمي لا في أهدافه وسياساته المرتبطة  عضويا بالحركة الوطنية العراقية الساعية بجد من أجل بناء عراق ديمقراطي فيدرالي فحسب ، بل في شكل تنظيمه وشفافية آليات عمله بما يعني العمل بتفان وإخلاص من أجل مصالح الكرد الفيليين في العراق في تحقيق  التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. حزب سياسي يضم النخبة التي تستطيع بكفاءاتها المتعددة في مختلف مجالات العمل السياسي إدارته وتعبئة جمهور الكرد الفيليين خارج إقليم كردستان العراق وراء سياسات ترمي إلى النهوض بمستويات حياتهم المادية وتعليمهم و ثقافتهم والدفاع عن حقوقهم وتنميتها لضمان توافر قوى مؤهلة إضافية لبناء العراق الجديد .

 وراء تشتت  معظم النخب الفيلية غير المنتمية ، وعزوفهم عن العمل السياسي بمستوى التنظيم الحزبي المتطور عوامل عديدة ، بعضها خلافات شخصية غير ذات مغزى ،وبعضها الآخر على صلة بقضايا ليس من المنتظر أن  يختلف عليها عاقلان، وكلها تعكس، بلا ريب، تلكؤ الوعي بجسامة المسؤولية الملقاة على كاهل بعض أبناء الجيل القديم من الفيليين غير المنتمين والمستقلين ومعظم الشباب الفيلي الذي نما وترعرع في داخل الوطن بظل الإرهاب والخوف وفي المنافي حيث يعاني صعوبات  الاندماج في المجتمع المضيف والعزلة النسبية رغم حرص الأسر الفيلية على حسن تربية أبناءها ، ومدى إدراكه لطبيعة المآسي التي حلت بالكرد الفيليين في العراق ، وطابعها المدني لسلطة سياسية من المغامرين المتغطرسين أرادت  عن جهل بطبيعة المجتمعات البشرية وحركة نموها ، إنشاء نظام الحزب الواحد والعقيدة السياسية الواحدة ، وإقصاء المعارضين لسلطة الحاكم الأحد نفيا وقتلا شمل الملايين من العراقيين المعارضين لسطوتها عربا وكردا ومن قوميات أخرى، وعن جهل مطبق بواقع العراق بلدا لعدة قوميات ذات لغات وحضارات وعادات وتقاليد وتأريخ متنوع صهر هذا الواقع بتدميره  وإنشاء دولة القومية الواحدة والثقافة الواحدة على أنقاضه . ولم تتعلم الدرس المفيد  من فشل الطغاة  الذين سبقوها في في مثل هذه المحاولات اللاإنسانية والمنافية لحركة والتاريخ والمجتمعات البشرية على امتداد التاريخ القديم والحديث

 إن نظرة متعمقة لأسباب تهجير الكرد الفيليين في السبعينات والثمانينات وما بعدها جماعيا من البلاد تكشف عن هذه الحقيقة المرة التي ذاقها العراقيون على أيدي طغاة البعث وزبانيته قرابة أربعة عقود أو ما يعادل نصف  عمر الدولة العراقية الحديثة التي أنشئت في عشرينيات القرن الماضي .

 وهذا جانب أساسي في المعوقات الفعلية بوجه النخب الفيلية ، وإحجامها عن المبادرة إلى تأسيس كيان سياسي موحد يتولى بمشاركة النخب من الكرد الفيليين الذين قارعوا  الظلم أو كابدوا سنوات طويلة منه بظل النظام السابق، مهام تعبئة جهود  الكرد الفيليين في البلاد والخارج في إطار شكل متقدم من أشكال التنظيم السياسي، والاندماج بالحياة الديمقراطية في عراق الغد من أجل خدمة مصالح الفيليين والشعب العراقي عموما. وأعني بذلك تأسيس حزب سياسي تقدمي ، تتسم أنشطته وأعماله وسياساته بشفافية كاملة وأساليب ديمقراطية في اختيار قيادته وكوادره العاملة في الداخل والخارج . 

نعم الفيليون عراقيون من الكرد ومن المذهب الشيعي . تلكما حقيقتان ثابتتان لاشك فيهما لكن مآسيهم جاءت أساسا بسبب توجهات الدولة البعثية - العنصرية لا غيرها . وهذا سبب إضافي وعنصر حاسم في تحفيز النخب الكردية الفيليية لأن تتولى زمام  المبادرة وتؤسس حزبا سياسيا للكرد الفيليين سليما وشفافا وتقدميا .

: مقال لتبادل الآراء ولفتح حوار مثمر بين النخب الفيلية بمنتهى الشفافية والحرص على مستقبل شريحتنا وحبنا للوطن العراق.
zuhair@libero.it