انهـم يجـرحون الـذات  العـراقيـة

 

حسن حاتم المذكور

 

يكذبون... ثم  يكذبون...يتجاهلون ان العراق حقيقة تاريخية تشكلت عبرشروطها الجغرافية والبيئية والحضاريـة ’ الأنسان الذي اختارته الأرض او اختارهـا’ شعوباً لهـا جذورهـا  اديانها واعرافهـا ولغاتها  وخصوصياتهـا’ تشكلت واكتملت حول وبين النهرين الخالدين’ تشابكت مصالحها  واندمجت مصائرها  واهـدافها المشتركة’ غزلت نسيجها الأجتماعي المصائب والكوارث  والمحن وكذلك  النجاحات  والأنجازات  والعادات والتقاليد  والثقافات الوطنية المشتركة الى جانب روابط النسب والدم الذي اندمج مع زلال دجلـة  والفرات ’ ومهمـا لعبت الغزوات والأحتلالات  والأختراقات على تمزيق ذلك النسيج التاريخي  بين المكونات الطبيعية  للمجتمع’ يتجاوز العراقيون دائمـاً ازماتهـم  وانتكاساتهـم  وينجذبوا  نحـو بعضهـم  ويسدوا ثغراتهـم  عبـر خيوط المحبـة والتسامـح والألفـة  والتوحد ليجمعوا اشلاء العراق  في كيان واحـد ’ لا يوجد عراقي شريف الا ويجب عليـه ان يعمـل  بأخلاص وواجب ورغبـة على انعاش اواصـر المودة والتسامح والأحترام للآخـر مـن بين ابنـاء وطنـه .

 

قبـل ان اسافـر ضمـن وفـد المثقفين  للتضامـن مـع الأشقاء  مـن شريحـة الكورد الفيليـة’ كنت اسمع اقوال واشاعات مـن جهات مختلفـة ’ علـى ان شعب كردستان يكـره اشقاءه مـن المكونات الأخرى والعرب منهـم بشكل خاص ويطلق عليهـم القاب ونعوت تحقيريـة ’ يهينهـم فـي الشوارع ومـن غير المسموح لهـم التكلم بعريتهـم ويحاصرهم في ارزاقهـم ويستفزهـم في الحدود وعند بوابات المدن .. وغيرها .. وغيرها من الأشاعات اللامسؤولة والمشبوهـة .

 

قبـل دخولي اقليم كردستان ’ كانت  تشغلني بعض الهواجس ’ حيث لأول مـرة  ازورهـا والتقي بأهلهـا  ومـن الأيام الأولى ادركت ان مروجي تلك الأشاعات يكذبون ويخـدشون الذات العراقيـة فـي صميمهـا .

عند الحدود رحب بنا افـراد مخفرها باللغـة الكرديـة لمجرد عرف بأننـا عراقيين ثـم تكلم احدهـم بالعربيـة ’ واصلنـا سفرنا بأتجاه اربيـل’ لا اذكر هنا ترحيب المسؤولين بقدومنا لأن الأمر قـد تتطلبه الأعراف الرسميـة ’ لكنـي اتحدث فقط عـن تجوالنـا فـي شوارع  اربيل واسواقهـا ’ نتبضـع او نجلس في المقاهي ونتبادل النكات العراقيـة مـع الباعـة والمارين’ هناك الكثير مـن الباعة هـم مـن عرب الجنوب وبغـداد ومناطق اخرى ’ بعض العوائل العربيـة ولغرض التعرف دعونـا الى بيوتهـم ... سألناهـم كيف تسير حياتهـم في اربيـل وبين اهلهـا ... اجابوا : اننـا فـي العراق تمامـا مثلمـا كنـا فـي  بغـداد او البصرة والأمـر عادي جـداً .. وعندمـا تستعيد  بغداد امنهـا واستقرارهـا  سنعود اليهـا فقط لأنـنا بغـداديين ’ وسيعود معنا الكثير مـن الأخوة الأكراد الذين تبغـددوا ايضاً ’ ومـا لاحضنـاه فـي اربيـل لاحضنـاه ايضاً في اسواق السليمانيـة وكذلك حلبجـه ’ واقول جازمـاً : عندمـا كنت فـي بغـداد ثـم عدت الى السليمانيـة  بعدهـا اربيل شعرت فـي كلا الحالتين اني بين اهلـي .

 

لا يعنيني على الأطلاق ما يدور بين السياسيين داخل اروقـة المنطقة الخضراء او خارجهـا ’ مناوراتهـم مساوماتهـم توافقاتهـم تقاسمهـم  المسؤوليات السياديـة والنفعيـة  وغيرهـا مـن الفائـض لديهـم  مـن حصـاد فنـون الممكـن ’ لأن الأمـر بمجمله لـم يكن مقياسـاً للعلاقات الأنسانيـة بين الشعوب والتجمعات ’ فأهالي البصـرة مثلاً لا اشكاليات لديهـم اطلاقـاً مـع اهالي اربيـل ’ بنات  وابنـاء العمارة لا حواجز بينهـم وبين اشقائهـم فـي السليمانيـة ’ وهكـذا الأمر بين الناصريـة  وحلبجـه  وبغـداد  تتمنـى الخير لجميـع  المدن العراقيـة ’ فبسطـاء  الناس دائمـاً  مصالحهـم  متشابكـة مشتركـة ’ وهـم دائمـاً ضحـايا  دورة الحياة واستمراريتهـا وعلـى اكتافهم تواصـل تقدمهـا ومن طاقاتهـم وعناءهـم تحقق انجازاتهـا التاريخيـة ’ انهـم يكملـوا بعضهـم ويحيون مـن اجـل بعضهـم حتـى وان لم يشعـروا ’ يحصـل هـذا مهمـا تعددت انتماءاتهـم القوميـة والمذهبيـة والعقائديـة ’ ولا يوجـد بينهـم مـن يخسر فـي اجـواء العلاقات الأنسانيـة فـي المحبـة  والتسامـح  والأمـن والأستقرارتحت خيمـة السلـم الأجتماعـي ’ انهـم جميعاً لبعضهـم ولا يمكن لهـم ان يكونوا الا هكـذا ’ والعراق لا يمكـن لـه ان يكون خارج قوسي تلك القاعـدة الأنسانيـة ’ الا فـي حالـة تعرضـه لغـزو وسيطـرة الأفكار والخلفيات السوداويـة ونوبات التعصب والتطرف الطائفي العنصري واصابات الأنانيـة والتخلف وضيق الأفـق ’ وهـذا ما ينبغـي ان يتجنبوه الذين يمارسون لعبـة تشويـه الحقائق والقفز على الواقـع العراقـي السليم وافتراض الأحداث المرعبـة ساديـة  ذاتيـة او يطلقون العنان لأخيلتهـم فداحـة تعبر عن السذاجـة وسـوء النوايا مـع سبق الأصرار ’ لكنهـم  فـي واقع اعمالهـم  يخدشون ويشوهـون الوجه الجميـل لأطياف العراق ’ فعلـة لا يرتكبهـا عراقـي يملك على جبينـه قطـرة حيـاء وانصاف ’ انهـم فـي جميع الحالات يضغطـون مخالبهـم على جروح يتمنـى العراق ان يطـوي صفحاتهـا ويخفف مـن اوجاعهـا .

لـم يكن الأمـر وجهـة  نظـر شخصيـة او انطبـاع عابـر ’ فكان معـي اكثـر مـن اثنـا عشـر مـن الأخوات  والأخـوة اعضاء وفـد التضامن مـع الأشقاء الكورد الفيلية ’ ومـا لاحضناه وجربناه عن كثب كان على امتداد شهـر تقريبـاً .

 

نسأل  فقط : مـن ايـة  ترسانـة  يستمد المعنيـون بفبركـة  الأشاعات  والهرطقات ’ وايـة  مخيلات بائسـة وضمائـر معطوبـة يملكـون ... انهـم يطعنون القلـب مـن العراق .

 

09 / 06 / 2008

Back