[13-02-2005]
يتساءل
المثقفون الكرد الفيليون في العديد من جلساتهم ولقاءاتهم عن موضوع الهوية السياسية
والإيديولوجية الفكرية للحزب الكردي الفيلي الجديد المعتزم إنشاؤه في المستقبل
القريب ، وعما إذا سيكون يساريا أو يمينا ، دينيا أم علمانيا ، محافظا أم ليبراليا
، وغير ذلك .
ولعل أفضل مدخل لتحديد الهوية السياسة للحزب المقترح تكون بمعرفة طبيعة المجتمع
الفيلي وخصائص تركيبته السكانية وتوزيعها على محاور النشاط الاقتصادي والاجتماعي
والثقافي،.وتشخيص نقاط ضعفه وقوته، وآليات ديناميكيته، وتحديد موقعة ودرجة نموه في
إطار المجتمع العراقي ككل
ومن الضروري أولا أن نأخذ بنظر الاعتبار الحقائق التالية :
- تشكل المجتمعات الفيلية مجموعات سكانية صغيرة نسبيا ، تكونت تاريخيا، وهي منفتحة،
ومنسجمة مع الوسط الاجتماعي العربي و منتشرة في وسط البلاد وجنوبها. وقد ساهمت
القوى العاملة الفيلية في مجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية في هذه
المناطق،,كما شاركت النخب الفيلية المثقفة بنشاط في الحياة السياسية لعموم البلاد
ولا سيما منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
- وعلى الرغم من أن درجة التفاعل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي استمرت بوتائر
عالية ما بين الأوساط الفيلية والعربية في بغداد والمدن والقصبات العراقية في جنوب
البلاد إلا أن المجتمعات الكردية الفيلية ظلت تتمتع بخصوصيتها المتميزة من حيث
شعورها في الانتماء للوطن العراقي وبكونها جزءا من الأمة الكردية واعتزازها بلهجتها
القومية ومشاعرها المذهبية . واستطاعت طليعة الكرد الفيليين أن تجمع بنجاح ملحوظ ما
بين إحساسها العميق بالانتماء للوطن العراقي و تمسكهم بالانتماء إلى قوميتهم
الكردية وهو ما يفسر انخراط معظم شباب الفيلية في النضال خلال فترة الأربعينات
والخمسينات وما بعد ذلك من عقود القرن الماضي وما بعدها في صفوف الحركة الوطنية
والكردستانية العراقية من أجل تحرير العراق من المستعمرين وتحقيق استقلاله ومن ثم
بناء دولته الديمقراطية .
- وفي حين لا توجد إحصاءات عن عدد الكرد الفيليين في العراق، كما لا تتوافر لدينا
معلومات موثقة عن أي فترة من تاريخ العراق الحديث تشمل توزيعهم من حيث مجموعات
الأعمار والجنس والنشاط الاقتصادي ومستويات الأمية والتعليم والصحة وعير ذلك من
البيانات الضرورية لاستيعاب المشكلات السكانية ومعالجتها، فإن من المعروف عموما أن
غالبية الكرد الفيليين في العراق هم من المزارعين والعمال الزراعيين والعاطلين
والكسبة وصغار التجار والمعلمين إلى جانب عدد قليل نسبيا من كبار التجار وأصحاب
المهن الحرة . كما لا توجد معلومات دقيقة عن مستويات انتشار الأمية في أوساط
الفيليين، ناهيك عن مستويات التعليم ولاسيما بين أوساط الإناث ، بيد أن أعدادا
كبيرة من الفيليين من كلا الجنسين أحرزت تقدما ملحوظا في مجالات التكوين العلمي
والفني خلال العقود الثلاثة الماضية في بلدان المهجر ولا سيما الأوروبية وفي
الولايات المتحدة وكندا .
- وقد تعرض الفيليون منذ إنشاء الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي إلى أنواع
من الظلم والإجحاف بحقهم كشريحة عراقية أصيلة من مكونات الشعب العراقي الذي تكون
تاريخيا في وادي الرافدين ، واكتسب هويته السياسية شعبا لدولة العراق الحديثة مكونا
من أطياف قومية متنوعة وثقافات منسجمة ومتعايشة بسلام .
وأتخذ ذلك الظلم والإجحاف طورا خطيرا بإقدام السلطات الحاكمة في بغداد ولاسيما خلال
عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي على تهجير الفيليين قسرا من البلاد في
أبشع عملية من عمليات التطهير العرقي وإرهاب الدولة تجرؤ عليها دولة حزب البعث في
العراق، حيث هجرت بالقوة الغاشمة مئات الألوف من الأسر الكردية الفيلية من بغداد
ومدن الجنوب وقراه، بعد أن أسقطت جنسيتهم العراقية واستحوذت على وثائقهم الشخصية
وممتلاكاتهم المقولة وغير المنقولة في أبشع عملية سبي جماعي وترويع للأطفال والنساء
والرجال لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا على الإطلاق .
مما سبق نستنتج طبيعة المهام الملقاة على عاتق الحزب الكردي الفيلي المقترح
والأهداف التي يسعى لتعبئة جهود وطاقات الكرد الفيليين من أجل تحقيقها .وهي أهداف
آنية ومرحلية وعامة .
الأهداف الآنية : وتستند إلى واقع المعاناة الإنسانية التي عاشها الكرد الفيليون
جراء عمليات التسفير والتهجير القسري،التي تعرضوا لها خلال ولاسيما عقدي السبعينات
والثمانينات من القرن الماضي بإقرار حقوقهم المدنية والقومية وإعادة الجنسية
العراقية للذين انتزعت منهم ظلما وعنوة وتشريع ضمانات دستورية بعدم الاعتداء عليهم،
وتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدوها ، وإعادة الاعتبار لشهدائهم
وإنصاف ذويهم.
الأهداف المرحلية : و هي عملية متواصلة تستهدف النهوض بالمستويات الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المحلية الفيلية وتطويرها إلى مصاف المجتمع
العراقي المتقدم.
الأهداف العامة : وهي المشاركة الفاعلة مع القوى الديمقراطية في الحركة الوطنية
والكردستانية العراقية في عملية إعادة بناء البلاد وتثبيت دعائم الديمقراطية
السياسية والاقتصادية وترسيخ مؤسساتها وتطويرها باتجاه بناء مجتمع عراقي فيدرالي
موحد متعدد القوميات والثقافات المتآخية بظل السلم ومن أجل ازدهار العراق اقتصاديا
واجتماعيا وثقافيا ، وإنهاء عهود الظلم والقهر والاستبداد.
مما سبق نستنتج الخلاصة التالية :
أن الحزب السياسي المقترح للكرد الفيليين،إنما يسعى إلى تمثيل الكرد الفيليين من
سكان بغداد وفي المناطق الواقعة إلى الشرق من نهر دجلة،في البرلمان العراقي ،
والدفاع عن قضاياهم والاستجابة لمستلزمات تنمية مجتمعاتهم على الأمد القريب
والبعيد، ولاسيما تلبية احتياجات الشبيبة والمرأة الفيلية في ربوع مجتمع ديمقراطي
عراقي متقدم. وبناء على ذلك تتضح الهوية السياسية للحزب الكردي الفيلي جلية في أنها
تستمد فكرها السياسي من واقع المجتمع العراقي عموما ومن واقع المجتمعات الكردية
الفيلية خارج إقليم كردستان العراق ، وهي بذلك لا تتعارض أو تتناقض مع سياسات
الحركة الوطنية والكردستانية العراقية ومع سياسات الدولة العراقية النابعة من
قرارات ممثلي الشعب العراقي في الجمعية العامة أو البرلمان العراقي المنتخب .
ولا يمكن للحزب الكردي الفيلي المنتظر أن يكون يمينيا أم يساريا ،ليبراليا أم
محافظا أو بل سيكون حزبا علمانيا يحترم العقائد والمبادئ الدينية ، وتقدميا في فكره
وسياساته وفي سلوك قيادته وقواعده. يعمل على تمتين الجبهة الداخلية لقوى التحرر
والديمقراطية في الداخل منفتحا على آفاق التقدم والحرية في الخارج.
وسيعتمد
الحزب على عنصري
(1) التعاون
والمشاركة في المسؤولية مع الأطراف الوطنية والكردستانية، ودعم جهود الدولة
العراقية الديمقراطية لإعادة بناء الوطن وترسيخ مؤسسات الحكم التعددي الفيدرالي في
البلاد.
(2)
الشفافية في العمل والتزام نهج نكران الذات والتمويل الذاتي والنشاط التطوعي .
مقال لتبادل الآراء ولفتح حوار مثمر بين النخب الفيلية بمنتهى الشفافية والحرص على
مستقبل شريحتنا وحبنا للوطن العراق.
zuhair@libero.it