رحلة التحري عن هوية الكورد الفيلية

قيس قره داغي

أذا كانت شرائح العراقيين مجتمعة تستحق التحري عن مظالمها فالكورد الفيلية هي الشريحة التي تقف في مقدمة الطابور لقدم مظالمها من جهة وتشابك فروعها من جهة أخرى ، وإذا كان ظلم العهود العراقية قد شمل جموع العراقيين وتنوعت أساليب العذاب بحقهم فالكورد الفيليون يعتبرون القاسم المشترك لكل المظالم وهم أصل الانواع ، فقد لحقهم ظلم التشريد والتهجير القسري ، وظلم التجريم من حمل جنسية البلد الذي عاشت ابائهم وأجدادهم فيه وخدموه بعرقهم ودمائهم الزكية ، وظلم الاستلاء على ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة التي كسبوها بالكد الفيلي المميز ، وظلم حجز أولادهم بعد تهجير ذويهم والتعامل أياهم كتجارب في مختبرات الأسلحة القذرة لينتهوا أخيرا في مقابر جماعية مجهولة لحد الآن ، أي أن الأنفال البعثي قد طالهم قبل أن تطبق في مجمل قرى كوردستان وهم من أوائل الراقدين في المقابر الجماعية وسبقوا أبناء حلبجة الشهيدة في التسميم الكيمياوي وجرى كل ما جرى لهم وسط تعتيم أعلامي غير مسبوق .


خمسة وثلاثين عاما من عمر البعث الفاشي وقبلهم في العهود العراقية السابقة والفيلية يذوقون مر العذاب لا نصير لهم ولا مناصر شأنهم شأن أخوتهم في كوردستان ، ينتظرون الفجر الذي أنبثق أخيرا بعد سقوط الصنم الصدامي في ساحة الفردوس ولكن الفرج لم يأتيهم رغم مرور السنوات الخمس الداميات من عمر العراق الحديث الذي ربط كل مظلوم أمله بأفقه .
بقى كل شئ كما هو تقريبا ، قوانين عرجاء صدرت من البرلمان العراقي وماكنة التنفيذ عاجزة عن تحريك تلك القوانين وسط الفوضى العارمة التي تعم العراق لأسباب عديدة ومعروفة يعرفها القاصي والداني ، يكتسب الكوردي الفيلي الجنسية العراقية وبشق الأنفس وهو يجتاز عقبات الروتين ومطبات الفساد ومكامن الحقد لدى بعض الموظفين القدامى الذين تشرئبوا بالافكار الشوفينية التي كان النظام السابق ينشرها بين الناس في العراق ليجد أخييرا جنسيته وهي تحمل عبارة ( عراقي حاليا وإبراني سابقا ! ) ، يترك المنفى ويتوجه صوب العراق موطن ذكرياته الحلوة والمرة بحثا عن داره ليجدها في حال لايرثى لها وقد تناقلت بين يد و يد وعبثت بها الأيادي كما تشتهي طوال سنوات القهر فيلتجئ هذا العراقي الأصيل الى المحاكم في بلد لم يعرف المحاكم قديما وحديثا فيبقى معلقا على مشاجب الأنتظار الممل دون جدوى ولا سميع لندائه ودعائه ، تعود الأمهات اللاتي لازلن على قيد الحياة ليبحثن عن بقايا عظام لاولادهن فلا يجدن من يدلهن على مقابرهم في غياهب صحراء الموت فتبقى الحسرة لازمة أبدية معهن الى يوم الدين ، وبعد مضي ثلاثة عقود تجد عدد كبير منهم في معسكرات سكنية في إيران محرومة من أبسط وسائل العيش .


إذن هنالك ملفات فيلية في قعر الملفات العراقية الشائكة تنتظر من ينتشلها و يمسح الغبار المتراكم عليها وهنالك نحيب فيلي لايسمع صداه وهنالك بركة من المظالم تحتاج حجرا يلقم فيها كي تتحرك . ولذلك كان وفد المثقفين العراقيين المساند للكورد الفيلية ضرورة ملحة ، فكانت نواة فكرة كبرت بعد أجتماعات أستغرقت ستة شهور كاملة لينطلق أخيرا الى أرض الوطن لعله ينفض الغبار عن وجه الظلم المستور ويعيد بعض الحق المبتور .


الحديث عن أيام الاجتماعات والمباحثات فيما بين المتطوعين لخدمة هذه الشريحة تحتاج الى المزيد فما علينا سوى القفز على الصغائر والاختصار الشديد ، كنا نود أن نكون لفيفا من المتطوعين من كل لون وشكل لا يجمعنا جامع قومي أو طائفي أو سياسي واحد ، فالمهمة وبلا شك غير سهلة في مثل هذا الوضع والحال الذي آل بالعراق غير أننا نجحنا الى حد كبير في جمع هذه الباقة التي تضم الكوردي والعربي والكلداني مثلما تضم المسلم والمسيحي ، وكذلك المتدين والعلماني ، والشيعي والسني ، والعدد كان كبيرا في بداية الامر ولكن بعض الزملاء وبسبب أرتباطات أخرى في نفس الوقت الذي أرتأت الأكثرية أن يكون موعدا للأنظلاق أنسحبوا ولكنهم يحملهون نفس الهم الذي حملناه الى العراق وشخصيا كنت أود أن يكونوا معنا لاعتزازي بهم وبطافاتهم وتجاربهم في هذا الميدان ومنهم البروفيسور كاظم حبييب والفاضي زهير عبود كاظم والدكتور تيسير الآلوسي وآخرين ، المهم بفينا تسعة أنطلفنا كل من بلده الذي يقيم فيه متوجها الى كوردستان ، ثلاثة من المانيا ، كاتب هذه السطور والزميلين حسن حاتم المذكور وأمير الكشميري ، الزميل سعدون كرم من الدانمارك ، الزميلان محمد الخضري و حميد نوروز من السويد ، الدكتورة كاترين ميخائيل والزميلين فالح حسون الدراجي و وهاب رزاق الهنداوي من الولايات المتحدة الأمريكية .


وجهت الكثير من الرسائل الى مسؤولي بغداد وعلى مدى شهور التحضير والاستعداد غير إننا لم نتلقى ردا من أي منهم ولذذلك فكرنا أن تكون الانطلاقة من كوردستان فحررنا رسالى الى السلطات في كوردستان عن طريق الاخت مهاباد قره داغي فجاء أسرع مما كنا نتصور ، فأخبرنا بموعد ثابت للقاء رئيس كوردستان في صلاح الدين وكما أخبرنا بان مقر أقامتنا في فندق أربيل الدولي الذي يسمى محليا ( شيراتون ) ، بناية فندق شيراتون كانت خربة من الخرائب من مخلفات الانتفاضة والحرب الداخلية في كوردستان حتى وصل الامر بها الى أن تباع أبوابها ومرفقاتها من قبل المتجاوزين من دون رقيب وحسيب ولكنها وحالها حال عشرات البنايات الاخرى في أربيل وكوردستان وقعت نصب أهتمام رئيس الحكومة الشاب الاستاذ نجيرفان بارزاني فقدمها الى العاصمة كحلة قشيبة جعلت مدينة أربيل واحدة من المدن التي يحسب لها أن تكون في مصاف المدن التي ستكون قبلة للمصطافين وونموذجا للحرص المراع لتنميتها وكلما زارها زائر فيجد فيها جديد .


في كوردستان وفي هذا الفندق الذي يعتبر من معالم أربيل الجميلة ألتقى أعضاء الوفد الذي لم يلتقوا أبدا الا في الفضاء الالكتروني . كان يسيرا أن تتعرف على الاسماء من خلال الصور التي كانت تنشر مع مقالات الأعضاء أو من خلال اللقائات التلفزيونية لعدد منهم ، فبالنسبة لي لم أخطئ في تشخيص أي من الاعضاء وأنا ألتقيهم للوهلة الأولى ، ذلك اللقاء الذي دام أكثر من شهر من العمل المستمر واللقائات المتواصلة مع أهم مسؤولي العراق وكوردستان والتي أثمرت نتائج طيبة وتجاوزت حتى الأهداف المتواضعة التي كنا نتوقعها من الزيارة .


فضائية زاكروس كانت السباقة في إجراء أول لقاء منفرد مع كاتب السطور للوقوف على طبيعة الوفد والاهداف المتوخاة من الزيارة وقد كنت قد وصلت أربيل جوا قبل وصول الوفد بأسبوع وذلك لترتيب وجدولة المواعيد والاقامة للوفد ، سلفا يمكن القول أن تشريفات رئاسة الوزراء كانت حاضرة معنا منذ اليوم الاول الى اليوم الذي ودعنا فيه كوردستان وهم مجموعة من الوجوه الشابة تتعامل مع الوفود القادمة الى كوردستان بكل لطف ، وقد كانت الكاتبة والشاعرة مهاباد قره داغي ومدير أعمالها السيد سيروان كرمياني وراء النجاح الذي حققه الوفد في كوردستان فقد قطعت قره داغي مواعيدها والتزاماتها لتهتم بشؤون الوفد وتنظيم قنوات الاتصال له وهي بالمناسبة أحدى الشاهدات على مظالم الفيلية سبق وان سجلت شهادتها في محكمة الجنايات العليا ببغداد حيث إنها التقت بمئات العائلات الفيلية وهي تهجر قسرا الى إيران في بداية الثمانينات عندما كانت معتقلة في مديرية أمن ديالى بسجن بعقوبة على خلفية قصائد كتبتها للثورة الكوردية حينما كانت طالبة في ثانوية كفري ومن ضمن تلك القصائد مرثية مؤثرة للقائد الخالد مصطفى بارزاني الذي أنتقل الى جوار ربه عام 1979 ، وهي كاتبة في مجال حقوق المرأة ومن دعاة المساواة في المجتمع الكوردستاني وعملت مستشارة لرئيس الحكومة وكتبت العشرات من الكتب من رواية وشعر وبحوث سوسيولوجية وتعد محركة نشيطة في الوسط الثقافي الكوردستاني . أما في بغداد كانت السيدة الجليلة سامية عزيز خسرو تعمل بكل جد لأنجاح المهمة تساعدها مديرة أعمالها الكاتبة نظيرة أسماعيل كرم ، سامية عزيز عضو مجلس النواب من القائمة الكوردستانية لثلاث دورات متتالية وهي واحدة من أنشط أعضاء مجلس النواب ، معروفة بحرصها على ملف الكورد الفيلية وهي بنت هذه الشريحة المظلومة ، تركت الدانمارك وهو محل أقامتها السابق وتوجهت الى العراق بعد مضي أيام على سقوط نظام القهر وباتت ناشطة وفية لتحقيق ما يمكن تحقيقه لشريحتها الفيلية وقد رايناها في بغداد ووقفنا عند حرصها وكدها المخلص ، فهي طلقت الحياة وبهرجتها وتمسكت بقضية لا تريد لها أنصاف الحلول ، فنقدم لها تحيتنا ونشكر جهودها لانجاح مهمة الوفد .


في اليوم التالي أي في 22 / 4 كانت لنا موعد في منطقة بارزان لزيارة مزار الخالدين نتناول الزيارة في الحلقة القادمة .

أجتمع معظم أعضاء الوفد في فندق أربيل الدولي في ضيافة حكومة أقليم كوردستان وفي مساء اليوم الأول من اللقاء كانت هنالك أجتماعات جانبية غير مبرمجة مع بعض الشخصيات الفيلية التي جاءت للترحيب بالوفد ومنهم السيد مدحي مندلاوي وزير الأقليم لملف الكورد الفيلية والفنان جعفر حسن وجمع من الاكاديميين المعروفين وفي أجتماع معهم في أحدى قاعات الفندق تجاذبنا أطراف الحديث وأستفدنا كثيرا من طروحاتهم ومقترحاتهم وأوليناها الاهتمام الكافي في كافة أجتماعاتنا ولقائاتنا المقبلة مع المسؤولين سواء في كوردستان أو بغداد ، وفي نفس المكان أستقبلنا السيد حيدر فيلي وزير المواصلات في حكومة أقليم كوردستان وكذلك الاستاذ يدالله كريم وهو من الشخصيات الفيلية المهمة وله باع طويل في العمل السياسي في مدينة بغداد وجرى حديث ودي معهما حول الاهداف المتوخاة من الزيارة والبرنامج العملي المتخذ تطبيقه من قبل الوفد وكان لهم آراء سديدة في مجمل الملف المزمع بحثه في العراق ، كنا قد وضعنا ضمن البرنامج زيارتين احدهما الى منطقة بارزان لزيارة ضريحي الخالدين مصطفى بارزاني ونجله أدريس أما الثانية فالى مدينة حلبجة لزيارة مقبرة الشهداء التي تضم رفاة ضحايا مذبحة حلبجة فقررنا أن نستغل اليوم التالي لتنفيذ الزيارة الأولى مادمنا في أربيل وموعد اللقاء الأول مع رئيس كوردستان الأستاذ مسعود بارزاني ، أخبرنا تشريفات رئاسة الوزراء فتم تأمين السيارات التي تقلنا الى ربوع بارزان غير أننا لم نخبر وسائل الأعلام بأمر الزيارة فهيئنا باقة من الزهور الجميلة لكي نضعها على الضريحين .
ضمت المجموعة بالاضافة الى أعضاء الوفد كل من مهاباد قره داغي وسيروان كرمياني وذوي الدكتورة كانرين ميخائيل وجفر حسن ، الطريق الى بارزان يمر عبر المرور في شارع يمر بين وديان عميقة وجبال باسقة تكسوها الخضرة وأشجار متنوعة ومنظر الزاب الأعلى يعطيه صورة متكاملة من الجمال الذي تتميز بها المنطقة ، هذه الأشجار ذكرتنا بجريمة الأنفالات البعثية الشوفينية التي لم تكتف بقلع جذور البشر من المنطقة فحسب فعملت على قلع جذور الأشجار التي تبعث الحياة الى المنطقة منذ عشرات الآلاف من السنين فكانت ترش هذه الأشجار بالسموم وتصب ينابيع المياة بالأسمنت أيضا ، أما منظر الزاب الجميل ذكرنا بما يجب فعله في هذه المنطقة الآمنة الجميلة من مشاريع عمرانية ومرفقات سياحية ومحطان كهربائية بالاستفادة من تيار النهر فلا بد للمنطفة أن تسنشق هواء الحرية وتستفيد كوردستان من وارداتها بعد ما تتحول الى منتجعات سياحية يجلب جمالها وآمانها آلاف من السياح الباحثين عن أكتشاف مناطق جديدة في العالم ومنها كوردستان الساحرة التي كانت الى زمن قريب أشبه بالاساطير التاريخية بعد أن ذبحتها الحكومات العراقية المتعاقبة تحت سواد تعتيمها الأعلامي .


السفرة وأن كانت طويلة بعض الشئ ولكنها كانت ممتعة وهي بمثابة محطة أستراحة تسبق ماراثون شهر من العمل المتواصل من أجتماعات ولقائات مع مختلف الاتجاهات من الفسيفساء العراقي ممثلا في كبار مسؤولي الدولة وخصوصا الرئاسات التشريعية والتنفيذية والقضائية وبالاضافة الى الندوات الجانبية والأمسيات واللقائات الاعلامية في أربيل والسليمانية وبغداد .
تمر السيارات وسط شارع بين بيوت منازل بسيطة وتجتازها بعد برهة قصيرة ليخبرنا السائق اللطيف كاروان بأننا قد بلغنا الهدف ، حصار متواضع من الحجارة من جنس الجبل المطل على المنطقة يطيق قبرين أثنين مجردين من أي شئ مميز سوى التراب الطاهر الذي يغطيهما ، أنهما قبري الملا مصطفى البارزاني أهم قائد في تاريخ الكورد على الأطلاق قاد شعبه في ثورات متلاحقة من أجل أسترداد حقوق شعبه المسلوبة ونجله القائد الشاب أدريس بارزاني .


لم يعرف البارزاني في حياته سوى الكفاح المستمر ولم يخلف من بعده سوى حاجياته البسيطة ، ذلك الخنجر الكوردي الذي لازم نطاقه في حله وترحاله وملابسه البسيطة وكذلك حب الملايين من أبناء شعبه ، ذلك الحب الذي ضرب جذوره في القلوب المتدفقة لتحرير كوردستان وكأنها جذور أشجار البلوط التي ظلت متعانقة لجبال كوردستان رغم كل سموم الأعداء .
يحمل حسن حاتم المذكور باعتباره أكبر أعضاء الوفد سنا أكليل الورد ونتوجه جميعا نحو الضريحين ، يستقر الأكليل على السور وتمتم الأفواه سورة الفاتحة بينما ترسم كاترين علامة الصليب أحتراما لرجل المبادئ البارزاني مصطفى ورجل السلام نجله أدريس ، ونحن نقف لحظات صمت في حضرة القائدين أستذكرنا حبهما للفيليين وحب الفيلية لهم ، فعقب التوقيع على بيان آذار عام 1971 ضم من بين ما ضمت بنودها أن يكون نائب رئيس الجمهورية العراقية كورديا فرشح البارزاني كورديا فيليا للمنصب المذكور وكان المرشح حبيب محمد كريم وكان آنئذ سكرتيرا للحزب الديمقراطي الكوردستاني ، غير أن الطرف الحكومي أبى قبوله للمنصب لكونه كورديا فيليا وكل كوردي فيلي في نظر البعث ومعظم الحكومات السابقة أيضا أيراني والنظرة هذه نابعة من شوفينية تلك الحكومات أزاء هذه الشريحة بشكل خاص وأزاء الكورد الفيلية بشكل خاص ، فتلك الحكومات تتناسى دور أبناء هذه الشريحة في بناء العراق وتمسكهم به أينما كانوا سواء داخل وطنهم أو خارجه ، فما تؤرق هذه الحكومات هو النسبة التي تشكلها هذه الشريحة في العراق فمن دون الألتجاء الى هذا الادعاء الباطل تسقط نظريتهم ونظرتهم الى الكورد الذين كانوا ينعتوه بالأقلية ، فالاحصائيات المتبعة في العراق لا تشبة الاحصائيات التي تجرى في باقي بلدان الأرض فالاطلاع على النتائج والدقائق كانت من المحظورات في العراق ولذلك علينا التوافق بين المبالغين والمناقصين حينما نتحدث عن عدد الكورد الفيلية ، فبين ثلاثة ملايين والمليون الواحد نحن نحبذ أن نختار المليون ونصف المليون تقديرا لعدد الكورد الفيلة في العراق وهم منتشرون في مناطق واسعة في العراق وخصوصا في العاصمة بغداد التي كانت سوقها بيدهم الأمينة لفترة طويلة قبل أن سهجروا قسرا الى أيران في بداية الثمانينات أما مدن خانقين ومندلي وزباطية وبدرة والكوت والحي وسوق الشيوخ وما جوارها من مناطق هي مناطقهم الرئسية .

الخلاف ظل قائما بين الكورد والحكومة المركزية حول منصب نائب رئيس الجمهورية الذي بقى شاغرا الى يوم أسئناف القتال بينهما في آذار عام 1974 ، والبارزاني كان يهدف من وراء هذا التعيين أن ينهي مأساة الكورد الفيلية ، إذ لا يعقل أن ينعتوا بالايرانيين ونائب رئيس البلاد منهم .


بعد الأنتهاء من مراسيم الزيارة ونحن لازلنا في المكان حضر رجل في العقد السبعيني يرتدي ما كان البارزاني يرتديه من زي أهل المنطقة وقدم نفسه مرحبا بأعضاء الوفد ، الشيخ عبدالله بارزاني ممثل رئيس الأقليم في المنطقة ، يتحث باللغة العربية والأنكليزية بالاضافة الى اللغة الكوردية ويحفظ قصائد لشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري عن ظهر قلب ، أعتذر عن تأخره وقال سائلا ومعاتبا بأدب جم لماذا لم تخبرونا بمجيئكم حتى نقوم بالواجب ، جلسنا معه في محطة للأستراحة وارتشفنا الشاي وعندما أردنا الأستئذان بالعودة الى اربيل أبى الرجل الا أن نتناول من زاده فأصطحبنا الى منزله القريب والمتواضع والأنيق ، وما شاهدنا من أحترام وتواضع من هذا الرجل وأبنائه جعلنا أن نتحدث به كلما أجتمعنا في محطاتنا اللاحقة ، فقد ظل واقفا هو وأبنائه طول جلوسنا على سفرته التي ضمت وجبة خفيفة و شهية من جنس المأكولات الرائجة في منطقة بارزان ، وعند الأنتهاء جلسنا في صالة الضيوف فكان يتحدث عن مشاهداته لعمه الملا مصطفى البارزاني ، فكنت أتفرس وجهه وكأني اريد استعاضة عدم لقائي مع القائد الذي تربيت على حبه في مقتبل عمري ، مرة واحدة فقط شاهدت الرجل وهو داخل سيارته من نوع لاندلوفر بين جومان وناوبردان رفع يده محييا بنا ونحن جمع من الشباب واقفون على قارعة الطريق وكنا من الطلبة الملتحقين بثورة ايلول المجيدة ، هذه الخطفة أعتبرها حدثا كبيرا أذكرها كلما مر ذكر الرجل الذي دخل التاريخ الكوردي من أوسع أبوابه ، فقد كان الرجل موضع حب وتقدير الكورد جميعا وفي كل أرجاء كوردستان والكورد الفيلية كانوا شأن جميع الشرائح الأخرى يقدرون هذا الرجل ويحبونه ، فقد حدثني سامي الفيلي وهو رئيس منظمة فيلية في اربيل وله نشاط متميز قائلا ، عندما عاد البارزاني من الأتحاد السوفيتي عام 1959 كنت والكلام لسامي طفلا ارافق أبي الى قاعة الشعب حيث كانت هنالك ندوة حضرها البارزاني ، وعندما خرج البارزاني من القاعة تهافت الحضور وأكثرهم من الكورد الفيلية الى المائدة التي كانت أمام مقعده فهاجموا على القدح الذي شرب منه البارزاني الماء وترك القدح على نصفه ، كل يريد أن يشرب من الماء الذي شرب منه الرجل ، ولكن ما حدث أن أحدا لم يفز بما يريد أذ أن القدح قد تهشم والماء منه سال ، فهذه الحادثة دليل على تعلق الناس بقائدهم الذي يرونه المنقذ ، والحق يقال أن الثورة الكوردية ( 1951 _ 1970 ) والثورات التي لحقها قد أعتمدت على الدعم اللوجستي والمادي والبشري للكورد الفيلية ، فهم الذين دبروا أذاعة صوت كوردستان العراق الزاد الأعلامي الوحيد للكورد طوال سني الثورة ، وهم الذين أمدوا المال والعقل القيادي والتنظيمي للثورة ، وكانوا هم العماد الذي يستند عليه الفرع الخامس للحزب الذي يعتبر من أنشط فروع الحزب الست أطلاقا ، ولذلك لا نجد غرابة من أن يتخذ الكورد الفيلية من كوردستان سندا قويا للحق الذي ضاع منهم طوال سنوات القهر والذل وعلى كوردستان أن يكون وفيا لأبنائه المغتربين من الفيلية .

أنتهى اللقاء بالشيخ عبدالله بارزاني تاركا أثرا طيبا لا يمحى من الذاكرة وعاد رتل السيارات المتكونة من ثلاثة سيارات الى اربيل ، في مقر أقامتنا بفندق اربيل الدولي أخبرنا بوصول ثلاثة من أعضاء الوفد لتكتمل السبحة على حد المثل العراقي الدارج ، السيدة سامية عزيز والاستاذ سعدون أسماعيل كرم قدموا من بغداد والاستاذ حميد نوروز قدم من السويد ، الثلاثة من أبناء الكورد الفيلية ، حميد نوروز رجل أعمال وناشط في مجال منظمات المجتمع المدني والأستاذ سعدون من مثقفي الكورد الفيلية أما السيدة سامية فهي عضو مجلس النواب العراقي لثلاثة دورات متتالية ولها دور متميز للدفاع عن شريحتها داخل أروقة البرلمان وخارجها ، تعارفنا مع الربع في جلسة ودية ونحن جميعا سوى الثلاثة القادمين للتو ، نلتقي لاول مرة ولكن الاجتماعات الاسبوعية على الفضاء جعلتنا وكأننا أصدقاء منذ فترة طويلة فعاشت التكنوجيا الألكترونية التي بعثت نعمة للبشرية .


في الحلقة القادمة نتحدث عن لقائنا مع الاستاذ مسعود بارزاني رئيس أقليم كوردستان .

الوفد في عرين رئيس كوردستان.. الحلقة الثالثة

 


في مقر إقامته بأربيل أجتمع الوفد عشية عودته من بارزان أستعادا لأول لقاء يجريه مع شخصية في غاية الأهمية ، لقاء يعتبر بوصلة النجاح للوفد مع رئيس أقليم كوردستان الأستاذ مسعود بارزاني ، والبارزاني نجل قائد الأمة الكوردية مصطفى البارزاني الذي كنا في حضرة ضريحه في بارزان ، ولد في رحم أول جمهورية كوردستانية أسسها الشهيد القاضي محمد عام 1945 في منطقة مهاباد في شرق كوردستان حيث كان والده رئيسا لأركان جيش الجمهورية والصديق القريب من القاضي الرئيس الذي أعدم في ميدان جوارجرا بمدينة مهاباد بعد التآمر الايراني على حلم أمته مع أثنين من أركان تلك الدولة الفتية التي لم تعش سوى تسعة أشهر ونيف ، دخل كاك مسعود معترك النظال في سن مبكر وحمل السلاح في ثورة ايلول وهو أبن الخامسة عشر في 1962 كما يرويه هو في كتابه الموسوم ( بارزان والحركة التحررية الكوردية ) ، بعد أنبثاق الثورة مجددا أصبح رئيسا للحزب الديمقراطي الكوردستاني وقاد المسيرة الى يوم الأنتفاضة المجيدة ولازال ، بعد أتحاد إدارتي السليمانية وأربيل أنتخب رئيسا لأقليم كوردستان وفي ظل رئاسته أخذت المشاكل تسلك طريقها نحو الحل وأزدهر الأقليم في الكثير من النواحي رغم الصعوبات والعراقيل التي لازالت تقف حائلا امام تحقيق حلم الاستقرار الأقتصادي الذي يجعل المواطن يطمأن من توفير الحاجيات الأساسية له ...

كانت صدفة جميلة أن نلتقي بالأخ علي سيفي قاضي في نفس الفندق الذي نقيم فيه وهو نجل سيفي قاضي أحد أركان حكومة كوردستان الأساسية ومن عائلة الشهيد قاضي محمد ، جرى معه حديثا وديا تبادلنا أياه أطراف الحديث وكان له ألمام تام بامور الكورد الفيلية فتمنى لنا التوفيق في مسعى الوفد وأعلن أستعداده الدائم للتآزر مع أخوته الكورد الفيليين .


تزامنا مع لقائنا مع علي سيفي قاضي زارنا السيد أسماعيل عزيز أبراهيم خان الدلوي رئيس عشيرة الدلو وحفيد الثائر المعروف أبراهيم خان قائد ثورة العشرين والذي قاد عشائر كرميان وأحتل مواقع الأنكليز في تلك المنطقة وشكل حكومة محلية في كفري وأنحائه موزعا الحقائب على أشراف المدينة ورؤساء العشائر بينما كانت زوجة الكابتن سالمون الحاكم السياسي البريطاني الذي قتل أثناء الاشتباكات وديعة في منزل محسن آغا نقيب أشراف كفري بينما مثل الحركة محمد حاجي نعمان وهو من ممثلي لوء كركوك الدائميين في مجلس النواب العراقي فيما بعد المفاوضات التي جرت مع قوات الانكليز وحليفهم الأستعمار الدائم حميد طالباني الذي شكل قوات مرتزقة تابعة للأستعمار ليقضوا على الحكومة المحلية في كفري وقد كان الخان من المقربين للشيخ محمود الحفيد ومعتمدا له في كرميان ، أعلن السيد أسماعيل خان دعمه لمطاليب الوفد قائلا ( من لا يقف مع الكورد الفيلية لا يتصف بالانسانية ) .
لم نكن نعرف ماهية الترتيبات اللازمة أتخاذها عند اللقاء مع كبار مسؤولي كوردستان غير أننا كنا على إطلاع على التعقيدات والمطبات التفتيشية المعقدة التي يمر عبرها الزائر في بغداد جراء الحالة الأمنية السيئة للغاية في العراق ، ولكن ما حدث كان حقا مثيرا لتسجيل نقطة مضيئة لصالح الأمن المتوطد في كوردستان حيث إننا وصلنا الى ( سري ره ش ) معقل الرئيس مسعود بارزاني بعد أن سرنا بموكبنا في طريق مشجر جميل بين أربيل ومصيف صلاح الدين ، طريق لم نجد مثيلا له في عموم العراق لنشاهد الدكتور فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة الأقليم في أنتظارنا وعلى وجهه أبتسامة ترحيب حيث قادنا الى الطابق الثاني من القصر الذي يستقبل فيه الرئيس ضيوف كوردستان وما أن تركنا المصعد خلفنا وجدنا الرئيس خارجا وهو يمد يده مصافحا أفراد الوفد واحدا تلو الأخر ، أتخذنا مقاعدنا ونحن نشعر أننا في منازلنا وكيف لا ونحن نسمع الرجل الذي يحمل هموم شعب كوردستان بكل أمانة يقول لنا (أنا تحت تحت تصرفكم ! ) وعندما نهض أحد زملائنا متحدثا عن مهمة الوفد قال له الرئيس راجيا تحدث جالسا فأنا لست الا موظفا مكلف بتنفيذ واجب ولا أحسب نفسي الا بيشمركة لكوردستان فزاد شعورنا بالتغيير الحاصل فعلا في الوطن ، فها نحن نجلس قبالة الرئيس وجها لوجها لنقول ما نريد ونقترح ما نجده صالحا للصالح العام ونعترض وندلوا بآرائنا والسميع ليس أكثر من أخ كبير لنا ، كان في جعبتنا الكثير مما نريد طرحه للرئيس ولكي لا نسرق من وقت الرجل الكثير أرتأينا الأختصار المفيد فأقتصر الحديث على أربعة فقط من أعضاء الوفد ، كاتب السطور والاخ فالح الدراجي وحسن حاتم المذكور وسامية عزيز فيما سلمناه التفاصيل عبر مذكرتين أعدناها مسبقا فيها الخطوط الأساسية لمشروع حل مشاكل الكورد الفيلية ، والخطوط الأساسية تشمل مسألة الجنسة وحجز العقارات و المهجرين والشهداء والاهتمام بمناطق الكورد الفيلية والتعويضات الواجب منحها لمتتضري الفيليين وسواها من المسائل ذات العلاقة وكانت المذكرة الثانية خاصة بمشاكل المرأة الفيلية أعدتها الدكتورة كاترين ميخائيل ويذكر أن المذكرتين نفسهما قد تم تسليمها الى البرلمان الكوردستاني ومجلس النواب العراقي ورئيس العراق الفدرالي جلال طالباني ورئيس وزراء العراق نوري المالكي ورئيس حكومة الأقليم نجيرفان بارزاني ومكتب آية الله على السيسستاني المرجع الأعلى للشيعة .


بدأ الرئيس بالكلام وقال أننا نتمسك بكوردنا الفيلية شأنهم شأن بقية شرائح الكورد ولكن العلة تكمن من عدم تواجدهم في كوردستان ولذلك نحن بحاجة الى تفعيل آلية جديدة وفعالة لحل معضلاتهم وعلينا جميعا أن نكتشف تلك الآلية وأضاف أن الكورد الفيلية لم يتخلوا لحظة واحدة عن واجبهم الوطني وقد كانوا أبدا معنا في الميدان ولم يميز أحدا فيليا عن سواه أيام النظال الثوري والحزبي وضرب أمثلة عدة في هذا المضمار وثم كلف رئيس ديوانه الدكتور فؤاد حسين للتواصل مع الوفد حال إنتهاء زيارات الوفد في كوردستان وبغداد والنجف الأشرف وتم تشكيل لجنة متابعة لاحقا للتواصل مع رئاسة أقليم كوردستان .


أهتمت وسائل الأعلام المختلفة بلقاء الوفد مع الاستاذ مسعود بارزاني وتصدر الخبر فاتحة نشرات الاخبار للقنوات الفضائية والصحف والمجلات الصادرة في الأقليم والعراق مما مهد الطريق سالكا الى الوصول الى الاهداف اللاحقة التي كنا نود طرقها في برنامجنا الذي أعدناه حيث لم يصد أي من المسؤولين بابه بوجه الوفد فسجلنا به سابقة ممتازة لوفد تطوعي يود تقديم خدمات الى شريحة تقف في صدارة الشرائح التي تراكمت مظالمهم جبالا في العهود السابقة ، وهذا ما كنا نتصوره وحتى قلناه للرئيس على لسان أحد أعضاء الوفد ، فلو نجحنا في دخول بيت رئيس كوردستان ستفتح لنا الآفاق واسعة في البيوت الأخرى فجاء الجواب متواضعا عزيزا من الرئيس ، باب كوردستان مفتوح على مصراعيه لمن يريد إسداء خدمة لمن يستحق الخدمة .

Back