مراجعة سريعة للحركة السياسية في أوساط الكرد الفيليين

د . زهير عبد الملك

  الكرد الفيليون:

 شريحة من أقدم  سكان الجزء الجنوبي الشرقي من بلاد ما بين النهرين،وهم السكان الأصوليون للمدن و القرى والقصبات الممتدة إلى الشرق من مجرى نهر دجلة،من خانقين شمالا إلى الكوت والعمارة ثم  البصرة جنوبا، فضلا عن مدينة بغداد . ويذكر الباحث العراقي عباس العزاوي عن تاريخ مدينة العمارة العراقية : "أن هذه المدينة تكونت عام1860 ميلادية  ، 1278 هجرية ، وكانت تسكنها عشيرة (دوزاوه) من اللور الفيلية، وجملة عشائر بدوية ". ويلاحظ أن هذه المناطق أصبحت بحكم ترسيم الحدود الدولية ما بين العثمانيين والفرس في مطلع القرن الماضي جزءا من الإمبراطورية العثمانية أي ضمن الأراضي التي أنشئت عليها الدولة العراقية الحديثة (المملكة العراقية) في العشرينات. وعاش الفيليون في وسط البلاد وجنوبها، واندمجوا على نحو متكامل اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا بالمجتمعات  العربية، دون أن يفقدوا حسهم بالانتماء القومي إلى الأمة الكردية، كما حافظوا على  تقاليدهم المذهبية (الجعفرية) ولهجتهم الكردية- الفيلية، شأنهم في ذلك شأن العديد من الأقليات القومية والدينية الصغيرة التي تكون منها المجتمع العراقي تاريخيا .

 نشوء الوعي السياسي:

 شهدت الفترة بين منتصف أربعينات وبداية  خمسينات القرن الماضي باكورة نشوء الوعي السياسي المواكب للعصر في صفوف الشبيبة الكردية الفيلية ولاسيما من سكان مدينة بغداد، واندفاعهم بحماس للمشاركة في النضال الوطني لتحرير العراق من التبعية الاستعمارية وإحراز استقلال الناجز و بناء الديمقراطية في البلاد. ووجدت طليعة الفيليين في الحركة الوطنية العراقية المناهضة للاستعمار والرجعية المحلية والإقطاع، بتعبيرات ذاك الزمان، ملاذها الطبيعي والهيكل المناسب لاستيعاب طاقاتها الكفاحية والاستجابة لطموحاتها الوطنية، واندفعت بحماس نحو الانخراط في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ، وكان أبرز قوة سياسية وتنظيمية في بغداد، وفي العديد من المدن العراقية ولاسيما في الوسط والجنوب باعتباره المعبر الصادق والصلب لاستيعاب كفاحها الوطني، واجدين في أهدافه الوطنية والأممية الحل الأمثل لتحرير العراق من الهيمنة الأجنبية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بظل الحرية والديمقراطية. كما برزت خلال ذات الفترة معالم النشاط الفيلي ذو التوجه القومي الكردستاني، ولاسيما في الفترة التي رافقت  تأسيس الحزب الوطني الكردستاني –البارتي- في بغداد آنذاك .

 مساران أساسيان

نمت حركة الانتماءات السياسية في أوساط الكرد الفيليين ولاسيما في بغداد بوتائر متسارعة على مسارين رئيسيين متوازيين بين الأحزاب اليسارية والقومية الكردية، ولم تسجل اتجاهات خارجة عن هذين المسارين،إلا في الفترة التي رافقت ظهور ومن ثم تطور نشاط الحركات الإسلامية الشيعية لمقاومة الأنظمة الديكتاتورية العسكرية ونظام الحزب الواحد  التي تعاقبت على التحكم بمصير البلاد حتى انهيار الدولة العراقية المركزية وزوالها،  حيث تبلورت حركات ذات توجه ديني بين الكرد الفيليين، نمت وترعرعت داخل العراق، وفي المنافي بعد عمليات تهجيرهم القسري من البلاد في السبعينات والثمانينات .

 المرحلة الأولى :

 لم يشهد النشاط السياسي الكردستاني  في أوساط الكرد الفيليين، تغيرات ملموسة ذات صلة بتأسيس حركة سياسية مستقلة للكرد الفيليين. كما ظلت القناعة سائدة  في أوساط الفيليين من أن الارتباط بقوى الحركة الوطنية العراقية و الكردستانية من الثوابت الأساسية التي يتمسك بها الكرد الفيليون والضمان المؤكد لحمايتهم  وإقرار حقوقهم المدنية والقومية في العراق. بل لم تكن فكرة الحركة السياسية المستقلة أو الحزب السياسي من بين الموضوعات السياسية التي تعالجها النخب الكردية الفيلية ذات التوجهات العلمانية اليسارية والقومية  أو الإسلامية . فقد ظلت تلك  النخب الفيلية على إيمانها الراسخ من  كونها تشكل في واقع الحال جزءا من قوى التحرر والديمقراطية في العراق الجديد.وجزءا من الحركة الإسلامية الموالية للفكر الشيعي.

ولم تشعر النخب الفيلية خلال تلك الفترة الطويلة من تاريخ نمو المجتمعات الفيلية بضرورة تأسيس تنظيمات سياسية مستقلة خاصة بالكرد الفيليين، لاعتبارات كثيرة يأتي في مقدمتها  المشاعر العميقة للنخب الفيلية في أصالة انتمائها للوطن العراقي،ولأنهم وجدوا في الحركة الوطنية العراقية اليسارية والكردستانية ومن ثم الإسلامية هياكل تستوعب تطلعاتهم الوطنية والقومية .

 على هذا الأساس ظلت قضية الكرد الفيليين ومشكلاتهم مع الدولة العراقية وديعة مؤتمنة لدى أطراف الحركة الوطنية العراقية اليسارية و الكردستانية والإسلامية ، للدفاع عن حقوقها القومية و المدنية. وقد أنجزت القوى الوطنية والكردستانية كافة هذه الكفالة على أفضل ما يكون، وظلت مأساة الفيليين هذه  بانتظار الحل جزءا من مشكلات الشعب العراقي ككل بعد الخلاص من النظام العنصري الاستبدادي لدولة البعث العربي .

 المرحلة الثانية 

   مرت البلاد خلال مرحلة استغرقت ثلاثة عقود متواليات من الظلم والإرهاب السياسي وحروب الإبادة الداخلية وحربين خارجتين،تفشى أثناءها نظام دكتاتوري من نمط فريد من  المافيا السياسية المستهترة بحقوق الإنسان توجهت نحو نهب ثروات البلاد وتبديدها في محاولات يائسة للحفاظ على سطوتها السياسية،وتعريض استقلال البلاد لأخطار مؤكدة. وفي قترة مبكرة من دخول الدولة البعثية في قطيعة تامة مع الشعب العراقي، أقدمت في بداية السبعينات والثمانينات، على ارتكاب أول جرائمها الفاحشة بحق الشعب العراقي،بأن أمرت أجهزتها القمعية بتهجير الكرد الفيليين جماعيا من العراق قسرا ورميهم على الحدود بذريعة التبعية الإيرانية ، وأسقطت عنهم الجنسية العراقية وصادرت أموالهم المنقولة وغير المنقولة واحتجزت ألوفا من الشباب الكرد الفيليين رهائن لديها في أبشع عملية سبي شهدها التاريخ الحديث للعراق وللأمم الأخرى، قبل أن تشن حرب إبادة شاملة بحق الكرد والعرب  وسائر القوميات العراقية : حرب الأنفال وقصف القرى الكردية ومنها مدينة حلبجة ومناطق الأهوار العربية بالقنابل الكيماوية . كما عرضت الفكر السياسي والتكوين النفسي للشعب  العراقي  إلى عمليات منظمة للتشويه والتدمير. وشهد نمو الحركة الوطنية في الداخل حصارا كاملا،الأمر الذي دفع الملايين من العراقيين للهرب إلى خارج البلاد، وعرفت معظم بلدان العالم العراقيين اللاجئين إليها هربا من ظلم النظام العراقي وجبروته .

 واستوعبت جمهورية إيران الإسلامية أعداد هائلة من العراقيين المهجرين قسرا إليها ومن بينهم مئات الألوف من الكرد الفيليين الذين قضوا سنوات فيها قبل أن تتدفق هجرتهم نحو البلدان الاسكندنافية والأوروبية والأمريكتين وغيرها من بلدان الشرق والغرب اعتبارا من الثمانينات .

وفي فترة عزلة الفيليين في المنافي، وتشتت قوى الحركة الوطنية والكردستانية في الداخل والخارج، شعرت النخب الفيلية بأهمية دورها في تعبئة الفيليين وحمايتهم من مخاطر الاغتراب ومن ثم حفاظهم على  الأواصر والعلاقات القومية والاجتماعية التي تربطهم ببلدهم المستباح .

 العمل السياسي المستقل

        وإلى جانب اندفاع بعض النخب الفيلية لتوطيد علاقاتهم مع قوى المعارضة العراقية الكردستانية والإسلامية التي كانت تعمل بحذر شديد  في السر خارج العراق، سارع الفيليون إلى تأسيس جمعيات ومنظمات في العديد من بلدان العالم بهدف تعبئة الرأي العام العراقي والإقليمي والدولي ضد النظام الحاكم في بغداد وتعرية طابعه العنصري واللاإنساني والمنافي لحقوق الإنسان والمدنية. وفي أواخر الثمانينات ولاسيما بعد حرب تحرير الكويت برزت على السطح لأول مرة أفكار تدعو إلى تأسيس حركة سياسية تستوعب الكرد الفيليين في الخارج.

 وفي ما عدا الأفكار غير الموثقة أو التي ليست لدينا وثائق بشأنها عن ضرورات إنشاء آليات للعمل السياسي في أوساط الكرد الفيليين، نشرت صحيفة الاتحاد لسان حال الاتحاد الوطني الكردستاني في مارس 2001 "دعوة للحوار بشأن إنشاء رابطة للكرد الفيليين في أوروبا" بقلم كاتب هذا المقال،جاءت فيها في ما يخص المسألة التي نعالجها نقطتان:

(1)        لقد تطور المجتمع الكردي –الفيلي منذ النصف الثاني للقرن العشرين، وأفرز نخبة واسعة من المثقفين والمتخصصين في مختلف مجالات الحياة العلمية والأدبية والسياسية في الداخل والخارج. وهذه النخبة هي التي تتلمس عن قرب مآسي ومعاناة الكرد الفيلية، كما تدرك حقيقة أن كفاح الفيلية من أجل ضمان حقوقهم وحقهم في المواطنة لا ينفصل عن كفاح الشعب الكردي في سائر بقاع الوطن الكردستاني المجزأ، بيد أن خصوصية المسألة الفيلية وتعقيداتها تجعل من مبادرتهم لإنشاء رابطة سياسية في أوروبا تتولى تنسيق جهود الفيليين بمثابة حاجة ملحة من أجل انتزاع  حقوقهم القومية والمدنية في العراق، واطلاق سراح أسراهم لدى الدولة العراقية ، والتحقيق في مصير الذين قتلوا منهم في السجون والمعتقلات،والذين أجريت عليهم تجارب إبادة الجنس البشري في مختبرات النظام العراقي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، وتقديم المسؤولين عن هذه الجرائم ومنفذيها إلى المحاكم ...الخ

(2)         وتدرك النخبة الفيلية أن اضطلاعها بهذه المهام الوطنية استكمالا للجهود التي ما انفكت تقوم بها الأحزاب والمنظمات الكردستانية دفاعا عن الفيلية إنما يستجيب لحاجة فعلية فرضها نمو المجتمع الفيلي ، وقد آن أوان مبادرتها لتتولى زمام قضيتها الوطنية مباشرة في إطار الحركة التحررية الكردستانية ومن خلال التحالف والتآزر والعمل على توحيد خطابها السياسي ووضع استراتيجية فعالة لحل المسألة الوطنية الكردية الفيلية .

 المرحلة الثالثة

    استعادت الحركة التحررية الكردستانية قوتها داخل كردستان بحلول التسعينات، وتحولت تدريجيا إلى قاعدة متينة لقواها الذاتية ولقوى الحركة الوطنية العراقية لتصبح في ما بعد نقطة انطلاق لتحرير العراق من نظام ديكتاتوري أصبح وجوده يشكل خطرا على السلم الإقليمي والعالمي وتجاوزت مظالمه واستهتاره بحقوق الإنسان و تنكيله بالشعب العراقي حدود المعقول والمقبول .

   وهي فترة  التحضير واسع النطاق لتعبئة قوى المعارضة العراقية للإطاحة بنظام حكم حزب البعث الطاغي في العراق بدعم من المجتمع الدولي، شهدت  الساحة العراقية اندفاع مجموعات شتى وأفراد من مختلف المشارب لفبركة كيانات سياسية معظمها وهمي و بعضها ساذج موجهة نحو  اقتناص الفرص المتاحة للحاق بركب المحررين الأمريكان على موجة معارضة النظام العراقي أملا في الحصول على مكاسب وامتيازات لم تكن دوافع المصالح الشخصية بعيدة عنها .كما ظهرت مثل تلك المحاولات في صفوف أوساط عديدة من العراقيين المتضررين من النظام العراقي ومنهم عدد من الكرد الفيليين المقيمين في أوروبا من المستقلين سياسيا من مختلف الاتجاهات والميول السياسية .

 ففي صيف  2002، تكثف نشاط النخب الفيلية  في أوروبا، باتجاه تشكيل تنظيم سياسي للكرد الفيليين، ونجحوا في تنظيم اجتماع حضره ممثلون عن الجمعيات  والشخصيات السياسية الفيلية في أوروبا،عقد في سبتمبر/أيلول من العام نفسه ، بمدينة هامبورغ الألمانية ، تداولوا  خلاله في أوضاع  الفيليين وخلصوا إلى ضرورة تأسيس المجلس العام للكرد الفيليين .ونقلت وكالة يونايتد بريس خبر تأسيس المجلس مشيرة نقلا عن سكرتير جمعية الكرد الفيليين في ألمانيا ( عقدت مؤتمرها التأسيسي في بداية يونيو/ حزيران 2002 ) إلى " أن المجلس يعتبر  مظلة تجمع نشاط وجهود الجمعيات الفيلية وتوحد كلمتهم من أجل إيصال معاناتهم إلى المحافل الدولية، وإلى أن المجلس أرسل نداء إلى جميع الأحزاب الكردستانية لإدراج مشكلة الفيلية ضمن المطالب الرئيسية لأي مشروع كردي في المستقبل ضمن العراق الموحد والمطالبة بكشف المفقودين من شباب الكرد وهم أكثر من 7 آلاف شخص، وضمان عودة المرحلين تحت إشراف الأمم المتحدة وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم.

 وواصل المجلس العام بعد انتهاء اجتماعات هامبورغ الاستعداد لعقد مؤتمر تأسيسي يؤهله شرعية تمثيل الكرد الفيليين .

 وفي خضم تلك الأحداث المسارعة ، واقتراب عقد مؤتمر المعارضة العراقية في لندن أواخر عام 2002 ، أتاح الاتحاد الوطني الكردستاني للمجلس العام للكرد الفيليين الناشئ حديثا فرصة تمثيل الفيليين ضمن الوفد الكردستاني إلى المؤتمر ، وانتخب المجلس أحد أعضاءه لحضور المؤتمر لتقديم ورقة عمل ،حررها كاتب هذه المقالة،  بعنوان المسألة الفيلية في العراق : الأصول والحلول  جاء فيها من بين أمور أخرى " دعوة  أطراف المعارضة العراقية المجتمعة في مؤتمر لندن " إلى النظر في مسألة الكرد الفيليين في العراق في ضوء الحقائق التاريخية والموضوعية المتعلقة بانتساب هذه الفئة من الشعب الكردي إلى الوطن العراقي. واتخاذ القرارات  المناسبة بما يضمان حقوقهم الوطنية والقومية.وإيجاد أفضل السبل الكفيلة لتمتعهم بالأمن والسلم والازدهار. ودعوة المهجرين منهم في إيران وفي منافي العالم  وعددهم يزيد الآن عن  نصف مليون للعودة إلى العراق وطنهم التاريخي بعيدا عن الظلم والعدوان وانتهاك حقوق الإنسان،وبظل نظام فيدرالي ديموقراطي تعددي تحتكم السلطة السياسية فيه إلى صناديق الاقتراع" .

 

و إلى جانب نشاط الكرد الفيليين لإسماع صوتهم في المحافل العراقية عاليا دفاعا عن حقوق الشريحة الفيلية المسحوقة من أبناء الشعب العراقي ككل شهدت  الفترة من سبتمبر / أيلول إلى  ديسمبر / كانون الأول 2002 مبادرات من قبل بعض أعضاء المكتب التنفيذي المقيمين في لندن، لطرح المجلس طرفا مستقلا بين أطراف المعارضة العراقية والكردستانية،  ولم يكن المجلس قد عقد مؤتمره التأسيس بعد، في محاولات يائسة لركوب موجة حركات المعارضة وأحزابها التي تكاثرت آنذاك على نحو ملفت للنظر خارج أطر الحركة الوطنية والكردستانية العراقية المعروفة بتاريخها العتيد والعريق في مقارعة نظام البعث الحاكم في بغداد . ودخلت تلك المجموعة في علاقات هامشية وغير متوازنة مع الأحزاب الكردستانية والإسلامية على نحو يوحي باللعب بالورقة الفيلية دونما تخويل أو أساس رصين منسجم مع طبيعة العمل السياسي الجاد . الأمر الذي دفع كاتب هذه السطور إلى الانسحاب من المجلس في 17/10/ 2002 ، منوها إلى أنه :

1- لم يكن من المفهوم علنا أو ضمنا أثناء اجتماعات هامبورغ أن يسعى المجلس لأن يلعب دورا موازيا على مستوى الأحزاب السياسية الكردية العريقة في كفاحها من أجل الشعب الكردي في العراق ، ناهيكم عن الأحزاب العراقية المؤتلفة لإقامة نظام ديمقراطي تعددي فدرالي في العراق.. . أو أن يستخدم (المجلس) الورقة الفيلية بذريعة  المشاركة في الجهود السياسية المبذولة لتغيير نظام الحكم في العراق أو الخوض في مناورات سياسية فاشلة بدوافع لا تمت بصلة إلى مأساة الكرد الفيليين ..

2-  ولذلك أرى من واجبي تنبيهكم إلى ما يلي:

3-  يتعذر على المجلس الوقوف على قدم وساق كطرف مستقل عن التنظيمات العراقية الأخرى في مسألة تقرير مستقبل نظام الحكم  في العراق .

4-  المصدر الوحيد لقوة أي تنظيم فيلي هو الحركة الوطنية الكردستانية . ...ت – يستطيع المجلس العمل كجهة مستقلة في إطار الحركة الوطنية الكردستانية ، وهذا ما يفسر خصوصية المسألة الفيلية في العراق بسبب العامل الجغرافي نظرا لوقوع معظم مناطق سكن الكرد الفيلية خارج إقليم كردستان في الاتحاد الفيدرالي المنتظر. ... ح – ولا أعتقد أن النجاح سيكون حليف أي جهود قد تبذل من قبل المجلس للخروج على دوره الطبيعي ، والعكس صحيح إذ أن مثل هذه المحاولات ستؤول لا محالة إلى تثبيط همم الكرد الفيليين في الدفاع عن قضاياهم المشروعة وتعريض مستقبلهم لخطر التشرد في أصقاع الأرض.

 وفي يناير/كانون الثاني من العام التالي عقد أعضاء المجلس العام للكرد الفيليين مؤتمرهم الأول،تحت شعار ( من أجل الحقوق المشروعة للكرد الفيليين) ، بحضور ممثلين عن حزبي الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني ، وعدد من الضيوف  والشخصيات العراقية  السياسية . وركز البيان الختامي للمؤتمر على عزم المجتمعين على المشاركة " كمنظمة ديمقراطية مستقلة ذات أهداف سياسية تمثل مصالح الكرد الفيليين ، مع الأطراف الفاعلة على الساحة الوطنية والدولية من أجل التغيير الديمقراطي المنتظر في العراق بإسناد من المجتمع الدولي " . كما أكد المؤتمر على التزام المجلس العام " بما تمليه مصالح الكرد الفيليين وحقوقهم الوطنية، وبأهداف الشعب الكردي وطموحاته في تحقيق النظام الديمقراطي الفيدرالي الموحد والعمل مع أشقائنا في كردستان وقوى المعارضة العراقية لتحقيق دولة العدالة في عراق المستقبل".

بيد أن مؤتمر ليل ، لم يكن في واقع الحال سوى فرصة لبعض أعضاء المجلس من الذين ركبوا موجة المعارضة العراقية المتكاثرة لكي ينسحبوا دونما ضجة ليشكلوا منظمة جديدة هي " منظمة الكرد الفيليين الأحرار" وقد عرفت نفسها في المادة الأولى من نظامها الداخلي على النحو التالي : " منظمة عراقية سياسية ديمقراطية مستقلة تتكون من أبناء الشعب المستقلين سياسيا، ".

  ولدى انهيار النظام السياسي في بغداد في أبريل / نيسان 2003، توجهت أعداد من الكرد الفيليين إلى العراق ، ومن بينهم عدد من أعضاء المجلس العام ومنظمة الكرد الفيليين الأحرار لإنشاء مكاتب ف  بغداد وفي مناطق  عراقية أخرى في الوسط والجنوب بهدف تعبئة جهود الفيليين لإسناد التغيير والاستعداد للمشاركة في بناء العراق الديمقراطي الفيدرالي ، موثقين صلاتهم بالحركة الكردستانية والعراقية عموما سعيا لاحتضان مشكلات الكرد الفيليين وإنصافهم بظل العهد الجديد. 

 وفي فترة التحضير للانتخابات العراقية  في يناير 2005، ظهرت مؤشرات مخيبة للآمال بشأن طبيعة أنشطة عدد من الكرد الفيليين . وتجسدت تلك المؤشرات في ما بعد بدخول "الأحرار"  في قائمة انتخابية مستقلة عن قائمة التحالف الكردستاني ، ومبادرة فئة من الكرد الفيليين  من ذوي الاتجاهات الإسلامية إلى التقدم بقائمة مستقلة عن الإتلاف الموحد . ولم تحرز القائمتان على كفاية من الأصوات تؤهلهما للمشاركة في البرلمان العراقي وتشتت أصوات المواطنين الكرد الفيليين بين المصوتين. وسرعان ما كشفت نتائج الاقتراع في بغداد في 30 يناير /كانون الثاني عن تشتت أصوات الكرد  الفيليين على القوائم الانتخابية المتنافسة،وحصول قائمة التحالف الكردستاني على عدد قليل  لا تتناسب مع ما كان متوقعا.

 وظهرت تعليلات تناولت تفسير أسباب ابتعاد أصوات الكرد الفيليين عن التحالف الكردستاني،على النحو الذي شملته آراء عينة من المواطنين بينهم كرد فبليون بثتها فضائية كردستان فهي في مجموعها تعليلات جزئية مقبولة لكنها لا ترقى إلى مادة متكاملة صالحة لصياغة تصور علمي سليم لتفهم الحالة .فضلا عن أن بعض تلك التعليلات أسرفت في المساس، لربما من حيث لا تدري ، ومن دون توافر معلومات إحصائية موثقة عن نمط توزع أصواتهم على القوائم الأخرى، بمشاعر الكرد الفيليين القومية على حساب مشاعرهم الدينية المذهبية.

 بيد أن معالجة أسباب تشتت أصوات الكرد الفيليين على قوائم انتخابية متعددة إنما يعكس بالدرجة الأولى عدم تبلور وعي سياسي ناضج لدى الناخبين الفيليين يسمح لهم بتشخيص آلية العمل البرلماني الديمقراطي الذي بفضله يستطيعون استرداد حقوقهم القومية والمدنية عبر الحرص على عدم تشتيت قوة مشاركتهم في الانتخابات ، بالاقتراع لصالح القوائم الانتخابية الحريصة على الوفاء بالتزاماتها في الاستجابة  لمطالب العراقيين الوطنية والقومية والتي دأبت على احتضان قضايا الفيليين والدفاع عنهم باستمرار. ولا يعزى عدم تبلور الوعي السياسي الناضج في هذه المرحلة التغيرات التي طرأت على المجتمع العراقي وعلى نمو الحركة الوطنية والكردستانية إلا  إلى  افتقار الكرد الفيليين إلى هيكل سياسي يجمعهم في الداخل و الخارج يجدون في أهدافه وآليات عمله مساحة للتعبير عن طموحاتهم الوطنية والقومية . ولم تستطع الجمعيات والمنظمات الكردية الفيلية أينما كانت، بل لم يكن من بين مهماتها الأساسية، تعبئة الفيليين وراء أهداف انتخابية/ سياسية مرتبطة على نحو وثيق بمصالحهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وتستهدف إعادة بناء  العلاقات القومية والوطنية للكرد الفيليين بالمجتمع العراقي وتوطيدها من خلال تخطي أزمة إنكار المواطنة العراقية عليهم من قبل النظام المقبور وتشردهم في المنافي لنحو من ثلاثة عقود متواليات.

ومن المؤكد أن تكون نتائج الاقتراع على القائمة الكردستانية مختلفة لو كان البرنامج السياسي للتحالف الكردستاني قد تضمن نصا يتبنى فيه الدفاع عن حقوق ومصالح الكرد الفيليين كما كنا نتوقع بقلب مطمئن، أو أن تكون الأحزاب السياسية العراقية قد طرحت في برامجها الانتخابية فقرات تتبنى العمل على إنصاف الشريحة الفيلية واستعادة حقوقها. ولم يكن من المتوقع فوز قائمتين تقدمتا إحداهما باسم قائمة الاتحاد الإسلامي لكرد العراق الفيليين والأخرى للعدالة والمستقبل  لأسباب عديدة لطرحها في سياق هذه المقالة ، لكنها ساهمتا في تشتت أصوات الناخبين من الكرد الفيليين ، وفسحتا المجال لمزيد من خنق الوعي الفعلي والعملي بمصالحهم والآليات  الناجعة المؤكدة  لتلبية مطالبهم . وهكذا توزعت أصوات الفيليين شأن غيرهم من الناخبين العراقيين جميعا على التصويت لصالح قوائم يأملون في سياساتها وبرامجها الانتخابية حرصا على مصالح الشريحة الفيلية . 

 المرحلة الرابعة

وتدرك النخب الكردية الفيلية بعمق أن الإرادة السياسية في الاستجابة  لحقوق ومصالح الفيليين في العراق والاهتمام بقضاياهم  إنما تتوقف على عوامل لا تخرج على سلّم الأولويات المطروحة على الجهة السياسية المعنية على مستوى البلاد ككل، سواء بالنسبة إلى للتحالف الكردستاني أ و القوى الوطنية العراقية الأخرى.   ومن هنا يدرك الفيليون أن قضاياهم لا تتصدر بالضرورة  قائمة الأولويات لدى جميع الأطراف السياسية في الحركة الوطنية والكردستانية العراقية، لا إهمالا وإنما بسبب ترتيب الأولويات في عراق دمره الاستبداد السياسي والعنصري زمنا طويلا . ولذلك يرون عن واقعية برغماتية صرفة أن تشكيل حزب سياسي عراقي للكرد الفيليين، قوي وشفاف و متماسك ويمثل أوسع فئات الشريحة الفيلية ، يتمكن من رفع عدد كاف من نوابهم إلى البرلمان العراقي كفيل ضامن لدخول الكرد الفيليين في العملية الديمقراطية لإدارة شؤونهم جنبا إلى جنب مع إدارة شؤون العراقيين عربا وكردا ومن أقليات أخرى ، ابتداء من بلوغ أهدافهم الآنية التي ترتبت على  واقع المعاناة الإنسانية التي عاشها الكرد الفيليون جراء عمليات التسفير والتهجير القسري،التي تعرضوا لها خلال ولاسيما عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بإقرار حقوقهم المدنية والقومية وإعادة الجنسية العراقية للذين انتزعت منهم ظلما وعنوة وتشريع ضمانات دستورية بعدم الاعتداء عليهم، وتعويضهم عن الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدوها ، وإعادة الاعتبار لشهدائهم وإنصاف ذويهم ، وإلى العمل الدؤوب للنهوض بالمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمعات المحلية الفيلية وتطويرها إلى مصاف المجتمع العراقي المتقدم.في إطار  المشاركة الفاعلة مع القوى الديمقراطية في الحركة الوطنية والكردستانية العراقية في عملية إعادة بناء البلاد وتثبيت دعائم الديمقراطية السياسية والاقتصادية وترسيخ مؤسساتها وتطويرها باتجاه بناء مجتمع عراقي فيدرالي موحد متعدد القوميات والثقافات المتآخية بظل السلم ومن أجل ازدهار العراق اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، وإنهاء عهود الظلم والقهر والاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي .

كما تدرك النخب الفيلية أن اضطلاعها بهذه المهام يأتي استكمالا للجهود التي ما انفكت تبذلها الأحزاب الكردستانية والأحزاب العراقية التي قارعت النظام الديكتاتوري المقبور دفاعا عن الكرد الفيليين إنما يستجيب لحاجات فعلية فرضها نمو المجتمعات الفيلية في العراق، وقد أن الأوان لأن تبادر إلى تولي زمام أمور شريحتها الكردية في إطار الحركة التحررية الكردستانية خصوصا والعراقية ذات التوجه الديمقراطي المؤمنة بحقوق الإنسان والمواطن العراقي في الحرية والأمان والتنمية، من خلال التحالف والتآزر معها وتوحيد خطابها السياسي وإياها.

 
إن الكرد الفيليين أحوج ما يكونوا اليوم إلى الارتقاء بمستويات نشاطهم من مستويات التنظيم الاجتماعي –الخيري إلى التنظيم السياسي للنهوض بمجتمعاتهم المحلية المتناثرة في العراق جنوبا ودفع عجلة نموها وتطورها إلى أمام . ولهذه الحاجة جذور تمتد إلى أواخر الثمانينات على هيئة أفكار كان الفيليون يتبادلونها في ما بينهم في مواجهة المحن التي تعرضوا لها وشعورهم بضرورات المشاركة الفعلية في حماية أبناء جلدتهم في إطار مجتمعاتهم ومن خلال الربط العضوي بين الانتماء القومي للأمة الكردية والانتماء للوطن العراقي .

 والكرد الفيليون المخلصون في مشاعرهم والمدركون لدورهم الوطني يرون اليوم ضرورة تنظيم قواهم السياسية من أجل تمثيلهم في الجمعية الوطنية –البرلمان العراقي_  وتعبئة جهودهم الاقتصادية والاجتماعية من أجل النهوض بالشريحة العراقية من الفيليين الواقعة جغرافيا خارج إقليم كردستان العراق. وهو شعور نما وتبلور بفعل نمو المجتمع الفيلي وتكوين نخب من المثقفين الذين بروا لأنفسهم دورا إلى جانب أخوتهم الكرد في لإقليم كردستان وأشقاءهم من العرب والقوميات الأخرى في العراق الديمقراطي المتحرر من الديكتاتورية والإرهاب السياسي.

 وهم يجسدون هذه الحاجة من خلال العمل على تأسيس حزب سياسيي يحظى بالترحيب والدعم من جانب الأحزاب الوطنية العراقية الكردية والعربية التي تسعى إلى قيام نظام ديمقراطي اتحادي في العراق .

 حزب سياسي يصطف في البرلمان العراقي إلى جانب الكتلة الوطنية الديمقراطية ويستمد مواقفه من الأهداف التي تجمع عليها ، ويعمل على النهوض بواقع الشريحة الفيلية اقتصاديا  واجتماعيا وثقافيا .

حزب سياسي يتسم نشاطه بالشفافية،معتمدا على التمويل الذاتي ، وعل عنصري التفاني في خدمة الشريحة الفيلية ونكران الذات نهجا في العمل.

 تلك هي حصيلة موجزة لما يزيد على نصف قرن من تاريخ نمو الحركة السياسية في أوساط الكرد الفيليين في العراق. من العمل ضمن الأطر إلى العمل مع الأطر الحركة الوطنية والكردستانية العراقية . 

 

zuhair@libero.it

Back