الكورد الفيليون في العراق .. حقائق من التاريخ السياسي المعاصر للدولة العراقية

جليل ابراهيم المندلاوي

تعتبر قضية الكورد الفيليين من القضايا المعقدة التي شهدها التاريخ السياسي الحديث لمنطقة الدول المطلة على الخليج، وخصوصا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، لما لهذه المنطقة عموما من اهمية ستراتيجية بسبب موقعها المهم الذي تحتله ضمن الرقعة الجغرافية لمنطقة الصراع العالمي من اجل الذهب الاسود وقد أدى ذلك بصورة حتمية لظهور هذه القضية ضمن القضايا البالغة الاهمية ـ بل وأعقدها ـ والتي يصعب ايجاد حلول دائمية لها وبسبب كون مطلق الحلول سواء المتبعة منها أم المطروحة، كانت جميعها تهدف الى تحقيق اكبر المصالح على حساب هوية شعب بالتغاضي عن حقوقه مما أدى الى فشل كل المحاولات والتي تسمى بوجهة نظر القيادات السياسية حلولا لاغلاق ملف هذه القضية حيث كانت تطفو على السطح دوما وخصوصا مع التطورات التي يشهدها الملف الكوردي بصورة عامة والتغيرات في علاقات العراق وايران البلدين المتجاورين.

اما اسباب تعقد هذه القضية فلها جذورها التأريخية بدءا بالخلافات التي كانت تعصف بين الحين والاخر بالعلاقات بين الدولتين الجارتين العثمانية والايرانية وبين الدولة العراقية والايرانية فيما بعد اذ بقيت هذه الخلافات تعكر صفو العلاقات بين الدولتين على مدى اكثر من اربعة قرون ونصف.

وتعود اسباب الخلافات اصلا الى التنازع المستمر بين البلدين على سيادة الاراضي المحاذية لمنطقة التخصر الحدودي بين العراق  ايران (حسب تعبير البروفيسور د.خليل اسماعيل محمد راجع كتابه الذي يحمل هذا العنوان) وخلال فترات مختلفة حاولت الدولتان انهاء ذلك الصراع عبر اتفاقيات صلح ومعاهدات وبرتوكولات عديدة عقدت بينهما لهذا الغرض الا ان هذه الاتفاقيات مافتئت ان تنهار بسبب الانتهاكات والاعتداءات التي تظهر بين فترة واخرى والتي كانت تشتعل بين الطرفين في تلك المناطق لكونها نقاط التماس الحيوية بين الدولتين اما الاتفاقيات المعقودة بين الدولتين العثمانية والايرانية فهي:
1- اتفاقية عام 1555م في قسطنطينة.
2- اتفاقية عام 1639م في زهاو.
3- اتفاقية عام 1727م في همدان.
4- اتفاقية1736م في قسطنطينة.
5- اتفاقية 1746م في مغان.
6- اتفاقية 1823م في ارضروم.
7- اتفاقية 1905م في ارضروم.
8- اتفاقية 1913في استمبول والتي عرفت ببروتوكول الاستانة.

 ومما يلاحظ في تلك الاتفاقيات ان بنودها كانت تتغير تبعا لتغير الظروف السياسية حينها والتي تفرض نفسها في حسم الصراع بصورة ((مؤقتة)) بين الدولتين اللتين لم تكونا على وفاق تبعا لطبيعة المصالح والامتيازات التي يسعى لتحقيقها الطرفان بشتى السبل والوسائل المتاحة والتي دعت في كثير من الاوقات الى استخدام القوة وفرض السيادة بما ينتج عنه الموقف بينهما فكانت كل اتفاقية تحمل بين طياتها اوراق المنتصر حيث في كل اتفاق جديد كان يعقد بين الدولتين لم يكن يتعد عن تغيير السيادة للمناطق التي تم تقسيمها اصلا في اتفاقات سابقة ودون مراعاة لما لهذا التقسيم من اثار سلبية على سكان تلك المناطق حيث من الطبيعي ان نجد مثلا جزءا من افراد عشيرة معينة يوجدون في مناطق تعود تبعيتها ـ حسب الاتفاقات المعقودة ـ الى ايران والجزء الاخر من العشيرة نفسها يقطنون في مناطق تعود بتبعيتها الى الدولة العثمانية او الى العراق فيها بعد مما سبب هذا التقسيم حدوث الكثير من المشاكل الاجتماعية لدى ابناء العشائر القاطنة في تلك المناطق ـ موضع النزاع ـ أضف الى ذلك تأثيرات نفسية ومشاكل قانونية تخص حقوق الملكية والتبعية والجنسية وغيرها كما حدث في العراق مطلع السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، الاهم من ذلك كله ما لهذه الاتفاقيات من دور واضح في الاعتداء على حقوق المواطنة لسكان تلك المناطق مما يعد خرقا للاعراف والاتفاقيات الدولية وبتعبير ادق ان تلك الاتفاقيات والبروتوكولات لم تأخذ بنظر الاعتبار الجوانب والاعتبارات الانسانية التي تجب مراعاتها فيما يخص سكان المناطق(الفيلية) محور الصراع.

الكورد الفيليون والدولة العراقية  

بعد انهيار الدولية العثمانية اثر هزيمتها في الحرب العالية الاولى وسيطرة دول الحلفاء على معظم المناطق التي كانت خاضعة لنفوذ الدولة العثمانية حيث استطاع الانكليز الاستيلاء على الكثير من المناطق في العراق بدءا من شط العرب الذي كان بداية للحملة البريطانية في العراق والتي بدأت في تشرين الثاني 1914 واستطاعوا خلالها الوصول الى لواء الموصل مرورا بمدن العمارة والكوت وبغداد وكربلاء وكركوك والسليمانية… حتى تم اعلان الهدنة في 28 نيسان 1918 ومن ثم توقيع اتفاقية سيفر بين تركيا (التي تأسست على انقاض الدولة العثمانية) والحلفاء من جهة اخرى في 10 آب 1920 حيث اصبح العراق تحت السيطرة البريطانية بموجب الانتداب الذي خول بريطانيا تشكيل حكومة عراقية وانتخاب ملك للعراق حسب استفتاء تجريه لهذا الغرض ومما يذكر بهذا الشأن ان والي (بشتيكوه) غلام رضا خان وهو والمستقل من أمراء لورستان كان من ضمن المرشحين لتولي عرش العراق حيث كان من مصلحة الانكليز تأمين علاقاتها في مناطق لورستان الفيلية والحفاظ على علاقات طيبة مع والي (بشتيكوه) لكونهم يمتلكون قسما كبيرا من رأسمال الشركة الانكلو ـ ايرانية للسجاد والتي لها استثمارات كبيرة في المناطق الخاضعة لنفوذ الوالي ويقول الدكتور سندرسن (طبيب العائلة المالكة في العراق) في مذكراته الامور التي وردت حول ترشيح رضا خان لعرش العراق كما يذكر ان المندوب السامي البريطاني في العراق كان قد رشحه لتولي عرش العراق الى جانب ترشيح الامير فيصل بن الحسين والشيخ خزعل امير المحمرة الا ان ترشيح رضا خان لم يواجه برضا من قبل وزير المستعمرات البريطانية لتجنب رفض العشائر العربية التي تقطن العراق لملك ذي اصول كوردية على عرش العراق وكذلك الغي ترشيح امير المحمرة لكونه لايحظى بشعبية في العراق تؤهله لهذا الترشيح فقد حظي الامير فيصل بن الحسين بتأييد من قبل السياسيين البريطانيين بسبب انتمائه للبيت الهاشمي الذي يحظى بشعبية وتأييد واسعين من فئات الشعب العراقي اضافة الى رؤساء ومشايخ العشائر العراقية والشخصيات المتنفذة في العراق ويذكر ايضا ان آخر ولاة لورستان (غلام رضا خان) كان قد هرب الى العراق بعد الاطاحة بالسلطنة القاجارية الحاكمة في ايران عام 1924 وتسلم رضا خان رسميا ودعاه الى طهران الا انه رفض تنفيذ هذا الامر واضطر فيما بعد الى اللجوء الى بغداد بعد معارك ضارية نشبت على اثر تجهيز شاه ايران لحملة عسكرية لاحتلال المناطق التي تحت سيطرة والي لورستان وكان ذلك عام  1929(للوقوف على تفاصل هذا الموضوع راجع اللور الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر لعبد الجليل فيلي ـ او اللور ولورستان لعلي سيدو الكوراني) وعلى ضوء ذلك تم الغاء آخر امارة كان يتمتع فيها الكورد(الفيليون) بنوع من الاستقلال الذاتي والحاق هذه الامارة مع سائر الولايات الايرانية بالحكومة المركزية في طهران.

ورغم التطورات التي شهدتها المنطقة بعد الحرب العالمية الاولى الا ان الخلاف بين الدولتين الايرانية والعراقية (الحديثة آنذاك) مافتىء ان يظهر على المسرح السياسي حيث لم يكن قد حسم بعد وبلغت هذه الخلافات اشدها عام 1932 حيث كان التوتر بين البلدين قد بلغ منحى كبيرا بسبب التجاوزات والاعتداءات المستمرة على القرى والمخافر الحدودية واتجه الخلاف الى اتخاذ مسار جديد بعد ان تقدمت الحكومة العراقية بالعديد من المذكرات الى الخارجية الايرانية والتي لم تسفر عن شيء ليعرض العراق المشكلة على عصبة الامم في 25 تشرين الاول 1934 بين فيها قلقه من  تصرفات الحكومة الايرانية المخلة بالاتفاقيات المعقودة بين البلدين، ففي عام 1934 قدم نوري السعيد وزير الخارجية العراقي آنذاك مذكرتين الى عصبة الامم احتوتا على حقائق تأريخية استند اليها السعيد في معرض بيان عائدية المناطق المتنازع عليها واستند ايضا الى الاتفاقيات التي اصبحت ملزمة للبلدين قبل الحرب العالمية الاولى بما في ذلك بروتوكول تعيين الحدود الموقع عليه في استانبول في الرابع من تشرين الثاني 1913ورغم هذه المذكرة المقدمة من الجانب العراقي الا ان مجلس عصبة الامم كان قد سحب موضوع الخلاف من جدول اعماله بعد ان تعهد وزير الخارجية الايراني بتقديم مقترحات في هذا الموضوع ترضي الحكومة العراقية كما اوصى مجلس العصبة بحل الخلاف عن طريق التفاوض المباشر بين العراقي وايران.

وتجددت المفاوضات بين البلدين بدءا من عام 1935 وانتهت بعقد معاهدة بينهما في 4 تموز1937 التي اعطى فيها العراق بعض التنازلات لايران في شط العرب مقابل الاحتفاظ ببعض المناطق المتنازع عليها تحت سيادة العراق.

وربما لم يكن الامر مصادفة حين صدر قانون الجنسية العراقية في العام نفسه أي عام 1937 حيث كان الكثير من العوائل الكوردية الفيلية مازالت تحتفظ بجنسيتها الايرانية فكما ذكرنا سابقا كانت مناطقهم معرضة على الدوام للتنقل بين سيادة الدولتين الايرانية والعراقية اثر كل اتفاقية او معاهدة وبقيت هذه العوائل محتفظة بجنسيتها الايرانية لضمان عدم شمول ابنائها بقانون الخدمة العسكرية الاجبارية.

ومن مقارنة للاحداث بين صدور قانون الجنسية العراقية لسنة 1924 وصدور القانون الجديد للجنسية عام 1937 نجد ان الاسباب التي صدر من اجلها القانون عام 1924 كانت لغرض سحب الجنسية عن الكثير من الارمن والاثوريين غير المرغوب بوجودهم آنذاك ليتضح لنا ابعاد واهداف قانون الجنسية العراقية الذي صدر عام 1937 بعد ان وقع برتوكولا مع ايران حول تقسيم الحدود فيتضح لنا المشروع الذي يهدف الى تصفية الوجود الكوردي (الفيلي) من مناطق  التخصر الحدودية بين العراق وايران فهي خطة مدروسة ولكن لربما لم تكن بالشكل الذي تم تنفيذه منها مطلع السبعينيات والثمانينيات فقد كان قانون الجنسية العراقية منذ بداية صدوره يعتمد على التبعية العثمانية كأساس لحقوق المواطنة في الوطن العراقي الحديث وقسمت الجنسية العراقية المواطن العراقي الى فئات ودرجات خلافا لما هو متعارف عليه في معظم دول العالم معتمدين بذلك على التعدد القومي والطائفي في العراق وتمرير المخططات الرامية لمواجهة الاكثرية بالاقلية الحاكمة حيث يمكن تجريد اية طائفة من جنسيتها اذا ماواجه منها أي تهديد معين، وعلى ضوء ذلك تم استبعاد الكثير من ابناء الشعب العراقي عموما باسقاط جنسيتهم ومن بينهم الكورد الفيليون.

الكورد الفيليون وحركات التحرير الكوردية

وما لبث التوتر ان عاد الى العلاقات الايرانية العراقية خلال اعوام الستينيات التي شهدت اندلاع ثورة ايلول التحررية بقيادة الاب الروحي للامة الكوردية وقائد حركتها التحررية البارزاني الراحل حيث القت الحكومة العراقية باللوم على ايران في دعمها للثورة الكوردية وكان ان انخرط في صفوف هذه الثورة الكثير من ابناء الشريحة الكوردية الفيليين جنبا الى جنب اخوانهم في القومية والمصير المشترك وقدموا من اجل ذلك تضحيات يشهد لهم فيها كل من عاصر الثورة الكوردية وفي هذا الصدد نود ان نذكر ان للكورد الفيليين مشاركات فاعلة في حركة التحرر الكوردية حتى قبل بدء ثورة ايلول المجيدة حيث يضم القاموس العراقي الكثير من رجالات السياسة الذين ساهموا في صنع التأريخ السياسي للعراق الحديث اذ لم يقتصر دورهم على الساحة السياسية الكوردية فحسب وهذا مانراه واضحا اذا ماتتبعنا سيرة عدد من ساسة العراق ليتأكد لنا هذا القول ونورد هنا عددا منهم على سبيل المثال لا الحصر فمنهم الدكتور جعفر محمد كريم سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1946، عزيز الحاج سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في اعوام الستينيات، وصفي طاهر عضو حركة الضباط الاحرار واحد قادة ثورة 14تموز 1958، علي صالح السعدي نائب رئيس الوزراء عام 1963، حبيب محمد كريم سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردستاني والذي كان البارزاني الخالد قد رشحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية عام 1970، صالح السعدي عضو قيادة حزب البعث مطلع السبعينيات والذي اختفى عام 1971 وغيرهم الكثيرون لايسعنا ذكرهم هنا.

ومن خلال ماسبق يتبين لنا مدى الدور الذي كان الكورد الفيليون يتميزون به على المسرح السياسي العراقي كما يتبين لنا مدى الدور الذي اتخذته الحكومات العراقية المتعاقبة على دست الحكم في بغداد ضد هذه الشريحة وما تشكله من خطر بالنسبة لاهدافها المستقبلية في فرض هيمنتها وتحقيق رغباتها الرجعية على حساب مصالح الشعب العراقي بصورة عامة فكان ان اتخذت العديد من الاجراءات التعسفية ضد ابناء هذه الشريحة الهدف من ورائها تصفية وجودها من الوطن العراقي بينها العاصمة بغداد والتي كان قاعدة مهمة بالنسبة للحركة الكوردية حيث استطاع الكورد الفيليون تسخير هذه القاعدة من اجل الاهداف والمصالح العليا لشعبنا الكوردي من خلال دعمها لحركته التحررية عبر المشاركة الفعلية والفاعلة سواء كانت هذه المشاركة مادية ام معنوية.

وقد اورد الاستاذ عبدالجليل فيلي في كتابه (اللور الكورد الفيليون في الماضي والحاضر) فقرة اقتبسها من التقرير المركزي للمؤتمر القطري التاسع لحزب البعث الحاكم في بغداد ((وقد اشترك افراد من هؤلاء في التقرير السياسي  للمؤتمر القطري الثامن كما كانوا بعد الثورة بوجه خاص حلفاء لزمرة البارزاني داخل العراق…)) ويؤكد الاستاذ فيلي في معرض حديثه ان المقصود بهؤلاء هم الكورد الفيليون وبنى على ضوء ذلك الاسباب التي دعت القيادة العراقية للقيام بحملات التسفير للكورد الفيليين بين عامي 1970ـ1971 والتي تم خلالها تسفير حوالي (70) الف مواطن كوردي فيلي وبالاضافة الى الاسباب الاخرى التي اوردناها يتأكدلنا ماذهب اليه الاستاذ فيلي في رأيه بهذا الموضوع كما نود ان نذكر هنا ان عمليات التسفير وتصفية الوجود الكوردي من المناطق الكوردية الفيلية قد استمر الى مابعد علم 1971بحجة التبعية الايرانية وعدم حيازتهم الجنسية العراقية وقد كان ضحية هذه الاجراءات التعسفية ايضا الكثير من العوائل العربية التي لم يكن افرادها حائزين على الجنسية العراقية لأسباب تتعلق في عدم شمولهم بقوانين الخدمة الاجبارية في الجيش العراقي.

اتفاقية الجزائر المشؤومة

كما اكدنا سابقا ان الصراع العراقي الايراني كان قد بلغ ذروته بعد الاعتداءات على القرى والمدن والمخافر الحدودية ومشاكل عدم ترسيم الحدود وظهر عامل جديد دفع بالعراق الى ضرورة التفكيرفي عقد اتفاقية جديدة مع ايران والمعامل الجديد نشأ بعد انهيار اتفاقية اذار الموقعة بين الحكومة العراقية من جهة وبين القيادات الكوردية من جهة اخرى عام 1970 حيث نشطت الحركات الكوردية بين عامي 1974ـ1975 مطالبة بحقوق الشعب الكوردي اثر نقض الحكومة لوعودها التي قطعتها للكورد والتي تم الاتفاق عليها خلال المفاوضات التي جرت بين الوفد الكوردي ووفد الحكومة وعلى اثر هذه التداعيات في المواقف نشبت معارك طاحنة بين القوات الحكومية والقوات الكوردية والتي استمرت اثني عشرشهرا وخسر فيها الجيش العراقي اكثر من ستة  عشر الف اصابة بين قتيل وجريح باعتراف صدام حسين الرئيس العراقي والذي كان حينها نائبا للرئيس (والمنشور نصه في كتاب الجمهورية فصول من قادسية صدام بغداد 1981) حيث ذكر بهذا الخصوص في حديث له امام اعضاء المجلس الوطني مطلع عام 1977مانصه: ((كما تحمل شعبنا كل التضحيات التي تطلبتها المعركة والتي امتدت اثني عشر شهرا بين اذار1974 اذار1975والتي خسر فيها الجيش العراقي اكثر من ستة عشر الف اصابة بين شهيد وجريح وكانت مجمل خسائر الجيش والشعب فيها ستين الف اصابة بين قتيل وجريح…))
كما اشار خلال نفس الحديث الى الدور الايراني في مساندة تلك الحركات وكذلك اعترف بالنقص الذي تعرض له الجيش العراقي في عتاده خلال احداث الثورة الكوردية حيث اكد بهذا الخصوص((لقد كانت المعلومات في اطار محدود جدا على صعيد القيادة لكي لايتعرف الاعداء على هذا السر ويتمادوا في مؤامراتهم وعدوانهم ولكي لاتضعف معنويات قواتنا…)).

ومن هنا تتضح لنا الاسباب التي دفعت العراق الى عقد الاتفاقية المشؤومة مع ايران عام1975ــ والتي عرفت باتفاقية الجزائر.
تم توقيع البلدين على توقيع البروتوكولات الاساسية الثلاثة التي استندت عليها اتفاقية اذار وهي بروتوكول تحديد الحدود النهرية والذي منح بها العراق امتيازات في شط العرب وبروتوكول اعادة تخطيط الحدود البرية بين البلدين استنادا على اتفاقية الاستانة الموقعة بين الدولتين العثمانية والايرانية عام 1913 والتي حصل بها الجانب الايراني على عدد من المناطق الحدودية بموجب تلك الاتفاقية والبروتوكول الثالث الذي تم توقيعه هو بروتوكول الامن على الحدود والذي كان يهدف من ورائه الجانب العراقي القضاء على الثورة الكوردية التي بلغت اوجها في ذلك الوقت لانقاذ الجيش من الهزيمة المحتملة خصوصا بعد اعترافه بنقص العتاد الذي كان يعاني منه وتم له ما اراد من وراء ذلك ومرت الاوضاع بين البلدين بفترة من الهدوء النسبي فحاول نظام بغداد بعد ذلك التملص من بنود الاتفاقية ــ بعد ان حصل على مايريد في قمع الثورة الكوردية ــ ولاستعادة مافقده من امتيازات منحها للجانب الايراني فكان يتحين الفرصة لذلك حتى وجد فرصته مع اندلاع الثورة الايرانية والقضاء على حكم الشاه ليستغل النظام العراقي فيها اضطراب الاوضاع وعدم الاستقرار التي شهدتها ايران ابان ثورتها لينقض تلك الاتفاقية ويتحرر من الالتزامات التي فرضتها اتفاقية الجزائر تجاه ايران وبالفعل قام عمليا بذلك حين بدأ بالتحرش بالثورة الوليدة ومحاوله فرض سياسة الامر الواقع بتملصه من بنود تلك الاتفاقية والتراجع عن اعترافه بالامتيازات التي حصل عليها الجانب الايراني في شط العرب بمنعه من الملاحة فيه ولتعود العلاقات بين البلدين الى التوتر من جديد وتعود معها قضية الكورد الفيليين للظهور مجددا على المسرح السياسي باستخدامها كورقة ضغط على الجانب الايراني ولتكون مجرد تجسيد للصراع بين هذين البلدين..

 

Back