الكورد الفيليين .. جرح غائر لابد إن يندمل

 

 فوزي الاتروشي
  وكيل وزارة الثقافة
 

للكورد الفيليين معاناة متعددة الأوجه , وجرح غائر لايكاد يندمل إلا لكي يشعل الذاكرة إتقاداً مرة تلو الأخرى.

هم كانوا ومازالوا فئة منجزة ومتحملة وفاعلة في كل ميادين العمل والإبداع في العراق. وفي نفس الوقت فئة منسية ومهملة ومنتزعة عن أرضها ومن حقوقها الإنسانية عنوة وبقرار صادر من النظام البائد مع سبق الإصرار والترصد.

 

فلأنهم كورد استهدفهم النظام واقتلعهم الدكتاتور بسادية منقطعة النظير دون إن يترك لهم الحق في حمل أي جزء من مالهم وحلالهم ومنع عنهم الجنسية العراقية ليلغي انتمائهم إلى ارض تشبعت بعرق جبينهم وبطبع أصابعهم ووقع أرجلهم وبعواطفهم الحارة حرارة بغداد والمدن الجنوبية العراقية .

 

لذلك واجه الكوردي الفيلي جريمة مركبة مؤلفة من الترحيل والتسفير البشع إلى الحدود الإيرانية وفي المسافة إلى الحدود كان القتل والتعذيب والاهانة نصيب غالبيتهم العظمى .

وفي عام 1981 أعلنت جريدة ((الثورة)) على لسان الدكتاتور إن الكورد الفيليين ((اجتثوا من ارض العراق ,لكي لايدنسوا تربة العراق وهواء العراق ودم العراق )) .

وهذه طريقة في الكلام لاتليق الابحزب البعث الذي تحول منذ بداياته إلى حزب بلا ضمير وبلا مبادئ وبلا أخلاقيات إنسانية . انه حزب لم يخرج أصلا" من رحم ارض العراق ولم يستطع غير ابتكار جرائم جديدة وطرق تعذيب تنسجم مع ساديته والأدبيات والوثائق العراقية لعام 1963 وبعد عام 1968 ولغاية سقوطه تثبت انه منسلخ عن تراث البشرية المتحضرة.

 

طبعا" كلام الدكتاتور ذهب مع الريح وسقط صنمه في ساحة الفردوس وكل الذين رقصوا للدكتاتور وغنوا وصفقوا وكتبوا له وحاولوا اختزال العراق كله في شخصه سقطوا معه في هاوية النسيان ومستنقع التاريخ.

إما الإنسان العراقي الأصيل ومنهم الأكراد الفيليون والحركة الوطنية العراقية والنضال التحرري في كردستان العراق فلهم الحق في تسجيل انتصارهم التاريخي مثلما لهم الحق في إن يمنعوا حزب البعث الصدامي العنصري البغيض من تسلق سدة الحكم مرة أخرى .

عاد الكردي الفيلي إلى وطنه متمسكا" بانتمائه وعاد يصب عرق الجبين من اجل عيش رغيد وحياة كريمة واسترجع أوراق جنسيته التي يعتز بها وفرحت شوارع وإحياء بغداد والمدن الأخرى إذ لامست أجسادهم التي تكد ولا تتعب وتعطي ولا تبخل وتبدع دون انقطاع .

 

إما الدكتاتور وحزبه ومن معه الذين دنسوا ارض العراق وهوائه وتربته فقد لفظتهم حتى الذاكرة التي تأبى إن تكون مشحونة بمرارتهم وبشاعتهم وجرائمهم ,لان الإنسان العراقي غير متفرغ لتذكار من لايستحق إن يركن في الذاكرة فأذ أزف موعد رحيلهم فان موعد عودتهم محال .

 

يوم 1/10/2011 فاضت كلمات الحب والمودة لشريحة عراقية استعادت وهجها وعلامات الصحة والعافية في العراق الجديد رغم كل الأهوال التي لحقت بها.

ولكن الكل اجمع على إن الكورد الفيلين بحاجة إلى وحدة صوت ووحدة كلمة لردم أثار الماضي وجراحاته والانطلاق إلى أفاق خضراء ضمن الحركة الكردية والحركة الوطنية العراقية .

 

إن المؤتمر العام للكرد الفيليين والمؤسسات والأحزاب مثل مؤسسة ((شفق)) الثقافية وغيرها من الفاعليات المعنية بالكورد الفيليين مطالبة بان تجسد حضورها القوي .

إن قرار المحكمة الجنائية باعتبار جريمة ترحيل الكورد الفيلية ((جينوسايد))وإبادة جماعية لابد إن يستثمر وطنيا" لجهة إبداء المزيد من الرعاية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للكورد الفيليين ودوليا" لجهة مضاعفة الأدلة الدامغة على إن النظام البائد كان ينفذ مشروعه الاستراتيجي البغيض لإنهاء وجود الشعب الكردي بكل فئاته وحيثما تواجد .

 

بقلب عامر بالحب تجاه هذه الشريحة الكردية العراقية أقول إن عذاباتكم كانت طويلة وجراحاتكم كانت عميقة ومعاناتكم كانت منقطعة النظير .فليكن عملكم ونشاطكم وتطلعاتكم ووحدتكم مضاعفة وكفيله بردم الماضي وتحسين الحاضر .

 

Back