الى متى يبقى الكورد الفيليون في مخيمات إيران؟

زهير كاظم عبود

ثمة صرخة تدخل الضمير وتجعل الإنسان يكرس جزء من إحساسه ليجد لها حلولا او وسائل تمهد الطريق للحل، ثمة صرخة تدخل الضمير فتشعل كل زوايا الروح، صرخات لايمكن لها أن تخفت او تموت، صرخات تطلقها الضمائر الحية.

الكورد الفيليين الذين قضوا أعمارهم في مخيمات اللجوء بإيران، مضى عليهم أكثر من ربع قرن وهم يسكنون تلك المخيمات، ويعيشون حالة لم تمر بها مجموعة بشرية قبل هذا الزمن، مجموعة بشرية منسية او تناساها الناس، لم تزل تعيش ضمن مخيمات اللجوء لا تتمتع بجنسية ولا بوثائق رسمية ولايحق لها ما يحق للبشر، جريمتهم الكبرى انهم  عراقيين من  أبناء الكورد الفيلية.

ولد لهم ابناء لم يمتلكوا أي وثيقة عراقية، ترعرعوا ضمن جوانب المخيمات وتحكمهم البطاقات التي تصدرها الحكومة الايرانية، ويمنع عليهم العمل والأمل، وتقيدهم التعليمات والضوابط الصارمة، وكانوا يعتقدون ان حكومات العراق  التي تعاقبت ستلتفت الى حالهم!! وكانوا يعتقدون انهم واقعة حية في ضمير الحكام والمسؤولين من اخوتهم في العراق، بحت اصواتهم وهم يصرخون لأسماع  اخوتهم لانقاذهم من الوضع الذي اكل اعمارهم وسمم حياتهم والغى مستقبلهم .

الكورد الفيليين المهجرين في ايران لا يملكون مستمسكات عراقية تثبت مواطنتهم، فقد تم تجريدهم من كل شيء، ولم تسمح لهم السلطات العراقية البعثية ان ياخذوا معهم اموالهم ومخشلاتهم ومدخراتهم ووثائقهم، ولم يلقوا المساعدة التي تليق بمحنتهم، لم يلمسوا عمليا كل تلك الوعود والتصريحات الاعلامية التي ضجت بها الصحافة والاعلام، غير انهم عاشوا في الخيام ولم يزلوا، يعيشون تحت خط الفقر والضيم، الظروف التي تلف حياتهم لايمكن  لبشر أن يتحملها .

ثمة صرخة لأصحاب الضمائر الحية ممن يريد أن يتلمس وجع العراق ومحنة العراق، مجموعة من العراقيين أخوتنا وأهلنا وأولادنا من أهل العراق يعيشون ضمن مخيمات محددة في ايران منذ تسفيرهم ورميهم على الحدود.

هؤلاء لا يطالبون بحقوقهم المادية والمعنوية، ولا يطالبون بمساواتهم مع اخوتهم العراقيين في الدستور، يطالبون انقاذهم مع الضيم الذي اكل اعمارهم لم يتم تنفيذ وعود المسؤولين في الحكومة العراقية باعادتهم الى العراق وتوفير ما يحفظ كراماتهم والحد الادنى من حقوقهم، وانهاء معاناتهم مع مخيمات اللجوء والاوضاع المزرية التي يعيشها جيل من شبابهم وشاباتهم لم تكتحل عيونهم برؤية وطنهم العراق.

اعداد الكورد الفيليين في مخيمات اللجوء تتزايد مع تصاعد الضيم الذي حل بهم  ومع عدد السنين التي مضت عليهم، ولا حل سريع ينهي معاناتهم، ولا خطط مستعجلة تضع حلولا لقضيتهم، ولا التفاتة من صاحب ضمير يهتز وجدانه ويسأل نفسه أن حقا هؤلاء من ابناء العراق؟

كثرت الوعود والعهود، وتعددت الجهات التي تعرف باوضاع اخوتنا في مخيمات إيران من الكورد الفيليين، والغرابة ان لا استجابة لأوضاعهم بعد ان تناستهم الحكومة، ومع ان وعدا أطلقه دولة رئيس الوزراء نوري المالكي حول معالجة قضاياهم خلال الفترة التي تلت هذا الوعد، لم يجد هؤلاء غير ان يذكروا رئيس الوزراء بعدم معالجة قضية وثائقهم الرسمية، وبعدم شمولهم بالبطاقة التموينية، وبعدم تطبيق نصوص الدستور العراقي الذي ينص على مساواة العراقيين امام القانون دون تمييز، وبانهم محرومين من تلك الحقوق دون وجه حق، وبأن وعده بحاجة الى تفعيل .

المطالبة بحل سريع لقضية المنسيين في مخيمات إيران من أبناء الفيليين ليس منه من احد ولا موقفا يمكن ان نقدم له الشكر والتقدير، بل هي مطالبة انسانية ووطنية ملحة، وهو موقف ينم عن ضمير صاف وشجاع في معالجة قضاياهم، واستجابة سريعة لحل قضية وثائقهم الثبوتية وهم اكثر العراقيين استحقاقا لهذه الوثائق، وهم أكثر أهل العراق عطاءا لما صار اليه حال العراق ، وهم اكثر اهل العراق تضحية ومواقف مشرفة لمقارعة السلطات الدكتاتورية، فلا تزيدوا ضيمهم ووضعهم المزري والذليل، أزيحوا عن كاهلهم شبح الموت في جوار المخيمات الغريبة، فقد امتلأت منهم المقابر الغريبة، وطفح الكيل وزاد عن حدوده، فهل يعقل ان يكون هؤلاء ابناء العراق ويمضى عليهم اكثر من ربع قرن على هذا الحال؟ وهل يعقل ان تستمر معاناتهم مثلما ارادها صدام؟

نستصرخ الضمائر الغافية او التي انشغلت بهموم السلطة ومشاغل الحكم وموجبات المناصب، ونستصرخ الجميع بان يعيدوا الحق الى نصابه ، فثمة بشر لايستحقون منا هذا الاجحاف والنسيان، وثمة مجموعات انسانية مجردة من الجنسية سلبها صدام كل ما يشير الى هويتها وكلنا نعرف هويتها ووطنيتها وحقوقها في العراق، وثمة مجموعة من مكونات العراق الأصيلة متمسكة بالأباء والشهامة رغم عاديات الزمن المر.

اللاجئين في مخيمات ايران (مخيم ازنا ومخيم جهرم ومخيمات جنوب ايران) صورة بائسة ووضع مأساوي لا يريدون منحة من احد، ولا صدقة من جهة سياسية، عراقيتهم النابتة في ضمائرهم وحدها من تدلل على اصالتهم ومواقفهم التي ما غيرتها سنوات القهر والحرمان ونسيانهم من كل الاطراف التي كانت تعارض صدام وصارت اليوم في سدة السلطة.

لقد شبعوا من المؤتمرات والوفود التي باتت تتفرج عليهم وتتأسى على اوضاعهم ، وشبعوا حد التخمة من الوعود والتصريحات الاعلامية التي لم تلغي خيمة واحدة من خيامهم في معسكرات اللجوء التي انتهت حياة العديد منهم داخلها او بجانبها، ولم يقبضوا شيء من التباكي على حالهم واحوالهم، وتعددت مواسم الشتاء القاسية في مناطقهم  دون نفط وهم اهل النفط، ولم تزل عيونهم تنتظر من يعيد لهم جزء من حقوقهم العراقية المسلوبة، وتسوية اوضاعهم القانونية وفق ما نص عليه الدستور وقررته القوانين وما ستقرره لهم من حقوق لاحقة.

Back