كرسي رئاسة الحكم

 

لم يتمكن اي حاكم حكم  في العراق ومنذ زمن بعيد من ان يجلس مرتاحا ولو لفترة قصيرة من ايام حكمه على كرسي رئاسة الحكم ومن المفارقات العجيبة ان كل الذين جلسوا على كرسي الحكم الرئاسي اخذوا استحقاقاتهم من كرسي الحكم بقدر ما قدموه لشعبهم من الويلات والضيم والعبودية والظلم والجور ومن سبي النساء وجعلهن جواري ومن اذلال الرجال وجعلهم عبيدا بحجة الفتوحات الأسلامية وتوزيع الغنائم وفي صدر الأسلام كان الأغنياء يكسرون ذهبهم بالفؤوس في الوقت الذي كان الفقراء فيه يطبخون الماء ويفترشون الحجر- لاحظ كتاب وعاظ السلاطين / علي الوردي ص 76

وكذلك فان من طبيعة السلوك البشرية ان يسودها الطغيان عندما تستأثر بالمال وهذا ما ورد في الآية الكريمة ( ان الأنسان ليطغى أن رآه استغنى )

ومن يريد متابعة مثل هذا السلوك للحكام عليه ان يدرس سيرة ذلك النفرمن الحكام الطغاة امثال الحجاج بن يوسف الثقفي وابو جعفر المنصور وهارون الرشيد والكثير من الطغاة في العهد الأموي والعهد العباسي وفي حكم الأمبراطورية العثمانية وطغاة العالم من زمن الطاغية فرعون ولحد يومنا هذا

 اما في العراق الحديث فان التاريخ يسجل لنا وقائع مخجلة عن حكامنا والفترة التي جلسوا بها على كرسي الحكم فكانت عاقبة الحكام في العهد الملكي ان تم سحل العائلة المالكة في الشوارع وبقيت آثار مثرمة الشعب في أحد البيوت في شارع ابو نؤاس باقية لحد الأن

ثم اعقب ذلك مقتل مفجر ثورة تموز الزعيم عبد الكريم قاسم وقيام احد الجنود بالبصق في وجهه وعرض ذلك المشهد البشع امام شاشة التلفاز وهو مقتول مع رفاقة ولم يعثر على قبره لحد اليوم بعد ان جلس على كرسي الحكم قرابة اربعة اعوام

 أما الرئيس عبد السلام عارف فكان استحقاقه ان صعد الى الطائرة في السماء لحما ونزل الى الأرض فحما في حادث سقوط طائرته في جنوب العراق وأما الرئيس عبد الرحمن عارف فقد اجبر على التنحي عن كرسي الحكم بقوة السلاح وترك كرسي الحكم الذي لم يستطع الحفاظ عليه او ربما لفظه الكرسي الرئاسي لعدم أهليته للجلوس عليه

ثم اعقب تلك الفترة حكم الرئيس احمد حسن البكر وهذه الفترة والتي اعقبتها من حكم الطاغية صدام حسين من الفترات الحالكة والمظلمة في تأريخ العراق  وكلنا شهد ماحصل لأحمد حسن البكر وكيف انتزع منه الحكم ونحي عن كرسي الحكم بمسرحية هزيلة ليحل محله نائبه المجرم  صدام حسين الذي استطاع البقاء في كرسي الحكم فترة طويلة ثم لفظه كرسي الرئاسة بطريقة تتناسب مع اسلوب حكمه حيث شهد مصرع ازواج بناته ومصرع ولديه ومصرع حفيده وسجن معظم الذين بقوا احياء من الذين كانوا حوله وهربت عائلته ويقبع صدام حسين اليوم ذليلا وخائبا في السجن منتظرا حكم القضاء العادل ليقتص منه بقدر الجرائم التي ارتكبها أثناء جلوسه على كرسي الحكم

ثم حصل انعطاف وتحول في طبيعة وكيفية الجلوس على كرسي الحكم في العراق بحيث يجلس كل حاكم لمدة شهر ليتم مراقبتة عن كثب وكيفية وطريقة تصرفه عند الجلوس على كرسي الحكم ويتم ذلك من قبل الحاكم الفعلي الممثل لحكومة أميركا  الشاب الأميركي السفير بول بريمر وكان اعضاء مجلس الحكم يتناوبون على الجلوس على هذا الكرسي اللئيم مثل لعبة الدوران والجلوس على الكراسي حتى يخرج احدهم بشكل يثير الشفقة والرأفة والسخرية في نفس الوقت

ان كرسي الرئاسة لم يرحم أحد ابدا وكل من جلس عليه وبسرعه البرق لفظ هذا الكرسي الحقير  احد الجالسين عليه وهو المرحوم عز الدين سليم والذي لم يكمل شهرا واحدا بالجلوس على هذا الكرسي وكأن الكرسي أراد ان يقول له ان هذا الكرسي لا يجلس عليه الا من كان من الجلادين والظالمين والقتلة وانت لست منهم وانك من الشرفاء ولهذا لا يحق لك البقاء اكثر من شهر

ثم تعاقب بالجلوس على كرسي رئاسة الحكم أشخاص كلهم من ذكور مجلس الحكم  ولم تجرب امرأة حظها من الجلوس على كرسي رئاسة الحكم لأن هذا الكرسي مصمم للرجال وليس للنساء  الى ان استقر الكرسي على السيد غازي الياور الذي كان متعودا ان يجلس على كرسي وظيفة  من النوع الأعتيادي خارج العراق وعندما جرب كرسي الرئاسة لمدة شهر يبدو ان الكرسي قد اعجبه ولذلك عندما حصلت الأنتخابات واجه صعوبة في التخلي عن الكرسي وحتى كان يرفض ان يكون اسمه ضمن التسلسل الثاني في القوائم الأنتخابية لكونه من الرؤساء ومن الذين كان جالسا يوما ما على كرسي الرئاسة واليوم هو نائب الرئيس ويبدو انه نفذ بجلده من حقارة ولؤم وخباثة وعدل كرسي الرئاسة  

حصلت الأنتخابات العامة في العراق وتم انتخاب السيد جلال الطالباني وهو اول رئيس كردي يعين بالتوافق من قبل الأحزاب الفائزة ليكون رئيسا للعراق وليجلس على كرسي الرئاسة وهو في غاية السعادة والسرور على الرغم من ان الكرسي لم يصمم لرجل كوردي مثلما هو لم يصمم للنساء والحجة تاتي من الكورد قبل العرب حيث ان الكورد يريدون كرسي الرئاسة لدولتهم وليس لدولة مزيفة محشور فيها الكورد مع العرب حشرا

ويبدو ايضا ان الكرسي ايضا لم يصمم لأن يجلس عليه رجل من الشيعة والدليل هو مقتل السيد عزالدين سليم  عند الجلوس على كرسي الرئاسة  وعليه فان على العرب الشيعة ان يصمموا كرسي الرئاسة بالشكل الذي يناسبهم كأن يكون ملائما للخطب والوعظ الديني ومجالس قراءة العزاء

ان  الكرسي الرئاسي الذي يجلس عليه السيد الطالباني هو كرسي مكسورة كل ارجله وحتى ذراعيه ، ولا يتحمل الوزن الثقيل من نوع وزن مام جلال وان اي حركة غير متوازنة ربما سيختل فيها التوازن ويسقط من على الكرسي ويهشم معه كل ما يدور حوله

ان كرسي الرئاسة الذي يجلس عليه مام جلال من المحتمل ان يتم تفجيره بسيارة مفخخة لا قدر الله ، عندها سيختل التوازن العربي الكردي باكمله وينفرط عقد الأخوة العربية الكوردية ويصبح الحزام الذي يربط الكورد والعرب من دون حلقة الوصل والربط والتي تسمى البزيم ، ويصبح طرفا الحزام كل في جهه  وارجو ان لا نبعد اي احتمال من هذا النوع لان التفجير بالسيارات قد اتت على المرحوم  السيد الحكيم و المرحوم السيد سليم و المرحوم كاكا سامي عبد الرحمن  وغيرهم الكثير

ان أرجل كرسي الرئاسة الذي يجلس عليها مام جلال مكسورة بسبب عدم وفاء العرب ومعهم الأميركان بالعهود والمواثيق وعدم وفاء العرب حتى مع العرب ومع المسلمين  والأمثلة في التاريخ كثيرة لمن يريد ان يتبحر في هذا الموضوع واقرب مثال هو المحاوله الفاشلة لناظم كزار مدير امن النظام العراقي في زمن البكر لأغتيال الزعيم المرحوم مصطفى البارزاني وكذلك اتفاقية الجزائر سيئة الصيت في عام 1975 فكيف سيلتزمون بالوعود وخصوصا مع الكورد والمشاكل العالقة كثيرة منها مشكلة الفساد الأداري والمحسوبية والمنسوبية والمحاصصة الطائفية والعرقية ومشكلة كركوك والتعريب ومشكلة اكثر من مليونين من الكورد الفيليية غير المعترف بهم وبحقوقهم والساقطين سهوا قبل الأنتخابات وبعد الأنتخابات ومشكلة اقضية ونواحي خانقين ومندلي وبدرة وزرباطية وعقرة وكلار وكفري وغيرها من المناطق المثيرة للجدل

 ماذا سيفعل مام جلال الذي تخلى كما يبدو عن كركوك مقابل كرسي الرئاسة  اذا اراد الكورد ان ينفصلوا عن العرب هل سيبقى في كرسي الرئاسة ام سيستقيل ام سينحني كما تنازل ووقف امام علم صدام البعثي ، سينتفض العرب ضد الكورد عندما يستعيدوا قواهم الخائرة وعندها ستقوم القيامة على الكورد وتصبح وثيقة الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الأنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها حبر على ورق ومن المحرمات ومن اشد الخطوط الحمر بالنسبة للكورد في العراق

ان كرسي الحكم سيكون من الصعب الجلوس عليه ما دام يوجد هناك أناس مظلومين لم ترد لهم مظلوميتهم من اهالي المقابر الجماعية وذوي الشهداء والمسفرين قسرا من الكورد الفيليين ومن العوائل التي غيب ابناءهم وبعد ذلك اعدامهم ، ان كرسي الرئاسة لن يدم الجلوس عليه بارتياح طالما توجد امرأة عجوز واحدة فقدت ابنها وتتضرع بالدعاء الى الباري عز وجل ان يأخذ بحقها

ان كرسي الرئاسة الذي يمثل الشعب العراقي لن يجلس عليه بعد اليوم شخص تلطخت يده بدماء ابناءه واموال وقوت شعبه وان كرسي الشعب الرئاسي له قوة جبارة في تدمير من يجلس عليه من دون وجه حق سواء جاء مع الأميركان ام جاء بفتوى دينية ام جاء بقوة الطغاة ام جاء بالتوافق او بالأنتخاب  

 

 

ضياء السورملي ـ لندن

Kadhem@hotmail.com

www.kadhem.net