من يستمع لصراخات الشهداء

علي حسين غلام

صراخات ارواح الشهداء تدوي في السماء وهي تحمل في طياتها غضب يلبس ثوب من الحزن والآهات، ونداءات مملوءة بالمرارة والحسرة وبصوت شجي يمتزج معه البكاء لتنذرعن ناقوس خطر آتي من الزمن الماضي الى الحاضر عبر بوابة الأهل لتفتح ابواب القبور وسط طقوس المأتم، وليخرج الشهداء من مثواهم وهم مثقلين بالهموم والمأسي والشجون، لا يتذكرون من الماضي شيء ولا عن السجان الذي كان يجرعهم العذاب غصة بعد غصة، ويتلذذ ويتفنن في أبتكار وأختراع أدواته وصنوفه ، ولا عن الجلاد الذي تصفح تاريخ الاجرام كله ليتعرف ويتعلم كل أنواع القتل والبطش وفنون الموت وآلات واساليب حصد الآرواح ،لتختزل كلها بطعنة في الظهر من سلطة جديدة حذفت أسماء الضحايا من سجلات الشهداء لتحترق صفحاتها كل يوم لتصبح عما قريب رماد يجمع لينثر في وادي النسيان لتنتهي حقبة من سفرتاريخ كتب بالدم أحرفه وبنور الشهادة أسطره ولتعطره دموع الامهات ،وعندما وقف الشهداء على بعد خطوات عند مفترق الطرق وهم ينظرون مشهد جديد لآثارهم وقد أختفت والى نور دمائهم وقد أطفئتها رياح هبت من الذين جعلوا من نعوش الموتى سلماّ ومن دمائهم منبراّ لغنيمة العرش والمال والجاه ولتبدء مسيرة الأحتجاج للشهداء وهم ينزعون أكفانهم ليرفعوها راية بيضاء على الجماجم والعظام لعلهم يعثرون على الطريق الذي يؤدي الى العدالة الضائعة في وطن جديد كما يسمى وطن الديمقراطية ولا العدالة ولا المساواة ليقدموا شكوى ضد أخوة الامس القريب ،الذين اصبحوا اليوم الاخوة الاعداء الذين فوضوا أنفسهم وفي غفلة من الأمهات والاخوات الثكالى والأباء والأشقاء المحرومين ليعفوا عن القاتل الجلاد وليصافحوا اليد التي تلطخت بدمائهم والتي مازالت تسيل أنهارا لتصب في بحر الخلود ولربما لزمن طويل يتجاوز الزمن الماضي بحجة وذريعة المصالحة الوطنية ،وتخوف من أعادة التاريخ الاسود نفسه وقصص وروايات بلا عنوان والضحية الاولى هو الفقير الذي مازال يبحث عن رغيف الخبز ليسد رمقه وليشبع جوعه وعن ماء ليطفئ لهيب ظمأه ونار فراق الأحبة وفراش للراحة من تعب الايام وقهرها والموت بهدوء وصمت عليها ووسادة للتخلص من كابوس الرعب والأختناق وغطاء لحلم باهت الألوان وأمنيات بعيدة المنال بل لا أمنيات، أما الضحية الثانية مقتول مجهول الهوية مكانه على قارعة الطريق أم في زوايا الأزقة أو مرميا على القمامة تنهش الكلاب جثته أو في مقبرة جديدة تضاف الى المقابرالتي لم تكتشف أو في الطب العدلي وقد تكون جثة بلا رأس وحينها لاتنفع شم النحر والعويل والبكاء من والدة مجنونة تحمل أبنها بين ذراعيها الى أرض الطف لتدفنه بالقرب من شهداء بلا رؤوس أو تكون جثة مشوهة ليضرب الأب كف على كف وسط ذهول وصدمة يتمنى ان يبلى بالعمى وان لا يرى أبنه بهذا الحال، ولكن كيف سيكون حال الاخ والاخت والعم والخال وكيف سيكون حال العراق والعراقيين لو عاد الجلاد بثوب المصالحة الوطنية سيعود الوطن للغير وسيعود الشعب بلا هوية وستبدل الدماء بالماء ولتصبح الشهادة خيانة .

Back