هل رمى الكرد الفيليون قماماتهم في مكب الاخرين ؟

 زكي رضا

 تحية لتلك الازقة في احيائنا الفقيرة ، ذات الجدران الحبلى بالفقر والجوع والمرض .

تحية لتلك الجدران التي علمتنا معنى الوطنية والنضال ، عندما شاهدنا آثار جرائم البعثيين عليها في عام 1963 ، حين تصدى الفيليون واعضاء وانصار ومؤازرو الحزب الشيوعي العراقي ، لعصابات القتلة دفاعا عن ثورة 14 تموز .

تحية لتلك الجدران التي لو شاء لها ان تنطق ، لروت مأساة شريحة عراقية أصيلة ، قدمت للعراق وللحركة الوطنية العراقية  ، وحركة التحرر الوطني الكردية والحركة الاسلامية ، الكثير من المال والدماء .

تحية لتلك الجدران الآيلة للأنهيار ، وهي ترى البؤس الذي يلف ابنائها ، بعد ان ضاعوا في بازار تجار القومية والطائفية ، بعدما قلبوا للفيليين ظهر المجن .

تحية لتلك الجدران التي حفظت اسرار الرسائل القادمة من الجبل الى بغداد ، عندما كانت تستضيف  الاجتماعات بعيدا عن اعين السلطة .

تحية لتلك الجدران التي يجب ان يتعلم منها ابنائها ، كيفية الصمود والبقاء في بلد امسى كالبحر يأكل الكبير من السمك صغيره .

تحية لتلك الجدران التي منها ، علينا ان ننطلق في بحثنا عن ذاتنا وهويتنا ، بأعتمادنا على انفسنا والخيرين من ابناء هذا البلد ؟

تحية لكل عراقي شهم ، ولكل انسان يحمل في دواخله تلك النزعات الانسانية ، التي اصبحت بضاعة نادرة في عراق الطوائف .

تحية للكاتب والانسان والسياسي الذي يحمل هموم ( الاقليات ) العراقية على كاهله ، رغم وحشة الدرب وقلة سالكيه  .

تحية للدكتور كاظم حبيب وهو يكتب عن هموم فيلية ، في الوقت الذي يدير البعض من الفيليين ظهورهم لابناء جلدتهم .

 ففي مقالة تحت عنوان ، الكرد الفيلية في العراق : اين الحل ؟ يدخل د.كاظم حبيب وعربة الكرد الفيلية ،أرض محرمة لم يسبق ان دخلها احد ، دون ان يتعرض لتهم شتى واتهامات رخيصة . محاولا طرح الكثير من الهموم الفيلية على طاولة البحث والنقاش ، من خلال طرحه لأسئلة ملحة تهم هذه الشريحة التي اصبحت طي النسيان .  بعدما كانت قاسما مشتركا في اجتماعات وبيانات ، الاحزاب الكردستانية والاسلامية قبل ان تهيمن على الحياة السياسية في البلد بعد الاحتلال الامريكي في 9 / 4 / 2003 . فشكرا للاستاذ كاظم حبيب وهو يفتح ملف الفيليين ، ونحن على ابواب احصاء سكاني جديد . وليسمح لنا اولياء امورنا في الاحزاب الاسلامية والكردستانية ، وبعد سبع سنوات من وصولهم الى السلطة في ان نطرح السؤال التالي ، اين نحن من الاحصاء السكاني الجديد ؟

 في رسالة وصلتني من بغداد ، يذكر فيها كاتبها بألم ، من ان هناك البعض من الكرد الفيليين يرفض ان يكتب ( كردي فيلي ) في سجل الاحصاء اذا ما سمح له الاشتراك فيه قائلا له ، اعطني بيتي الذي تمت مصادرته قبل ثلاثين عاما ، واعد لي مواطنتي وكرامتي ، وسأحفر كلمة كردي فيلي على جبيني .  ويضيف من انه ولليوم ، لا توجد اية آلية لاشتراك الكرد الفيليين في هذا الاحصاء ، وخلو حقول القوميات والطوائف في البيانات من حقل ( كردي فيلي ) .

 هل الكردي الفيلي هذا على حق أم لا ؟ سؤال مشروع يطرحه هذا العراقي مع وقف التنفيذ ، في الوقت الذي يرى فيه جميع الابواب موصدة في وجهه . فلا الاحزاب الشيعية والكردية التي ناضل في صفوفها ، وتقاسم معها رغيف الخبز المعجون بالقهر والحرمان ، ودفن واياهم أعزة لهم في مقابر غريبة ، اعادوا له حقوقه ، بعدما اصبحوا يقودون البلد ، مع العلم من انهم استعادوا حقوقهم بالكامل بل واكثر من ذلك . ولا يسمحون له في الوقت نفسه ، بالبحث عن طوق نجاة بعيدا عنهم .  اذ يعتبر اي تجمع فيلي مثلما قال احد قياديي الحزب الديموقراطي الكردستاني في ندوة له في كوبنهاكن العام الماضي ، خطا احمر لا يمكن تجاوزه . والخط الاحمر هذا بنظري ليس كرديا فقط بل شيعيا ايضا ، اذ لا تختلف الأحزاب الشيعية ، عن اخواننا في القومية بشيء في هذا الجانب على الاقل . واظن الان ان سبب عدم اصطفاف الفيليين وتشتتهم الذي اشار اليه د. كاظم حبيب اصبح مفهوما ، وهو حاجة الكرد الفيليين الى قيِمْ يأخذ بيدهم لحين بلوغهم سن الرشد ، والذي لن يبلغوه الا بأعتمادهم على ذاتهم مثلما قال السيد جلال الطالباني ، سكرتير الاتحاد الوطني الكردستاني ( قبل انشقاق التغيير ) ورئيس الجمهورية العراقية حينها ولليوم ، في رسالة خاطب بها الكرد الفيليين قائلا ( لا يحك جلدك مثل ظفرك ) . ويبدو ان السيد رئيس الجمهورية نسى ، من اننا لم نعد نملك اظافرا لنحك بها جلودنا ، بعد ان استخدمناها في حك جلود الاخرين ، عندما كانوا بحاجة لمن يحك جلود ظهورهم معهم . ولا يختلف الاسلاميون بشيء عن اخواننا بالقومية في تعاملهم مع اي تجمع فيلي ، وقد لاحظنا اثناء تهيئتهم للانتخابات النيابية في آذار الماضي ، استيرادهم لشخصية كردية فيلية مهجرة الى ايران منذ العام 1970 ، ليكون على رأس تجمع فيلي عراقي . علما من انه شخصية سياسية ايرانية ، زار العديد من البلدان الاسلامية والعربية ضمن وفود ايرانية رسمية . واظن ان هذا بحد ذاته يعقد مشكلة الفيليين اكثر ، ويؤكد على ما يسمى بتبعيتهم لايران . وسؤالي هو  الم يجد الاخوة الاسلاميون غير هذه الشخصية ، وهل خلت الساحة الفيلية من نساء ورجال قادرين على تمثيل شريحتهم ، ولماذا اساسا تتدخل الاحزاب الشيعية في الشأن الفيلي ؟ الم تكن والاحزاب الكردية مهيمنة على البرلمان العراقي ولها الاغلبية ؟ فلماذا لم تتبنى مشاريع قوانين تنصفهم خلال فترة هيمنتهم على البرلمان ؟ ومن اين جاءت القوانين التي اعادت لهم رعويتهم واملاكهم التي صادرها نظام البعث الساقط  ؟. ولماذا لم تمنح هذه الاحزاب مقعدا تعويضيا ( من التي سرقوها بتحايلهم على القانون الانتخابي ) لكردي فيلي ، بل منحوها لشخصيات شيعية وكردية لم تحصل بعضها الا على اصوات لم تتجاوز المئة صوت !! ؟

 وعودة لموضوع التعداد السكاني المزمع اجراءه في شهر تشرين الثاني / اكتوبر من العام الحالي ، والذي سيكون الكرد الفيلية خارج قوس فيه ، نتيجة عدم تبني آليات تسجيلهم ، وخصوصا فيليي المهجر والاجيال التي ولدت في الشتات ، والذين يمثلون نسبة لابأس بها من تعداد الفيليين الكلي . وهل سيكون التعامل معهم ، شبيها بتعامل مفوضية الانتخابات معهم ، عندما الغت اصوات الغالبية العظمى منهم لعدم أثبات عراقيتهم !! وهل ستلعب القوى المتنفذة في القرار السياسي معهم ، سياسة الساعات الاخيرة لتبرر عدم تسجيلهم كعراقيين ، لأن تسجيلهم كعراقيين سيحمل حكومة المحاصصة الكثير من التبعات القانونية .

 ان ما يحتاجه الكرد الفيليين اليوم بالاضافة الى وحدتهم على الرغم من تباين آرائهم السياسية ، هو دعم الاحزاب الكردية والاسلامية صاحبة القرار السياسي لهم ، وليس التدخل في شؤونهم وفرض شخصيات تتحرك بامرتهم كبيادق الشطرنج . واعتقد ان البعض قد خانه تعبيره ، فبدلا من القول ان الفيليين يعلقون اخطائهم على شماعات الاخرين ، وله بعض الحق في ذلك نراه يقول ( ولكننا " الفيليون " نحاول بشتى الوسائل قذف قماماتنا على الاخرين ...) ، ولا اعتقد ان الاحزاب القومية والاسلامية التي ناضلت لسنوات ضد نظام البعث الساقط هي مكب نفايات ، كي يرمي فيه الكرد الفيلية قماماتهم فيها ؟

 

كلمة اخيرة للكردي الفيلي : انظر الى مشاكلك بعينيك ، فلن يعيرك احد عيناه . 

  زكي رضا

الدنمارك

30 / 9 / 2010

 

Back