القضية الفيلية بين الاخلاق و منطق القوة

دكتور اكرم هواس

وردت انباء من داخل كواليس البرلمان العراقي أن السيدة ساميه عزيز ممثلة الكورد الفيلين قد تعرضت قبل ايام إلى تجاهل متعمد من قبل الأعضاء ورئيس الجلسه أثناء عرضها للمشكلة الفيلية رغم ماكانت تحمل من آمال في سبيل خدمه العراقين جميعا, وبغض النظرعن المسائل الشخصيه فإن الآمر يتعلق بكيفية التعامل مع قضايا الشعب العراقي التي تطرح عادة في البرلمان ومحاولة فهم كوامنها حتى يمكن إيجاد حلول سياسيه لها وفي هذا الصدد اود ان اطرح بعض الأمور اجدها ضروريا كي يتم وضع المسألة في نصابها المنطقي:

1- إن قضية الكرد الفيليه بمختلف مظاهرها هي قضية أخلاقية بالدرجة الاولْْْى قبل أن تكون قضية قانونية وسياسيه فالكرد الفيليون سواء منهم الذين أخرجوا من ديارهم ودفع بهم إلى المجهول على حدود إيران بعد تجريدهم من أموالهم وأولادهم أو الذين إحتلت بيوتهم واراضيهم السكنية في مناطق وسط شرق العراق ودفع بهم إلى المجهول أيضا في صحارى الجنوب وحرموا من إمكانياتهم التاريخيه والماديه واستعربت مناطقهم أو غدت أوراق للمساومه مع القوى الإقليميه, حالة هؤلاء جميعا تشكل ظاهرة استقصاء أخلاقي لقيم الوجود الإنساني قبل أن يتعلق الآمر بالهوية السياسية والإقتصادية وحتى الثقافية فمثلا أن تقول لمجموعة كبيرة من الناس أنكم ميتون رغم أنهم موجودون تشكل إشكالية أخلاقية قبل كل اي شيءأخر. وهكذا فإن آية محاولة لإيجاد حلول للمشاكل المترتبة على مثل هذا الآمر يجب أن تنطلق من الأساس الأخلاقي أولا ومن ثم تأتي الحلول السياسية لتضع القيم الاخلاقية موضع التطبيق العملي . وفي العراق اليوم فإن الجميع احزابا سياسية كانت ام منظمات يبني أفعاله وإتجاهاته على أساس قيم أخلاقية و هذا مؤشر اقل ما يمكن ان يقال عنه انه يمثل اعلى مراحل التربية الثقافية و السياسية حتى القائمون على الحرب المدمرة يدعون انهم يقتلون الناس في سبيل الحفاظ على القيم و المبادىء الاخلاقية و العملية السياسية الجارية في العراق بما فيها الصراع السياسي ما تزال تستسند الى القيم المثالية سواء كانت دينية ام معرفية علمانية اكثر بكثير من استنادها على البرامج السياسية و الاقتصادية الواضحة و المشاكل اليومية المتافقمة و المتروكة دونما حل هي خير دليل .

على هذا الاساس يمكن للمرأ ان يتصورشيئا واحدا على الاقل الا و هو ان يظهر اعضاء البرلمان اهتماما و اعتناء بالمسائل الاخلاقية ربما يتجاوزان مثليهما بالقضايا السياسية و الاقتصادية بدلا من تجاهلها و انكارها لان حدوث مثل هذا التجاهل و الانكار للقيم في ظل الفشل الذريع في ايجاد اي حل للمشاكل اليومية يطرح تساؤلا جوهريا حول عمل البرلمان و دوره بل حول دور الكتل و الاحزاب و امكانياتها الفعلية في ادارة عملية التنمية السياسية و الاقتصادية و الثقافية في البلد.

2- ان تكون القضية الفيلية قضية اخلاقية بالدرجة الاولى لا يعني باي شكل من الاشكال اهمال مسأ لة وجود الصراع السياسي بين الكتل والاحزاب السياسية و في هذالأطار فانه من الواضح ان الاهتمام ينصب عادة علي قوة الكتل الداعمة للقضايا المطروحة و من المحتمل ان يقول النعض بان القضية الفيلية لا تشكل اهمية ََكبيرة لطبيعة الصراع بين الكتل الرئيسية بعد ان كانت قد شكلت اهمية واضحة في وقت سابق عند بدء العملية السياسية و تشكيل البرلمان، بكلام اخر يمكن ان يبرر البعض التجاهل بان القضية الفيلية تبدو و كأنها اصبحت ورقة محروقة. لابئس و لكن في هذه الحالة هل يمكن القول بان القضية في الاساس كانت ايضا مجرد ورقة لعبها النظام السابق في صراعه مع هذه الجهة او تلك كما فعلت الكتل السياسية في بداية العهد الجديد؟ اذا كان الامر كذلك فانه يمكن ان نستخلص امرا مهما و هو ان القضية الفيلية برمتها اي ان كل ما يتعلق بالتشكيك في عراقية الفيليين وولائهم كانت مجرد ورقة لعبها النظام السابق و لم تكن تستند الى اية حقيقة تاريخية وواقعية. و هذا يقودنا الى تصور مهم و هو ان يتم الغاء القضية الفيلية من القضايا المطروحة للمناقشة امام البرلمان و اصدار قرار واحد و بسيط ينص على ان هؤلاء الفيليين هم جزء من الشعب العراقي يضمن لهم القانون ما يضمنه لكل العراقيين الاخرين و بان اساس قضيتهم هو تشكيك اعتباطي باهليتهم الوطنية العراقية و لذلك فانه من الضروري اعادة الامور الى نصابها باعطائهم حقوقهم المسلوبة كما ينص الدستور دون اية مواربة او مناقشة او تساؤل لان الامور التي يتم طرحها للمناقشة هي فقط الامور المختلف عليها و ليست الامور المتفق عليها حتى لا تضيع جهود ووقت البرلمان سدى في امور ثانوية.

3- هذا الكلام لا يشكل باي شكل تبسيطا للامور و لكنه محاولة لفهم ما يدور في كوليس البرلمان و ما هي الاسباب في عدم تحقيق اي تقدم فعلي في العملية السياسية: كيف تدار الامور و المناقشات بل اهم من كل هذا كيف يدار الصراع السياسي فالبديهي ان اية قضية بسيطة مثل القضية الفيلية اذا لم تكن هناك قوى تتصارع عليها فانه من الافضل ان يتم اقفالها حتى يفتح المجال لمناقشة قضايا اهم لان تراكم القضايا يؤدي فقط الى توليد مشاكل جديدة اعتقد ان الجميع يتفق ان الوضع العراقي في غنى عنها.

هذا الامر يقودنا الى التساؤل حول اليات العمل في البرلمان و خاصة فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الكتل و الاحزاب السياسية و المنتمين اليها داخل البرلمان اي الاعضاء و ماهية الضوابط التي تحكم هذه العلاقات لان هذه الضوابط تعتبر جزء مهما من اليات العمل فالصراع مسموح بقدر ما يسمح بالوصول الى افضل الحلول لا ان يصبح هدفا بذاته و على هذا الاساس فان الاحترام المتبادل و الاهتمام بكلمات و مداخلات الاعضاء بغض النظر عن حقيقة الاختلاف او الاتفاق معهم يعتبر ركيزة مهمة من ركائز عمل البرلمان لان ذالك هو وحده الذي يضمن فهما افضل لطبيعة القضايا المطروحة و بالتالي يشكل اساسا لتعامل الاحزاب و الكتل مع تلك القضايا سواء بالرفض او القبول او مواصلة النقاش بطرح اسئلة جديدة و هكذا اما الانكار و التجاهل فلا تنفع شيئا لانها لا تؤدي الا الى تراكم القضايا و التسبب في استفحال مشاكل جديدة و اذا كانت هناك قوى تريد التشويش فانه حري بالقوى التي تدعم الحكومة ان يتم الانتهاء من بعض القضايا حتى تثبت بشكل ما ان العملية السياسية تحقق النجاح رغم المعوقات. و فيما يتعلق الامر بالقضية الفيلية فانه من الضروري وضعها في الميزان خاصة انها واحدة من اقدم القضايا المطروحة امام البرلمان: اما انها قضية كبيرة تستحق المناقشة و الاهتمام او انها قضية فرعية صغيرة ناتجة عن سوء استفادة النظام السابق من هيمنته المطبقة على النظام السياسي و القانوني و يجب فقط ازالة ما ترتب على ذلك بحق الفيليين عن طريق الغاء القوانين الخاصة و اعادة الحقوق المسلوبة الى اصحابها. اما الانكار و التجاهل فلن يحل اية مشكلة و لن يشكل سوى نقطة سلبية اخرى في تاريخ البرلمان بل و في تاريخ القوى المهيمنة عليه بغض النظر عن انتماءاتهم الاثنية و الدينية و السياسية و بغض النظر عن طبيعة الخظاب السياسي لهذه الجهة او تلك.

الاكراد الفيلية الذين اثبت تاريخهم انهم اصدقاء الجميع و ان وجودهم الاجتماعي و السياسي و الجغرافي كان يمثل دوما جسرا بين مختلف الطوائف الاثنية و الدينية لا يملكون سوى ان يتسائلوا عما اذا كانت الامور قد وصلت الى حد هدم الجسور كلها لان سياسة الانكار و التجاهل لمشاكل العراقيين و منهم الفيليين لا يمكن باي حال من الاحوال ان يخدم هدف الوصول الى المصالحة و اعادة اللحمة بين افراد الشعب العراقي! انه من الضرورة القصوى بمكان ان يتعامل الجميع مع قضايا العراقيين على اساس ان البرلمان هو بيت كل العراقيين و كونه كذلك فانه مكان للوئام و التصالح و ايجاد الحلول للمشاكل اكثر مما هو ساحة للصراع و التناحروالذي يصب فقط في مصلحة القوى المدمرة و التي تقتل العراقيين كل يوم كما انه يؤدي الى العودة الى ثقافة الاستقصاء و التحكم برقاب الناس التي حارب الكثيرون سنوات طويلة من اجل تغييرها. و العراق الجديد قيل انه سيتم بناؤه على اساس القانون و احترام حقوق الانسان و حقوق الاقليات فكيف يمكن تصور ذلك اذا كان اعضاء البرلمان الذين من المؤمل فيهم انهم يعملون على تحقيق هذا الامر لا يحترم بعضهم بعضا و لا يقيمون وزنا للقانون؟ هل يحكم العرق بمنطق السلم كما يأمل العراقيون من العراق الجديد ام انه عاد ادراجه ليحكم بمنطق القوة كما جرى في ظل النظام السابق و لكن بفارق بسيط هذه المرة و هو ان الحالة الجديدة يجد الشرعية في البرلمان؟ و هل على القوى المهمشة مثل الفيليين و غيرهم كثير ان يحملوا السلاح ليقتلو الناس حتى يحسب لهم البرلمان حسابا؟ انه سؤال خطير و لكنه في كل الاحوال مأساوي و قاتم ان يلجأ الانسان الى مثل هذا الخيار المدمر لقيم التعايش السلمي التي بنى عليها الفيليون نظامهم الاجتماعي عليها تاريخيا.