الفيليون: أصالة و عَراقة و هموم و آمال (2) د. مهدي كاكه يي- 02/01/2007 1. الإمبراطورية الميدية
أ. أصل الميديين و تأريخهم المانيون هم أحد الشعوب القديمة التي إستوطنت أذربيجان الإيرانية الحالية في الفترة مابين القرن العاشر قبل الميلاد و القرن السابع قبل الميلاد و قد ورد ذكرهم في العهد القديم في الكتاب المقدس. كان المانييون مجاورين للآشوريين ودولة أرارات. لم يكونوا من الشعوب الهندو - أوربية ولم يكونوا خاضعين لسيطرة الإمبراطوريات المجاورة.
إستنادا الى العهد القديم من الكتاب المقدس، فأن الميديين ينحدرون من سلالة يافث إبن نوح. الميديون هم شعوب آرية (هندو- أوربية)، كانوا يتكلمون اللغة الهندو- أوربية. هاجرت هذه الشعوب من شرقي البحر الأسود في بداية الالف الثانية قبل الميلاد إلى المناطق الممتدة من كوردستان الى الهند، وإن كان نزوحهم للهند مؤرخ بنحو 1600 قبل الميلاد. الميديون كانوا يقطنون في إقليم بخار وسمرقند، وإنهم توغلوا منه نحو الجنوب شيئاً فشيئاً حتـى وصلوا الى كوردستان الحالية، فوجدوا النحاس والحديد والرصاص والذهب والفضة والرخام والحجارة الكريمة في الجبال التي إتخذوها موطناً جديداً لهم. ولما كانوا قوماً أشداء بسطاء في معيشتهم فقد أخذوا يفلحون أرض السهول وسفوح التلال وعاشوا فيها عيشة رخية. إن أول ذكر للميديين في السجلات الآشورية كان أيام الملك الآشوري "شلمنصر الثالث" في سنة 835 قبل الميلاد، حيث كان هذا أول إحتكاك بين الميديين و الآشوريين الذين كانوا آنذاك منشغلين بتوسيع إمبراطوريتهم. موطن الميديين حسب الجغرافية الحالية تشمل طهران و همدان و أصفهان و أذربيجان و منطقة كاردوخ. يذكر المؤرخ اليوناني "هيرودوت" بأن الميديين كانوا مؤلفين من ستة قبائل رئيسة وهم بوزا و باريتاك و ستروخات و آريا و بودي و موغي وأطلق هيرودوت إسم الآريين على القبائل الميدية. من جهة أخرى، يذكر د .زيار في كتابه "إيران...ثورة في إنتعاش"، بأنه بحلول سنة 1500 قبل الميلاد، هاجرت قبيلتان رئيسيتان من الآريين من نهر الفولغا شمال بحر قزوين وإستقرتا في إيران وكانت القبيلتان هما الفارسيين و الميديين. أسس الميديون، الذين إستقروا في الشمال الغربي، مملكة ميديا. وعاشت الأخرى في الجنوب في منطقة أُطلق عليها الاغريق فيما بعد إسم "بارسيس" ومنها إشتق إسم فارس. بينما يرى المؤرخ محمد أمين زكي، بإن هناك إحتمالاً كبيراً بأن هذه المجموعة تشكلت من عدة قبائل مثل "لولو و كوتي و كورتي و جوتي و جودي و،كاساي و سوباري و خالدي و ميتاني و هوري و نايري". يقول ابن خلدون بأن الكورد منحدرون من الميديين و يذكر حسن بيرنيا في كتابه المعنون "تاريخ ( إيران باستاندا )" بأن الميديين هم من الشعوب الآرية و هم أجداد الكورد ولغتهم هي نفس لغة الكورد الموكريانيين و في كتابه "عشق وسلطنة" يقول بأن لغة الماديين هي لغة كردية. كما يشير مردوخ الى أن السلطان الأول للميديين هو "آراماس" و المعروف عند اليونانيين ب"ديوكس". يقول دومركان بأن الميديين كانوا موجودين منذ أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد و أسسوا إمبراطوريات وسلطنات كثيرة و عُرفت عن حروبهم و شهرتهم وتفوقهم منذ سنة 700 قبل الميلاد. .يقول المؤرخ اليوناني "كيتزياس" بأنه تعاقب على حكم الإمبراطورية الميدية عشرة سلاطين وكان آخرهم (آستي كاس) و أن الإمبراطورية الميدية دامت لمدة 350 سنة. بهذه الأدلة يتأكد وجود الكورد تاريخياً منذ زمن طويل. نستنتج مما تقدم بأن الشعب الكوردي ينحدر من مجموعتين من الشعوب، المجموعة الأولى (المانيون) التي كانت تقطن كوردستان منذ فجر التاريخ و ُيسمّيها المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي ب"شعوب جبال زاكروس" التي لم تكن شعوب هندو – أوروبية. إمتزجت الشعوب الأصلية في المنطقة مع أقوام آرية (هندو- أوربية)، مثل الميديين، التي تُشكّل المجموعة الثانية من الشعوب المكوّنة للشعب الكوردي والتي هاجرت من شرقي البحر الأسود إلى كوردستان واستوطنت فيها مع شعوبها الأصلية. كان هذا الشعب غير متنقل بل ثابتاً في بقعته الجغرافية وكان يعتمد في معيشته على الزراعة و تربية المواشي. تعد الإمبراطورية الميدية من إحدى الإمبراطوريات العظمى في التاريخ القديم التي أقيمت على أرض كوردستان الحالية ولعبت دوراً كبيراً في نشوء الحضارة الإنسانية في المنطقة التي كانت تُعرف قديماً لدى اليونانيين بإسم "ميزوبوتاميا" التي كانت تُطلق على الأراضي الواقعة بين نهري دجلة والفرات. مساحة كوردستان الحالية تقلصت كثيراً، مقارنة بالأراضي التي كانت تُشكّل الإمبراطورية الميدية.
إن مركز هذه الإمبرطورية العظيمة كان في مدينة همدان الإيرانية الحالية و
التي تقع في موطن الفيليين. من هنا ندرك أن الفيليين هم المؤسسون لهذه
الإمبراطورية التي كانت أعظم و أكبر إمبراطورية في المنطقة في ذلك الوقت و
يعني أيضاً أن الشريحة الفيلية هي أحفاد الميديين و أن جذور الفيليين في
المنطقة (في كل من العراق و إيران الحاليتين) هي جذور عميقة بعمق التأريخ
نفسه.
العاصمة "جه مه زان" تعني مكان الاجتماع في اللغة الكردية وإستُخدمت أحياناً
اسم "هيكمه تانا"، إلا أنها إشتهرت بإسم "آكباتان" وهذه التسمية أطلقها عليها
اليونانيون وقد تم تثبيتها في المراجع اليونانية بهذا الإسم. كما أن كلاً من
"زينفون" و "هيرودوت" وغيرهما، يشيرون إليها بهذه التسمية و أن موقعها يقع
بالقرب من مدينة "همدان" الإيرانية الحالية. إسم همدان مأخوذ من إسم عاصمة
الميديين (مصادر أخرى تذكر بأن مدينة همدان الحالية هي نفسها مدينة آكباتان
الميدية). نجح علماء الآثار في العثور عليها وتمكنوا من إزالة الأتربة عنها
وهي مدينة ضخمة ً وتتميز بأسوارها النادرة التي تتألف من سبع أسوار عالية
وعريضة على شكل صفوف متراصة وهي تحيط بالمدينة. السور السابع هو أعلى من
السادس والسادس هو أعلى من الخامس و هكذا بالنسبة الى الأسوار الباقية. بعد وفاة فراورتيش، إستلم الشاب "وفاكشترا Ouvakhshatra أو كياكسارا Cyaxares" (كيكاوس)، الذي كان حفيد الملك "دياكو"(، مقاليد الحكم في عام 632 قبل الميلاد. وإنتهج سياسة والده في تعامله مع جيران المملكة ونجح في تحقيق حلمه بحيث أصبح يمتلك أقوى إمبراطورية تحكم هذه المنطقة وتفرض شروطها على الآخرين. بدأ الملك "كياخسارا" بالعمل على لم شمل الشباب الميدي و بعض القبائل الميدية، مستفيداً من المصاعب التي كانت تواجه "السيتيون" (الاسكثيون)، بعد أن أصبحت دولتهم مترامية الأطراف ويلاقون صعوبات في القيام بإدارتها و حكمها، حيث كانت مملكتهم أصبحت تمتد الى فلسطين. كما أنه قام بإعادة تنظيم الجيش على أساس جديد، إذ قسّمهم الى أصناف الرماة و الرمّاحين و حاملي السهام والفرسان. ثارت الشعوب التي كانت ترزح تحت حكم "الستيين". إستغل "كياخسارا" الظروف الصعبة التي كانت تمر بها المملكة الكيسية، فأعلن ثورته عليهم و إستطاع تحرير بلاده منهم. بعث الملك الميدي بسفرائه إلى الملك البابلي "نبوبولاصر" ليعلن له صداقته وليقترح عليه التحالف ضد عدوّهم المشترك المتمثّل في المملكة الآشورية. تعمقت و توثقت العلاقات بين الإمبرطورية الميدية و الآشورية، خاصة بعد أن وقع "نبوخذ نصر" إبن "نابوبلاصر" البابلي في غرام إبنة الملك الميدي، أميتسا (أوميد)، عندما كان يصطحب والده في زيارته لمملكة ميديا، فتزوجها وقام ببناء حدائق بابل المعلقة لها، عندما وجد أن طبيعة بابل كانت غير ملائمة لأوميد لأن بلادها "ميديا" كانت ذات طبيعة ساحرة فأراد أن يخلق لها طبيعة جميلة كطبيعة مملكتها. أبرمت مملكة ميديا و بابل إتفاقيات سياسية و عقدتا تحالفات عسكرية، لتفادي الأخطار المتأتية من الأطماع و التهديدات الآشورية لمملكتيهما. التهديد المستمر الذي كان يُشكّله الآشوريون للدولتين، الميدية والبابلية و معاناة الشعوب الرازحة تحت الإمبراطورية الآشورية، دفعت الدولتين الى الإتفاق معاً للقضاء على الإمبراطورية الآشورية. حملات وغزوات السكيثيين المتكررة على الإمبراطورية الآشورية ساهمت الى حد ما في إضعاف الآشوريين. هيّأ "كياخسارا" جيشه إستعداداً للهجوم على نينوى ولكن بينما كان يتهيأ لتنفيذ خطّته، وردته الأخبار بأن "السكيثيين Scythiques" إنطلقوا من القوقاز ليهاجموا مملكته، فإضطر للعودة إلى ميديا لمجابهة الخطر القادم من السكيثيين. حطّم السكيثيون آسيا ودمّروا كل ما إعترض سبيلهم إلى أن وصلوا الى حدود مصر. يدّعي "هيرودوت" بأن السكيثيين إستقرّوا في المنطقة لمدة ثمانية و عشرين عاماً، في حين يؤكّد مؤرخون آخرون بأنّهم لم يبقوا في المنطقة لأكثر من سبعة أعوام. قامت الدولتان، الميدية و البابلية، بشن هجوم كبير على الآشوريين، حيث أن الميديين قاموا بالهجوم على العاصمة الآشورية، نينوى، من جهة الشرق و التقدم نحوها، بينما قام البابليون بالهجوم من جهة الجنوب. بعد أن دارت رحى حرب ضروس بين المتحاربين، سقطت نينوى في شهر آذار 612 قبل الميلاد بيد الميديين و البابليين. الملك الآشوري، الذي كان حليفاً للفرعون المصري "بسامتيخ"، هرب إلى "حران" للنجاة من الموت و إنتهاز فرصة مؤاتية له للعودة والانتقام من الميديين، إلا أن الميديين قطعوا عليه طريق العودة الى الحكم من جديد، حيث هاجموا "حران" وقتلوه هناك. أمّا السكيثيون، فقد إستطاع الملك الميدي "كياخسارا" إستدراجهم في فخ من خلال دعوة رؤساء قبائلهم إلى وليمة أقامها على شرفهم وبعدما لبّوا دعوته قام بقتلهم. بعد هذه الحادثة، لم يبقَ أمام السكيثيين غير ترك المنطقة و العودة إلى بلادهم. بعد إنهيار المملكة الآشورية والإستيلاء على نينوى، تقاسم الميديون والبابليون فيما بينهم ما تبقّى من مملكة آشور، وهكذا توسّعت المملكة البابلية إلى حدود مصر، بينما إحتفظ الميديون لهم بمنطقة دجلة العليا والفرات وإمتدّت حدودهم إلى البحر الأسود. لم يتوقف الملك "كياخسارا" عند هذا الحد، بل حاول بسط سيطرته على كل آسيا الصغرى، حيث "المملكة الليدية Lydie" و كانت عاصمتها " سارد Sarde". إستمر صراع الميديين مع الليديين لمدّة ست سنوات. بعد توسُّط الملك البابلي " نبوبولاصر" أبرم "كياخسارا" معاهدة سلام مع ملك الليديين "آليات Alyates" و ذلك في عام 608 قبل الميلاد. وفقاً لهذه المعاهدة، تم تأشير مجرى نهر "هاليس Halys" (Kizil-Irmak)، الذي يصب في البحر الأسود و الواقع قرب مدينة أنقرة الحالية، كحدود بين المملكتين . بعد إبرام هذه المعاهدة، تميزت العلاقات بين الممالك الثلاث، الميدية والبابلية و الليدية بالهدوء والسلام في عهد الملك "كياخسارا" الذي إستمر حتى وفاته في عام 595 قبل الميلاد. تقول روايات أخرى أن الحرب بين الميديين و الليديين إنتهت بسبب حدوث كسوف الشمس أثناء فترة الحرب، إذ إعتقد الجانبان بأن هذه الظاهرة حدثت بسبب غضب الإله عليهم نتيجة تحاربهم، و لذلك قرروا إنهاء الحرب بينهم. كانت الدولة الميدية قوية في عهد "كياخسار" التي ساهمت في نشر الأمن في منطقة ميزوبوتاميا وحولها وعاشت الشعوب في أمن وإستقرار، بعيدةً عن اعتداءات الآشوريين. يذكر المؤرخون بأن حرب المملكة الميدية على الآشوريين، لم يكن هدفها الطمع أو التوسع، وإنما كان للإنتقام و وقف إعتداءات الآشوريين و أن إنتصار الميديين في حربهم على الآشوريين كان لمصلحة جميع شعوب الشرق الأوسط في ذلك الوقت، إذ تميزت سياسة الآشوريين بالعنف والقتل والقسوة و الدمار تجاه شعوب المنطقة. كان الآشوريون ينظرون الى الإنسان كمخلوق خُلق للحرب، لذلك لم تكن للإنسان أية قيمة عندهم. بما أن النساء لم يكُنّ يشتركنَ في الحروب، لذلك كان المجتمع ينظر إليهن بإستخفاف و خاصة اللواتي كُنّ ينجبنَ إناثاً. لنفس السبب المذكور، كان يتم إهمال الأطفال المصابين بعاهة عقلية أو جسدية، بل كان يتم التخلص منهم. الآشوريون هم الذين أوجدوا الحجاب للنساء وجعلوهنّ أسيرات المنزل، حيث ينحصر عملهنّ على خدمة الرجل و البيت و الإنجاب.
بعد وفاة الملك "كياخسارا"، تولّى إبنه ووريثه "أستياج Astyages" شؤون
الإمبراطورية الميدية و بقي ملتزماً بالمعاهدة التي أبرمها والده مع الليديين
في عام 608 قبل الميلاد، حيث وثّق علاقاته مع الملك الليدي "آليات" بروابط
عائلية خلال تزويجه من إبنته وفعل الشيء نفسه مع ملك بابل "نبوخذ نصر"، إبن و
وريث "نبوبولاصر" عبر تزويج شقيقته منه. وهكذا توطدت علاقاته السياسية مع
الليديين والبابليين وعاشت المنطقة خلال فترة حكمه بلا حروب أو قلاقل تُذكر.
لم يكن الملك أستياج بمستوى سلفه من حيث القوة و الشخصية السياسية, لذلك كان
حكمه ضعيفاً و التي أدت الى زيادة نفوذ رجال القبائل القوية في البلاد.
إنتفاضة "جتران تخوما" التي قادها "جتران تخوما"، إلا أن إنتفاضته باءت
بالفشل. كان سبب فشله هو خيانة بعض الميديين له، حيث قبضوا عليه وسلّموه إلى
الملك دارا في مدينة هولير ( أربيل )، و كان مصيره كمصير سلفه "خشريتا"، حيث
تم تعذيبه وقطع أنفه و لسانه و أذنيه و من ثم تم قتله. |