أهلي أكراد فيلية

 

زهير كاظم عبود

 

من يستمع الى الملحن والمطرب الفنان جعفر حسن وهو يشدو بأغنية (( أهلي اكراد فيلية )) من كلمات الشاعر المبدع فالح حسون الدراجي ، يتلمس حجم وعمق المعاناة التي تغمر روح الكردي الفيلي ويتلمسها مشتركا معه العراقي العربي والتركماني والكلداني والاشوري .

 

من يتمعن في كلمات سطرتها أنامل الشاعر فالح حسون الدراجي تبرعمت داخل روحه وهو يشعر بتلك المعاناة لما عرف عنه من احساس وطني ومواقف مشرفة ، ولما يعرفه من تاريخ العراق الوطني الحديث والتصاقه بجزء من هذا التاريخ ، وهو العربي ابن العربي ، ليجسد تلك الروابط الأخوية المتينة وذلك الموقف الوطني الغيور على شعب العراق .

 

من تلك الكلمات التي أمتزجت بأبداع الفنان الكبير جعفر حسن تشعرك بالشموخ ، وتتلمس المعاني فتعيدك الى الجراح التي غارت في جسد الكرد الفيليين وامتزجت بدموع الأمهات التي لم يمسحها أحد حتى اليوم ، غير أن الأغنية تشكل لوحة من لوحات الضيم العراقي ، وصورة من صور محنة الشعب في زمن الطغيان ، تجعلك الأغنية تحلق في سماوات العراق تشارك ضيم السنين القاحلة تشعر بضيم الزمن المر .

 

من يريد ان يستعيد المأساة التي لم يعالجها أحد حتى اليوم تلك المعالجة التي تنسجم وتستقيم مع ما لحق الفيلية من اضرار وظلم وضيم ، بالرغم من كل المناشدات والمقالات والكتابات التي ناشدت العهد الجديد فليستمع للأغنية ، فلم يزل الكرد الفيليين يتلقون الوعود والمساندة الاعلامية والكلام المعسول من كل الجهات ، فتكدست تلك التمنيات والأحلام ، وتزاحمت تلك الوعود والكلمات ، الا انهم لم يقبضوا سوى تكرار لتلك الكلمات التي حفظوها ، ومع أن الواقع تغير ، فلم يتم الالتفات الى تلك الأعداد من الشباب التي غابت عن أعين الأباء والأمهات ولم يتعرف أحد على مصيرها وقبورها وأماكن دفنها ، لم يلتفت احد الى التجارب الكيمياوية التي جرت على شباب من ابناء الكرد الفيلية ، ولم يلتفت أحد الى تلك المنافي الصحراوية القاحلة التي أكلت من الفيليين المئات من الرجال ، ولم يلتفت احد الى تلك الأعداد التي تم تهجيرها تضللها سماء الله وارواحها الطاهرة وتم رميها خارج الحدود ، ولم يلتفت احد الى طرق الالغام التي عبرتها جموع الأكراد الفيلية .

 

لم يصور احد تلك المعاناة الأنسانية التي مرت بها تلك الشريحة المنكوبة ، ولم يسلط عليها الأعلام ، ولم تدون قصائد الشعراء ما مر بها سوى تلك الكلمات النابعة من الروح التي كتبها أبا حسون ، وهو يشعر ان اهله ليس فقط في مدينة الثورة ولا في العمارة والناصرية والموصل وهولير ، إنما يصطف مع الجموع التي لم تزل تنادي بأنصاف الفيلية مما لحقهم من ظلم وتهميش وتعسف .

 

جعفر حسن (( فنان الشعب )) الكبير بفنه وروائعه يجسد تلك المعاناة بلمسة فنية ممتزجة بموسيقى ساحرة تنبع من عمق الأرض التي تمسك الفيلية بجذورها ، واعطوها من نبع ارواحهم ما تستحق منهم ، وجعفر حسن الذي بدأ مشواره الفني مع تباشير ثورة 14 تموز 1958 ، ودخل معهد الفنون الجميلة / قسم الموسيقى متسلحا بذائقة فنية عالية بالأضافة الى خبرة اكتسبها من مدينته الطيبة خانقين مستمرا بالعطاء الفني الملتزم .

 

تتلمذ على يد موسيقيين كبار من أمثال منير بشيروغانم حداد وسالم حسين وجميل سليم وجميل جرجيس وكاك قادر من السليمانية ، مارس التمثيل اضافة الى الغناء ، ويعد قامة من قامات الفن العراقي بحق ، وهو من أبناء الكرد الفيلية .

 

اما الشاعر العراقي فالح حسون الدراجي فيكفيه تلك القصائد التي يتغزل بها بالشعب وبالفقراء الذين ينتمي لهم ، ويعد فالح من الشعراء العراقيين الكبار ، وقد امتزجت كلماته النابعة من دفق الروح حيث يعيش وسط محنة المظلومين ، ويتقدم الصفوف للعطاء للعراق وأهله الطيبين ، فيكتب بصدق وعفوية عن الوجع العراقي .

 

كلمات الأغنية التي تختزل محنة الكرد الفيلية وتصور مشاهد الأستلاب والممارسات الهمجية والمنافية لأبسط حقوق الأنسان ، وفي الوقت الذي شكلت الأغنية مدعاة للفخر والتباهي بالكرد الفيلية ، وبتاريخهم وعطائهم ومواقفهم التي سجلها التاريخ العراقي القديم والحديث بفخر ، فأن الأغنية وبكلمات الرائع جعفر حسن وشدو انغامه تجعلنا نرحل نستعيد همجية النظام المقبور ، والليالي المظلمة والموحشة التي مرت على البنات والأولاد وهم يرمقون دموع اهاليهم وهم يتوجهون نحو المجهول متسلحين بارواحهم وضمائرهم ، يقتاتون من حشاش الأرض ويحتمون بظهور بعضهم من ذئاب الليل .

 

تمعنوا وأنصتوا بمهابة الى اغنية الفنان جعفر حسن (( اهلي اكراد فيلية )) ، واستذكروا معي محنة تلك الشريحة المعطاء التي لم تستحق يوما الا التقدير والأعتزاز والأحترام .


 

http://www.akhbaar.org/docs/jaafar%20hassan%20ahli%20krad%20failiyah%201.m3u

أهلي أكراد فيلية – جعفر حسن

 

Back