الكورد الفيلية متمدنون حتى في وثبتهم

قيس قره داغي

مضى دهر طويل والكورد الفيلية الشرفاء نصيبهم من وطنهم العراق ليس سوى الهم والمزيد من القهر والمهانة لا لذنب ارتكبوه الا لانهم خلقوا كوردا عاشوا منذ الاف السنين في هذا الوطن الذي يسمى العراق وتأريخهم في موطنهم الاصلي هذا مزيج من الحضارة والانسانية والتفاني والمدنية بابهى معانيها ، حيث معروف ان الكوردي الفيلي اعتاد على ان يأكل من كده وعرق جبينه وشغله الشاغل العمل الحر الجاد وعدم الأتكال على الآخر مهما كان شأن هذا الآخر ، والعيش بكرامة ولهذا تركوا بصماتهم واضحة في اهم سوق تجاري في العراق الا وهو سوق الشورجة في قلب العاصمة العراقية ، وتأسيسهم لغرفة تجارة بغداد يوم لم تكن مثل هذه الامور موجودة لا في العراق ولا في عموم الشرق ، وربما كانت هذه المزايا دافعا لبعض النفوس الضعيفة كي يتحامل عليهم من موقع الحسد والغيرة ، وميزة العمل لدى الفيلية مضرب المثل لدى العراقيين منذ قديم الزمان وقد ساعدهم على التفوق في هذه الميزة قوتهم الجسدية التي لو كانت لدى غيرهم لاستخدمها اسوء استخدام في الاعتداء على الضعيف والسطو على ممتلكاته ، يذكرني طريفة حول الموضوع يعود تأريخه الى اكثر من قرن لها علاقة بالقوة العضلية لاخوتنا الكورد الفيلية حيث دوَنها الشيخ محمد الخال وهو موسوعي كوردي معروف في سيرة العلامة محمد فيضي الزهاوي ( والد الشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي ) و ( جميل صدقي ) اسم مركب لمن لا يعرف ، حيث اصبح هذا العلامة الجليل مفتي بغداد الاول لمدة 36 سنة على الدوام في عهد الوالي داود باشا وولاة آخرين في بغداد ، وقد كان نابغة في الادب والنحو العربي وهو المولود في قصبة سربيل زهاو في شرق كوردستان ، وقد كان بابه مفتوحا للكورد الفيلية في بغداد يزوره التاجر كما يزوره الحمال لا يفرق بين هذا وذاك ومنزلته تأتي بعد منزلة الولي مباشرة ، قصده احد الحمالين من الكورد الفيلية ذات يوم وشكا له آخرا يلاحقه دوما بالقول : لولا الاكراد لهلك الحمير في مدينة بغداد ، فما كان من المفتي الكبير ان رد بسرعة قائلا ، قل له : نعم .. نعم صدقوا لولانا لهلكوا ) وفي اليوم الثاني ذهب الرجل الى حيث سوق الشورجة ووجد المشاكس امامه يعيد على سمعه نفس العبارة , فاجابه الفيلي بالجملة التي رددها الزهاوي قائلا : نعم .. نعم صدقوا لولانا لهلكتم ، فكف الرجل من ملاحقة صاحبنا ، والشئ بالشئ يذكر ما دمنا بذكر الزهاوي الاب فلا بد ان نعرج الى قصته مع الوالي داود باشا عندما كان جالسا معه في الديوان يتوسطهما وسادة كبيرة محشوة بريش الطيور على عادة اهل ذلك الزمان ، وكان احد رؤساء الفيلية من منطقة بشتكوه على الارجح اسمه حسين قلي خان قد دخل وبدأ يشكوا من احوال العشيرة بلغة تركية مكسرة أثار بها حفيظة الوالي وبعد خروجه قال داود باشا موجها كلامه الى جليسه المفتي الزهاوي قائلا ، بربك ما الفرق بين الحمير والاكراد يا مفتي افندي ؟ فسارعه المفتي بجواب افقد الاول صوابه وطفق الزهاوي خارجا من الديوان بعد ذلك ، فقال ، الفرق هذه الوسادة يا باشا !!!! فندم داود باشا بعد ما ادرك ان صاحبه المفتي كوردي دون يعرف به طياة صداقتهما معا فأخذ يكتب له الرسالة تلو الرسالة يعتذر فيها عما بدر منه ولم يتلقى ردا الا بعد مضي ستة أشهر فذيل الزهاوي عجز من بيت شعري : لا ارى القرد ولا القرد يراني ، ولكن الوالي ادرك ان سمعته لاتستقيم الا باعادة المياه الى مجاريها فذهب بنفسه الى الزهاوي محمد فيضي ووطيب خاطره بعد ان دعى وجوه الكورد الفيلية في بغداد الى مأدبة خاصة على شرف الزهاوي الكبير .

تراث بغداد يحمل في طياته الكثير من هذه الحكايات والنوادر الطريفة المتعلقة بالكورد الفيلية ما يؤكد اصالة هذه الشريحة ذات الجذور العميقة في الارض العراقية ، ولكن قدر هذه الشريحة ونصيبهم من الوطن الذي قدموا له الغالي والنفيس كان التشرد الذي اصبح عنوانا لمأساتهم المتكررة في كل موسم سياسي جديد ، وقد تصورنا ان عهد صدام كان اسوء العهود لهم عندما حاربهم وفق سياسة الجينوسايد ( الابادة الجماعية ) وشرد نصف مليون انسان منهم الى ايران بحجة التبعية الايرانية التي لا اساس لها ولا صحة ، وحقيقة الامر ان صدام اراد ان يمنح الموالين له عقارات وممتلكات الكورد الفيلية وما اكثر تلك العقارات الثمينة في قلب بغداد والاحياء الراقية من بغداد وبقية مدن العراق اقتنوها و بنوها بمالهم الحلال الذي كسبوه من تجارة نظيفة ، نفس الشئ طبق مع ممتلكات اليهود التي اصبحت ممتلكات الدولة بعد تسفير اليهود العراقيين الى اسرائيل على وجبتين عام 1949 وعام 1951 لدعم دولة اسرائيل وتقويتها ، حيث قام المقبور خير الله طلفاح خال الدكتاتور ووالد ساجدة زوجة صدام عندما كان محافظا لبغداد بنشر اعلان لبيع البساتين العامرة في بغداد وجوارها والعائدة لميسوري اليهود في المزاد ( العلني ) ، وقد دخل لعبة المزاد بنفسه دون ان يكون هنالك منافس آخر وقام بشراء البساتين تلك بخمسة فلوس ( فقط لا غيرها ) للمتر المربع الواحد ، في الوقت الذي يقدر سعر البساتين تلك بالمليارات لوقوعها في مواقع مهمة في العاصمة ، اما دور وممتلكات الكورد الفيلية فقد تم اهدائها الى المتزلفين والمنافقين دون مقابل بعد ان تم اتلاف كافة المستمسكات الثبوتية لاصحابها المسفرين الى خارج الحدود ، وحتى بعد عودتهم بعد القضاء على النظام السابق لم تسوى قضية عائدات تلك الدور لانها قد تعرضت الى تعقيدات بعد ان ايقن الاشخاص الذين استلموا تلك الهدايا ان انهم لا يتمتعون بها الى ما لا نهاية فقاموا ببيعها الى الاخرين لتصبح مشكلة عويصة تعجز حتى المحاكم من حلها لعدم وجود قوانين جديدة في العراق الجديد تلغي تلك التي سنها صدام حسين وفق اهوائه ومزاجه في لحظة مزاج عكر ، ولكن يبقى ان نقول ان صدام لم يقل بفارسية هؤلاء بل قال انهم ايرانيون وايران كما نعلم بلد يعيش فيه خمسة قوميات رئسية لا تشكل القومية الفارسية الاغلبية بين تلك القوميات رغم سيطرتها على مقدرات الآخرين منذ القدم ولحد الان ، في حين فاق همام ما ذهب اليه صدام بان عدهم من الفرس وهو يعرف بانهم كورد ولكنه يريد ان يتستر بهم كحصان طروادة كي يتسنى لهم تثبيت الفرس كقومية رئيسية من قوميات العراق وذلك نزولا لرغبة من رسم له خارطة طريق استنساخ نظام ايران الاسلامي في العراق وهذا اول المشوار ، ولكن الرجل رسب في بداية الطريق بعد ان وقف الكورد الفيلية ومعهم كافة مثقفي العراق عربا وكوردا بالمرصاد واعلنوا انتفاضة الكورد الفيلية ، انتفاضة متمدنة لاغوغاء فيها ولا اسالة دماء ، انتفاضة موادها الاولية القلم والقرطاس والكلمة الطيبة والصادقة التي سوف تحفر الواقعة هذه في جسم التاريخ نفسه ، انتفاضة ارضها صفحات الجرائد ومواقع الانترنيت واروقة النوادي والجمعيات ، ليقولوا لمن يريد تشويه التأريخ ، لا مجال للتزوير في زمن الانترنيت والثورة المعلوماتية ، قالوا ، لسنا من بدوا الفرس ولا عربا نحن ، اننا كورد ومن اجله شردنا ونبقى كذلك الى يوم الدين .