الكورد الفيليون ... ومتاهة الخطوط الحمراء - ضياء السورملي


[08-02-2005]

المتاهة هي لعبة مسلية واحيانا مبكية تبدأ بالدخول من بوابة الدخول والمطلوب من اللاعب الخروج من باب واحدة للخروج ان استطاع اجتياز المسار الوحيد المؤدي الى باب النجاة من بين مجموعة من المسارات الملتوية والمعقدة والمغلقة ، من هذا المنطلق اود ان ابين الخطوط العريضة للطرق الملتوية والمعقدة والمغلقة والخطوط الحمراء التي واجهت الكورد الفيليين طوال مسيرتهم منذ مطلع القرن العشرين وليومنا هذا

عندما كان العراق يرزخ تحت حكم الدولة العثمانية كان الكرد يعانون من الجور والتخلف والفساد الأداري والقمع والأضطهاد السياسي والفكري والأجتماعي كنتيجة منطقية لحالة التآكل والتخلف وبداية النهاية لمراحل انهيار هذه الأمبراطورية السقيمة ومن هنا يتبين لنا باننا كنا في متاهة كبيرة اسمها الأمبراطورية العثمانية ولم نستطع في تلك المرحلة حتى من الوصول الى مدخل المتاهة الصغرى وهي الولايات ( سنجق) التابعة للدولة العثمانية والتي من الممكن ان نسميها مجتمعة بالعراق

الكرد الفيليون بالأضافة الى ما كان يعانيه اخوتهم الكرد فان الخط الأحمر والمتاهة التي كانوا يدورون ويلفون بها كانت اكثر تعقيدا من متاهة الكرد بسبب الصراع بين الدولتين العثمانية والفارسية حول المناطق التي كان يقطنها الكورد الفيليين في مناطق الشريط الحدودي الممتد تقريبا من منطقة علي الغربي في جنوب شرق العراق والى حدود منطقة خانقين شمالا والمناطق المتآخمة لهما والتي تم تقسيمها بين الأمبراطوريتين المتصارعتين ولحد يومنا هذا مما شتت القبائل الكوردية الفيلية في هذه المناطق الى شقين ، قسم منهم يعيش في الأمبراطورية البهلوية الأيرانية والتي تسمى اليوم الجمهورية الأسلامية الأيرانية والقسم الآخر في العراق

عانى الكورد الفيليبن في اقليم لورستان في ايران من التسلط والعجرفة والغطرسة والعنصرية الفارسية المقيتة مثلهم مثل باقي الأقليات والأثنيات العرقية الأخرى مثل العرب والبلوش والأكراد في اقليم كوردستان والبهائية واليهود والمسيحيين والهنود والبوذيين

نتيجة لهذا القمع التسلطي وقوة وجبروت النظام البوليسي وبطشه لكل الحركات والقوى السياسية ولفرض حالة الفقر والتخلف على الأقاليم غير الفارسية جعلت من الصعوبة تشكيل كيانات سياسية واضحة الأهداف والمعالم وظهرت مشكلة محافظة كرمانشاه ومحاولة فصلها وسلخها عن اقليمي لورستان وكوردستان الكورديين ، من هنا زاد الضغط على الأكراد بشكل عام والكورد الفيليين في لورستان والفيليين في كرمانشاه وتم قمع اي تحرك في مهده وزاد هذا الأمر تعقيدا واستمر الى فترة قيام الجمهورية الأسلامية الأيرانية عندما شن الحرس الأيراني هجومه القمعي والوحشي على الكورد في كل بقاع ايران وخصوصا في اقليم كردستان والبالغ نفوسه بحدود ثمانية الى عشرة ملايين نسمة

وجد الكورد الفيليين في ايران انفسهم في متاهة بالغة التعقيد متمثلة بهجوم من الجندرمة الأيرانية وقوات الحرس الشاهنشاهي ومن ثم الحرس الجمهوري الأسلامي عليهم في ثلاث جبهات هي جبهة كوردستان وجبهة لورستان وجبهة كرمانشاه واستغلال العنصر المذهبي والنعرة الطائفية تارة والنعرة القومية تارة اخرى ثم جاءت الضربة القاصمة للجميع عندما شن الجيش العراقي هجومه العدواني على الجمهورية الأسلامية واجتاح مناطق الكورد الفيليين في لورستان ومناطق الكورد في اقليم كوردستان واجتاح الأراضي الخاضعة لأقليم كرمانشاه ومسح الجيش العراقي مدنا وسواها بالأرض ، هذه المدن كانت ذات تأريخ عريق في حضارة الكورد الثقافية مثل مدينة قصر شيرين وديسبول وغيرها من القرى والقصبات .

رغم كل الصعوبات والمتاهات التي تم ذكرها فان نضال الشعب الكردي ومن ضمنهم الفصيلة الطليعية من الكورد الفيليين لم تتوقف سواء ضد الطغيان الشاهنشاهي او ضد الحرس الأسلامي الأيراني وكذلك ضد الجيش العراقي ، وما قيام جمهورية مهاباد والحروب الطاحنة التي خاضتها قوات البيشمركة والحركة التحررية الكردية في كل من العراق وايران والتشكيلات الكردية المسلحة الا شاهد على ذلك .

كانت هذه المرحلة تتميز بالكفاح المسلح وتلاحم صفوف الكرد جميعا في سعيهم للوقوف بوجه الهجمات الهمجية والعنصرية ضد الأمة الكردية ، وتميزت مشاركة الكورد الفيليين من خلال مساهماتهم في قيادة النضال المسلح والتنظيمات الجماهيرية الحزبية وقد برزت اسماء كثيرة وشخصيات لها ثقلها في حركة التحرر الكردية وكان هذا سببا جليا في عدم تشكيل حزب خاص بالكورد الفيليين ، لم يكن هذا مقتصرا على الكورد الفيليين وحدهم بل شاركهم في هذا التوجه الكثير من الأقليات الأثنية والعرقية في المنطقة مؤمنين بعدم تشتيت النضال ضد العدوان الأيراني والعراقي والتركي وهجماتهم الوحشية ضد الشعب الكردي .

بدات تتوالى التيارات العدوانية من الجانب المسيطر في الحكومة العراقية بقيادة حزب فاشي عنصري النزعة هو حزب البعث العربي الأشتراكي تقوده قيادة عسكرية ضالعة في التخلف الفكري والحضاري والسادية وجنون العظمة , كان الهجوم على الكورد الفيليين بشكل خاص بقوة وبشدة وبعنف مفرط ومقرف وصل حد الأبادة الجماعية لأكثر من جيل من الشباب الكوردي الفيلي حيث تم تغييبهم لفترة تجاوزت العقدين من الزمن ومن ثم ابادتهم ابادة جماعية ودفنهم في مقابر جماعية ، وكذلك الهجوم على الكورد بشكل عام وعلى مجمل الشعب العراقي بشكل أكثر عموما .

وجد الكورد الفيليين انفسهم من دون مرجعية دينية واضحة للدفاع عن حقوقهم ولم شملهم وبناء كيانهم الذي اوشك على التبعثر والتوزع في مدن وبلدان منتشرة في كل بقاع العالم أو الأنصهار ضمن برامج عنصرية من التعريب والتفريس والتتريك وكل هذه البرامج كانت تخضع لسياسات التطهير العرقي والأبادة الكاملة للجنس البشري
وما زاد من الأحباط لدى الكورد الفيليين هو عدم وقوف وتبني المرجعيات الدينية لقضيتهم او تم تبنيها بطريقة لا تمثل حجم المأساة والنكبة التي واجهتهم بل على العكس لقد تم استغلال قضيتهم للحصول على مكاسب ومغانم آنية تدل على عدم الوعي والفهم لقضية الكورد الفيليين .

في الوقت الذي يتمسك الكرد الفيليين بمذهبهم ومرجعيتهم الدينية يواجهون من المرجعيات الدينية المتعددة النفوذ والمصالح الشخصية والقبلية والتكتلات المبهمة بعدم قبولهم ضمن التيارات الشيعية بحجة انهم من اتباع القومية الكردية وان مرجعيتهم الكردية هي من تمثلهم خير تمثيل ومن هنا ضيع الكورد الفيليين مرحلة طويلة في متاهة المذهب الشيعي والمرجعية الدينية ، والمصيبة انه لا يزال القسم الكبير من هؤلاء الكورد الفيليين يلف ويدور في هذه المتاهة املا في الوصول الى باب النجاة غير الواضحة المعالم وخصوصا في هذه المرحلة بالذات .

ومن ناحية اخرى فرزت الأوضاع الجديدة في العراق بعد سقوط اعتى نظام تسلطي بعد نظام الشاه الأيراني ، حيث بدات مرحلة جديدة تشكلت فيها تحالفات وكيانات لا تعد ولا تحصى منها الكردية والعربية والأسلامية والمذهبية والطائفية وشملت طيفا واسعا من الأقليات الأثنية والعرقية ، وجد الكرد الفيليين انفسهم مهمشين من الجميع فمنهم من اعترف انهم سقطوا سهوا من حسابات برامجهم الكبيرة ، مما اغضب العديد من الكرد الفيليين وردوا على ذلك بانهم اكبر من ان يسقطوا سهوا بعد هذا النضال الطويل والتضحيات الجسام ، كما اخطأت احزاب شيعية كبيرة ايضاعندما صنفت الكورد الفيليين في اخر قوائم حساباتها مما دعى البعض ان ينتفض مسرعا ويعلن تشكيل حزبا اسلاميا يمثل على اقل تقدير علاجا آنيا لمشكلة مرحلية تسمى الأنتخابات وتشكيل هيئة برلمانية لكتابة الدستور . وهنا ايضا نشاهد ان الكورد الفيليين يلفون ويدورون في متاهه لا مخرج منها وكلما ساروا في مسار ما تواجههم الخطوط الحمر والمسارات المغلقة
والسؤال المطروح هو متى سنخرج من هذه المتاهه المعقدة ومتى نصل الى باب النجاة ؟

للحديث صلة
ضياء السورملي ـ لندن
Kadhem@hotmail.com

 

 

Back