الكودر الفيلية ليسوا في مهب الريح .الجزء الاول. - صفوت جلال الجباري


[12-11-2005]

 يقول المثل ( الثمرة الناضجة هي التي تتلقى الحجارة)) وهو ينطبق تماماعلى الكورد شعبا وقيادات سياسية, فكلما خطت مسيرة النضال الكوردي الظافرة خطوات الى الامام كلما ازدادت استهدافا من الاعداء, وازدادت شراسة المغرضين والطامعين في الكورد شعبا وارضا , فلا يمر يوم الا وتطالعنا صفحات الانترنيت وابواقها المشبوهة بادعائات جوفاء فارغة, تحاول يائسة وبائسة النيل من هامة الكورد التي ترتفع يوما بعد يوم متحدية ارهاصات الاقزام واشباه الرجال واشباه الكتاب والذين بمختلف الوانهم ومقاصدهم باتوا يموتون كل يوم بل وكل ساعة غيضا وكمدا وهم يجدون ان نضالات الكورد بدأت تثمر وتجربتهم في الحكم صارت تكبر واستحصال حقوقهم المشروعة اصبحت قريبة المنال.......
وها ان احد هؤلاء الافاكين المعروفين لدينا والذي سمى نفسه (طالب العسل) ينبري بدّس سمومه في عسله متصورا أ ن الآخرين بالبساطة التي يمكن ان يرتشفوه جرعة واحدة بلا تروي و تمحيص وتفكير ....
صاحبنا وامثاله ممن يبحثون عن ثغرات في الوضع والاداء الكوردي, تصور بانه قد اكتشف شرخا يمكن ان ينفذ منه الى النسيج الكوردي الرصين وتوهم ان هذا الشرخ هو الشريحةالفيلية,و ان البنيان الكوردي بالهشاشة التي يمكن لهكذا اطروحات ساذجة ان تنال منه, ناسيا او الاصح متناسيا ان علاقة الفيلية باخوتهم الكورد هي كعلاقة النور بالضياء وعلاقة الصوت بالصدى,الفيلي هو كوردي وكوردي اصيل ,و قد كان كرديا قبل ان يدخل الاسلام وقبل ان يعلن التشّيع بل وقبل ان يرضع حليب الام........واجدادهم الكورد هم الذين اختاروا الاسلام دينا و اختاروا مذهب آل البيت عنوانا ..... بينما اختار اخوتهم الكورد الآخرين الاسلام دينا والسنة مذهبا ...حالهم حال كل الاقوام والشعوب الكبيرة الاخرى .....فلماذا التركيز اليوم على مذهب الكورد الفيلية دون غيرهم من الناس ومحاولة تجريده من قوميته واصله وتأريخه, فطبيعي ان يكون لكل من يؤمن بدينه دينا معينا ولكل دين مذاهب وفروع, ولكن قبل هذا وذاك فان لكل انسان قومية انتمى اليها ولغة تكلم بها قبل ان ينتمي الى اي شئ آخر, وكل مكتسبات الانسان الحياتية قابلة للتغير والتحول وللانسان كل الخيار في ذلك ولكن القومية واللسان هو ذلك الجزء من الانسان الذي لا يمكن له ان يكون مختارا فيهما فهو كينونته و قدره وهويته الغير قابلة للتبديل والتزوير.....
يقول هذا الدعي في جانب من مقاله المسموم (اي طموح واية علاقة بين الفيلية سكنة الجنوب والوسط وبين ما يسمى كردستان خصوصا هي في طريقها الى الانفصال)
قبل ان ابدأ بشرح تلك العلاقة بين الفيلية وبين كوردستان اود ان ابين له ولامثاله الشوفينيين والحاقدين المرضى ان كوردستان هو موطن الكورد وهو موجود قبل ان يوجد ما سمي بالعراق, وان من يعترف بوجود الكورد عليه ان يعرف ان لهذا الشعب ارضا عاش عليها وتطور وسيعيش عليه الى يوم الدين , فكوردستان اذن هو ارض الكورد, وحتى هؤلاء الذين لا يقرون بوجود الكورد الآن فسوف يجبرون صاغرين اذلاء غدا او بعد غد ان يعترفوا بمنطق التأريخ والعصر او ان يتخلوا عن احلامهم الوردية وآمالهم في الانتماء يوما الى الحضارة والرقي , ويكفوا عن دق ابواب الاتحاد الاوروبي وبالتالي سينتهون غرباءا من هذه المنطقة ومن العالم وسيرجعون الى اصولهم الهمجية في مجاهل وسهول اسيا الوسطى , ومن يغتا ض من لفظة كوردستان عليه ان يعّود نفسه عليها منذ الآن ,فالكوردي في العراق مواطن من الدرجة الاولى حاله حال الآخرين, اذا لم يزدّهم فضلا بنضالاته وتضحياته الجسام فهو بكل تأكيد لا يقل عن ذلك, وان ابناء كوردستان وقادته هم من سيديرون دفة رئاسة الجمهورية او رئاسة الوزارة او الوزارات السيادية كونهم شركاء وبناة حقيقيين لهذا الوطن .

اما ادعائك ان كوردستان في( طريقها) الى الانفصال, فنحن ككورد لم نسمع من القيادات السياسية لحد الآن اية معالم لهذا الطريق المزعوم ولو انه حلم وامنية طبيعية ومشروعة لكل شعب والكورد ليسوا باقل من غيرهم في التمتع بهذا الحق والمحاولة لتحقيقه اذا ما تطلبت الظروف ذلك وسمحت بها,وانا شخصيا اتمنى ان تدلني على هذا الطريق لاسلكه حتى اعيش بعيدا عنك وعن امثالك الحاقدين والى الابد,ولكن القيادات تصر على الاتحاد الاختياري مع باقي مكونات الشعب العراقي بشرط احترام خصوصية الشعب الكوردي وحقه في اختيار نمط حياته , اما اذا ما تعرض هذا الحق الى الانتهاك او تم فرض نظام حكم ديني مستبد كالنظام الايراني او الافغاني السابق بعيدا عن روح العصر ومتطلباته, او اذا ما انفصل باقي مكونات الشعب العراقي من السنة والشيعة عن بعضهما نتيجة حرب اهلية, فمن المنطقي ان يشمل هكذا تغيير الكورد ايضا لانه المكون الآخر في العراق, و الاّ مع من سيبقى متحدا آنذاك!!!! وفي هذه الحالة تأكد ان الكورد لن يتخلوا ولو من شبر واحد من ارض كوردستان ولا عن اي كوردي في اية بقعة من العراق وسيعرفون كيف يلّمون شمل شعبهم وابناءهم اينما كانوا, اما اذا بقي العراق موحدا ( وهذا الحل الممكن والواقعي وهو ما تسعى اليه القيادات السياسية الكوردية فعلا وعلى ارض الواقع) ففي عراق ديمقراطي فيدرالي موحد, لن يضيع حق اية شريحة او فرد اينما كان يعيش في العراق , وان احدى اهداف تشكيل الحزب الكوردي الفيلي العراقي وبقية التنظيمات الكوردية الفيلية هو الدفاع عن هذه الشريحة وايجاد الآليات السياسية الملائمة للتمتع بحقوقها كاملة و غير منقوصة مهما كانت الظروف والمتغيرات واستنادا الى عمقها القومي في كوردستان , اي التوفيق بين تمتع الشريحة الفيلية بكامل حقوقها من جهة وتواصلها القومي والتراثي والروحي مع شعبها الكوردي في كوردستان من جهو اخرى,واغناء تجربتها النضالية وتفاعلها الحي مع اصلها الكوردي كونها رافد مهم وحيوي من روافد الحركة التحررية والديمقراطية لشعب كوردستان, وكما كانت على مرّ العصور والدهور ...
والآن ناتي الى صلب الموضوع.... وهو علاقة الفيلية بكوردستان,ان الفيلية هم احد المكونات القومية الرئيسية الثلاث للشعب الكوردي , ولهم خصوصيتهم اللهجوية (اللّرية ) والمذهبية الشيعية حالهم حال الكورد (السوران) و(الكرمانج) السّنيتين,وموطنهم امتداد لمناطق سوران نزولا الى جنوب غرب ايران وجنوب شرق العراق, وانا هنا لست بصدد التوغل في الماضي السحيق والخوض في غمار الامبراطوريات والامارات التي شكلتها اجداد الكورد الفيلية في الماضي البعيد, ولكني اختصر دورهم في النضال الكوردي المعاصر اي في القرن الماضي فقط, والتي كانت البداية الحقيقية لنشوء مشكلتهم وتطورها الدراماتيكي مؤديا في النهاية الى حرمانهم من حقوقهم القومية والوطنية واصبحوا لاجئين ومشتتيين في كل اصقاع الارض مع كل ما رافق ذلك من عذابات ظلم وقهر لم تشهد لها اية طائفة او قومية في العراق لها مثيلا في الشدّة القسوة , ومشكلتهم بدأت مع رسم خط الحدود بين العراق وايران عام 1913 ابان الحرب العالمية الاولى واثناء تنفيذ مخططات تقسيم اشلاء الدولة العثمانية, ومعها بدأت ايضا مأساة الكورد بمختلف اطيافه وشرائحه , فلو لم تتنكر وتتراجع الدول العظمى عن التزاماتها في المعاهدات الدولية المبرمة , ولم تسلم مصير شعوب المنطقة وعلى رأسهم الكورد بايدي ذئاب المنطقة من الفرس والترك والعرب لكان الامر مختلفا تماما,ومع ذلك فأن الكورد وفي كل اجزاءه المقسمة بين الدول التي اقيمت بعد الحرب العالمية الاولى في نضال بطولي وصراع لم تخلو من ابشع الوسائل ضدّهم في حملات الابادة والقتل, ولكن حبهم للحرية ابقى جذوة نضالهم مستعرا ومستمرا ولغاية يومنا هذا,و لم يثنه او يفتل من عضده المصاعب والملمات بشرية كانت او جغرافية او حتى اختلال موازين القوى والامكانيات....والحكومات العراقية المتعاقبة لم تتعامل مع حالة الكورد الفيلية الذين كانوا ضحايا ترسيم الحدود وانشاء الدولة العراقية , كما تعاملت مع الآخرين من العراقيين من التبعية العثمانية او من العشائر العربية التي كانت ولا تزال تحمل الجنسية المزدوجة في وسط وغرب العراق والسبب كان لانهم كورد, والكورد بمجملهم كانوا مظلومين ومضطهدين .

ورغم معانات ومآسي الكورد الفيليين فانهم لم يتخلفوا عن المسيرة الكفاحية لشعبهم الكوردي, و هم من اثبتوا ان حاجز الجغرافية والبعد عن كوردستان لم ولن يثنيهم عن التواصل مع شعبهم وابناء جلدتهم و وطنهم كوردستان,ولذلك لم يشاركوا فقط كاعضاء هامشيين في الاحزاب الكوردية التي رفعت ولا تزال ترفع لواء التحرر القومي بل هم من اسسوها مستندين الى الطبقة المتنورة والمثقفةمن كورد المدن و بالذات العاصمة بغداد مركز الدولة العراقية وثقلها السياسي والحضاري و الذين استفادوا من تجربتهم الغنية في ادارة بل وتأسيس الدولة العراقية الحديثة,وقد ساهم الدكتور جعفر محمد كريم مع قلة من مثقفي الكورد في متنصف الاربعينيات من القرن الماضي في تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردي والذي تحول اسمه فيما بعد الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني ليسجل نقلة نوعية في تنظيم نضالات الكورد نحو تحقيق اهدافهم المشروعة . الحزب الذي حمل وبشرف ولا يزال مشعل النضال التحرري الكوردي ( الكوردايه تي) وباساليب حضارية متقدمة قياسا الى الظرف التأريخي الذي ولد فيه الحزب , وهو يعتبر الحزب الام لكافة التنظيمات والاحزاب التي رفدت الساحة النضالية الكوردية والى يومنا هذا,ومع بدء نضال الحزب انضّم العشرات بل المئات والآلاف من الكورد الفيلية الى صفوف الحزب ولم تمنعهم البعد من كوردستان عن كورد ستان جغرافيا او اختلاف اللهجة والمذهب من الانتماء الحقيقي لقضية شعبهم ومشاطرتهم معاناته وآلامه وآماله ايضا, فكانت الاموال والانفس والجهود المضنية تتدفق من كل بيت وحي وزقاق ومدينة كان يعيش فيها الكورد الفيليين,واستطاعت الشريحة ان ترفد الحركة بمناضلين ومناضلات احتلوا وبكل جدارة المواقع الامامية والقيادية في الحركة التحررية الكوردية من امثال الاستاذ حبيب محمد كريم( السكرتير العام للحزب الديمقراطي الكوردستاني), يد الله كريم( عضو اللجنة المركزية للحزب) , الدكتورة زكية حقي اسماعيل( رئيسة اتحاد نساء كوردستان), محمد برزو( عضو اللجنة المركزية), عادل مراد( رئيس اتحاد طلبة كوردستان),عبد الرزاق فيلي( رئيس اتحاد الشبيبة الكوردستاني), والمئات من الكوادر المتقدمة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاحزاب الكوردستانية التي تشكلت بعدئذ.
ان محاولة فصل الكورد الفيليين عن كوردستان هو محاولة خبيثة القصد منها ليس النيل من الكورد الفيليين فحسب بل و التنكر ايضا لتأريخ ونضال الشعب الكوردي قاطبة والذي يشكل فيه الكورد الفيليين حجر الاساس,واستطيع القول جازما ان باقي شرائح الكورد داخل كوردستان كانوا يستمدّون عزمهم واصرارهم على مواصلة النضال واجتياز كل العقبات , من اصرار الكورد الفيلية في الوسط والجنوب على كسر طوق الجغرافية والحصار الذي كان مفروضا عليهم وعلى الحركة الكوردية,وكان الكورد الفيلية بيتدعون الف وسيلة ووسيلة لايصال الرجال والاموال اليها وفي ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد .
ان تحليل الحزب الكوردي الفيلي واستنادا الى التجربة التأريخية صائب ودقيق تماما, من ان اية ضعف او انتكاسة اذا ما اصا بت الحركة الكوردية فانها تنعكس وبشكل مباشر على كيان بل ووجود الشريحة الفيلية, وان الحركة النضالية للكورد الفيلية لا يمكن ان نتفصل عن مجمل نضالات الحركة الكوردية ومكا جاء في بيانه الى اعضاءه(إن موقف الحزب بالتصويت للقائمة الكوردستانية وحث أعضاءه وأصدقائه وجماهيرالشريحةالفيلية،يأتي إنسجاما مع سياسته المبدئية في الدفاع عن قضية شعبنا الكوردي العادلة ودعم النظام الديمقراطي الفيدرالي التعددي، وإعتبار مظلومية الشريحة الفيلية هي جزء لا يتجزأ من قضية الشعب الكوردي ككل،وكذلك من فهمه بأن طموحات الشريحة الفيلية لا يمكنها أن تتحقق بالكامل ما لم يكن لديها الدعم من قبل القائمة الكوردستانية).......

والى اللقاء في الجزء الثاني
صفوت جلال الجباري
safwatjalal@hotmail.com