ماذا بعد الاستفتاء ؟ - د. زهير عبد الملك
[16-10-2005]
أمس 15/10 انتهت
عملية الاستفتاء بمشاركة زهاء عشرة ملايين عراقي في التصويت بنعم أو التصويت
بلا على الدستور الدائم المقترح .
هذا هو المكسب الكبير الذي كنا نسعى إلى بلوغه، وسعت قوى الردة الإرهابية من
بقايا النظام السابق وحلفائهم السلفيين إلى عرقلته.
النتيجة المنتظرة من الاستفتاء لم تعد بحد ذاتها مهمة إنما المهم هو تلك
النتائج التي أفرزها الاستفتاء وهي :
أن لم يعد هناك مغيبون عن المشاركة السياسية: عجيبات مفردات القاموس لدى
سياسي اليوم. المغيبون ما هم في الواقع إلا من غاب بإرادته عن المشاركة خوفا
من الإرهابيين أو رفضا لقبول غير نظام صدام بديلا إمعانا في تنفيذ فكرة
تعتنقها حفنة من الجهلة من قادة وأعضاء حزب البعث العربي في حكم البلاد
بالقوة تحت شعار: أطيعونا نحن سادتكم وإلا اسكتوا فالموت أقل عقاب لكم.
أن أخذ العراقيون درسا جديدا في الديمقراطية : إذ متى برزت قضايا هي موضع
اهتمام الجميع في آن واحد ، ومن طبيعة الأشياء تعذر الوصول إلى حل يرضي
الجميع في آن واحد، يجري اللجوء إلى صناديق الاقتراع ومنها تفرز الحلول على
أساس الاستجابة لرأي الغالبية وإن لا يعني ذلك غبن لحقوق الأقلية بحال.
أن أدرك العراقيون بالملموس حقيقة طالما رددتها كتب السياسة والأخلاق من أن
الدولة عقد من عقود الاتفاق بين الحاكم والمحكوم ينص على فقرة أساسية واحدة
هي : نحن الشعب نخولكم تولي الحكم علينا بشروطنا لفترة زمنية محددة وإلا
فإننا سنختار غيركم حكاما علينا. وشروطنا أن تسخروا مؤهلاتكم وقدراتكم
العلمية والثقافية لخدمتنا بوضع الخطط لتحريرنا من الفقر والجهل والمرض.
وتفتحوا أمامنا آفاق التقدم على مصراعيها. وتصونوا هويتنا وحقوقنا القومية من
كل شائبة مؤذية بظل الحرية والديمقراطية والسلم الاجتماعي والإخاء والصداقة
مع الشعوب القريبة والبعيدة .
ولكن هل سيفهم الإرهابيون من رجال النظام السابق وحلفائهم من كل من هب ودب
راكضا وراء أحلام طوبائية تستند إلى القتل وتفوح منها روائح الدم والخسة
معاني هذه النتائج الباهرة ؟!!
لا أعتقد بذلك على الإطلاق .
وهل ستدرك النظم المجاورة وقنواتها الفضائية وهي الغارقة في اغتصاب حقوق
شعوبها وفي الترويج للجهل والتخلف الحضاري وإن استخدمت أرقى تقنيات البث
والإرسال معاني هذه النتائج الباهرة ؟!!
لا أعتقد بذلك على الإطلاق .
حكومات ومجاميع تمتهن السياسة وسيلة للثروة وللربح الحرام ، وهي تخشى
الشفافية وتخاف من حقوق الإنسان فتخاف من ديمقراطية العراق وفيدراليته ومن
الاستفتاءات الحرة النزيهة .
لكنها ما زالت قادرة على إيجاد مبررات تختفي وراءها لشن حروب فاشلة على
الديمقراطية وعلى حقوق الإنسان بذرائع متعددة وإن فقدتها الواحدة تلو الأخرى.
فهي لا تكف حتى تنهار من القمة إلى القاعدة في لحظات معدودات .
الإرهاب لن يتوقف إزاء ما تفرزه الديمقراطية من نتائج لصالح الشعب .
والمعركة اليوم ،أي بعد الاستفتاء ،غدت واضحة فهي بين الديمقراطية وأعدائها .
بين الديمقراطيين والديكتاتوريين .
بين من يطمح ليحكم بموجب عقد بينه وبين المحكوم بشروط المكومين، ،ومن يريدون
التحكم برقاب الناس بالقوة بلا شروط .
أما رسالة الاستفتاء فهي جملة واحدة نستمدها من تجارب شعبنا العراقي ومن
تجارب غيرنا من شعوب الأرض أن تبادر جماهير الشعب بنفسها للانقضاض على
الإرهابيين واقتلاعهم من الجذور في أوسع عملية التفاف شعبي حول: الدولة
الديمقراطية والأحزاب والقوى الديمقراطية العراقية ذات الأصالة والتاريخ في
مقارعة الظلم والاستبداد على امتداد تاريخنا الطويل.
|