تفعيل تعهد مجلس الوزراء لقضية الكورد الفيليين

الثلاثاء, 04 يناير 2011 13:31

زهير كاظم عبود / بصدور قرار المحكمة الجنائية العراقية العليا يوم 29/11/2010 بأدانة بعض المجرمين ممن أرتكبوا الجرائم ضد ابناء الكورد الفيليين...
 

وأصدار الأحكام القضائية  بحقهم ، تم أعتبار الجريمة التي ارتكبها النظام الدكتاتوري البائد بحق أبناء الكورد الفيلية من جرائم الأبادة الجماعية . حيث أن الجرائم المروعة والمنظمة التي طالت الالاف من ابناء العراق من الكورد الفيلية بقصد اهلاك هذا المكون المهم والمناضل والمساهم في بناء العراق الحديث ، والفاعل في نضال حركته السياسية  ، وقيامه بقتل شبابهم من خلال إخضاعهم للتجارب الكيمياوية وتنفيذ عقوبة الأعدام بحق عدد منهم  والتخلص من جثثهم وتضييع مقابرهم ، والعمل على إبعاد مجاميع أخرى وإخضاعها الى أحوال معيشية قاهرة  في مجاهل الصحراء العراقية الجنوبية القاسية بقصد القضاء عليهم وأهلاكهم ، والتعمد بالحاق الأذى الجسدي والنفسي باعداد أخرى تعرضت للحجز التعسفي والعزل مدد طويلة من الزمن ، كما تعرضت للحرمان والتشتيت القسري ، بالأضافة الى أجراءات الأبعاد والترحيل خارج العراق ، ومورس بحقهم الطرد وأسقاط الجنسية والأستيلاء بشكل تعسفي على أموالهم المنقولة وحتى غير المنقولة بطرق لم تألفها أخس الحكومات والعصابات التي مارست مثل هذه الأفعال سابقا ، وبشكل غير دستوري او قانوني . ومن الجدير بالأستذكار أن ما قامت به السلطة الطاغية وزمرة من رموزها من أفعال خسيسة كانت تحت أنظار وعلم ومعرفة المنظمات الدولية السياسية منها والأنسانية ،  والتي لم تظهر الا تعاطفا خجولا وقليلا مع تلك القضية التي لم تزل تدمي ضمير الشرفاء وأصحاء الضمير من أهل العراق ، بالنظر لما كان للنظام الدكتاتوري البائد من علاقات وطرق لأسكات ضمائر البعض من العاملين في هذه المؤسسات الدولية والأنسانية .

 وكانت جماهير الكورد من الفيليين من ابناء العراق  يبنون احلامهم وآمالهم على سقوط النظام الصدامي في استعادة حقوقهم المسلوبة وكرامتهم وشرفهم المستباح ، وكانوا قد امتلئوا وعودا وآمالا كثيرة أملتها ظروف المعارضة وفاعليتها خلال تلك الحقبة التي شهدت وقوفهم تلك الوقفات التي يشير لها التاريخ العراقي الحديث بفخر وإجلال ، وكانوا بأنتظار بارقة الأمل وتحقيق الوعود التي قدمتها أحزاب وشخصيات عراقية عديدة . وحين سقط صدام وتلاشت سلطته غير مأسوفا عليهما  ، بقي الفيليين بانتظار أن يستذكرهم أحد من تلك الأحزاب السياسية والشخصيات التي صارت تقود الحياة السياسية في العراق الجديد ، وتكررت الوعود نفسها ، وأظهر العديد تعاطفا مع قضيتهم  ، غير ان الجميع تناساهم في خضم التهالك والتزاحم على السلطة ، وبقيت أعداد كبيرة منهم في مهاجرها ، وبقيت أعداد كبيرة أخرى منهم حتى اليوم تتوسد الخيام ودون هوية او جنسية ، وبقي الجميع دون حقوق بالرغم من حملة اللهاث والتزاحم على أبواب المحاكم والدوائر الرسمية لأثبات مواطنتهم رسميا ، وحتى لأثبات حقوقهم التي سرقتها منهم سلطة صدام  وأستغلتها ، وبقيت تلك الناس تدور في فلك المطالبات والروتين التي تتمسك به دوائر العراق الجديد ، وكأنهم باعوا أموالهم وحقوقهم الى الغير برضاهم ، وكأنهم من تسبب بضياع تلك الحقوق ، ففي الوقت الذي تزاحم معهم المدعين ونهازي الفرص وحصل هؤلاء على المكاسب ، بقي الكورد الفيليين يطالبون بحقوقهم التي لم تعدها لهم أية جهة بأي شكل من الأشكال . وحرصت دوائر العراق الجديد التأكيد على مطالبتهم بشهادة الجنسية العراقية في كل معاملاتهم  ، تلك الوثيقة المفتعلة البائسة التي أريد بها تقسيم اهل العراق طائفيا ، وأطلقت بحقهم السهام الغادرة التي تطعن في وطنيتهم وجنسيتهم وتابعيتهم وحقوقهم ، وهم أكثر أهل العراق التصاقا بالأنسان وبالتراب وبالمبادئ .

 وبالرغم من ضغط حجم قضية الكورد الفيليين المنظور أمام المحكمة الجنائية العراقية ، لم يطلع العالم حقيقة على حجم الفجيعة والنكبة والخراب الذي أصاب هذا المكون البشري من دمار في العهد الصدامي . يأتي قرار المحكمة الجنائية العراقية العليا كاشفا لما لحقهم من عمليات الأبادة الجماعية والتهجير بأعتبارها  جريمة من جرائم الأبادة الجماعية التي نص عليها قانون المحكمة رقم 10 لسنة 2005 ، ومعززا لما اقره مجلس النواب العراقي وأكده مجلس الرئاسة في حينه بقراره المرقم ( 26 ) لسنة 2008 ، والمنشور بجريدة الوقائع العراقية بالعدد ( 4087 ) بتاريخ 22/9/2008 ، وإزاء هذا القرار الكاشف لجزء من المحنة أصدر مجلس الوزراء العراقي قراره المرقم ( 426 ) لسنة 2010 بتاريخ 8/12/2010 بأن يتعهد مجلس الوزراء بإزالة (كافة) الآثار السيئة التي نتجت عن القرارات الجائرة التي أصدرها النظام البائد بحق أبناء الشعب العراقي من الكورد الفيليين (كأسقاط الجنسية العراقية وسحبها ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة والحقوق المغتصبة الأخرى) . وأذ نجد ان هذا التعهد الملزم لمجلس الوزراء الجديد وهو يدشن مرحلته الجديدة في حكم العراق بادرة من الأمل والتطلع والالتزام بما ورد في التعهد ، وهو موقف وطني وتاريخي سيسجل للحكومة في هذا المجال .

 الا أن هذا التعهد بحاجة الى تفعيل ومتابعة ، فقد لحق بالكورد الفيليين حيف كبير أمتد الى اجيال  منهم ربما ولدت خارج العراق نتيجة رحلتهم في هذا الزمن الرديء ، وتشردهم وخسارتهم ذلك الالتصاق بالعراق أرضا وتراثا ، وبقيت قلوبهم وضمائرهم معلقة بالعراق  أينما رحلوا وكيفما حلوا ، ويقينا أن لهذا التعهد أبعاده الإنسانية التي نطمع ان نلمسها مترجمة وملموسة في أقرب فرصة . أن تشكيل لجان مختصة لتفعيل هذا التعهد بشكل سريع ، وإشعار مجلس النواب بمقترحات مشاريع القوانين الجديدة التي يتم إصدارها لأنصاف الفيليين ورفع الظلم عن كاهلهم ، والقرارات المستعجلة التي تصدرها الحكومة لتسهيل استعادة تلك الحقوق وإزالة جميع تلك المخلفات التي تراكمت بفعل النظام البائد . تفعيل هذا التعهد واختزال الزمن كفيلان بأن يخففا العديد من المظالم التي لحقت بالكورد الفيليين ، ويجعلهم مطمئنين الى الأجراءات التي تنصفهم وتعيد لهم حقوقهم بكرامة وبما يشعرهم بمكانتهم الحقيقية في العراق .

 وأمام مجلس الوزراء وعلى رأسه فخامة السيد نوري المالكي رئيس الوزراء فرصة ذهبية  لتحقيق تلك التعهدات والتمنيات العراقية الأصيلة التي تعيد للكورد الفيليين ثقتهم بالعراق الجديد ، عراق دولة القانون ، وعراق المحبة والتآخي ، العراق الموحد والأتحادي الحر والديمقراطي ، وأن تشعرهم بأن ماقدمه هذا المكون العراقي المناضل والأصيل من تضحيات جسام وجهود وطنية ومساهمة فعالة في الحركة السياسية وفي اسقاط النظام الصدامي البائد لم تذهب سدى فالعراق للجميع بغض النظر عن القومية أو الدين او المذهب او الجنس أو الأراء والمعتقدات . نتطلع الى قرارات سريعة تعيد لهم حقوقهم الأنسانية قبل المادية ، والمعنوية قبل المدنية ، فهم أكثر شرائح العراق بحاجة لهذه الوقفة الأنسانية المنصفة ، وأن يسجل التاريخ العراق لرئيس الوزراء تلك الوقفة التي وأن تأخرت الا اننا نستطيع أن نقول  بانها منصفة ووجدانية .

 

Back