العراق الجريح بين فيلق بدر وفيلق عمر – ضياء السورملي
بدأت الجروح تزداد في جسم العراق الواهن والمريض وتكثر يوما بعد يوم آلامه بسبب حماقة أطراف متعددة وعدم حكمتها في إدارة دفة حكم العراق مما أدى الى تمزيق الجسد العراقي الى أشلاء ومص دماءه من قبل الطفيليين القدامى والجدد الذين قدموا من كل مكان متكالبين لنهش هذا الجسد والنسيج الذي كان بحاجة الى كل أنواع المساعدة والعناية .
منذ اعلان تشكيل دولة العراق في مطلع العشرينات من القرن العشرين ولحد الآن لم ينل شعب العراق قسطه من الراحة ولذلك أسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر الخلل في تشكيلته الأولى عندما تم تقسيم الدولة العثمانية وتوزيع ولاياتها بين الحلفاء حيث تم إقتطاع أجزاء وأوصال من كوردستان وضمها الى أوصال من المناطق الأخرى وتشكيل دولة أسمها العراق في الوقت الذي كانت العراق تمثل ولايات البصرة والكوفة وبغداد وضواحيها في تلك الفترة وكذلك الخلاف حول مدينة الموصل وعائديتها الى تركيا أو الى العراق وكذلك نقض العهود والمواثيق التي وُعد بها الشعب الكوردي من أجل إستقلاله ومن ثم ضربه وقصفه بالطائرات من قبل الأنكليز وزبانيتهم.
لم يشهد الحكم الملكي في العراق استقرارا واضحا ومستمرا لا من الناحية السياسية ولا من الناحية العسكرية لكثرة الحركات والأنتفاضات المتعاقبة التي حدثت في تلك الحقبة حيث كانت السيطرة الفعلية والقيادة الحقيقية بيد الأستعمار الأنكليزي ومن خلاله تم تكريس الحكم الطائفي السني في العراق وتم نهب ثروات البلد وآثاره ولم يُعمل أي شئ في سبيل تطويره أو زرع بذور التسامح فيه بل بالعكس من ذلك تم غرس مفاهيم العشيرة والأغوات والبيكات ونفوذ رجال النفاق السياسي من المتملقين للأجنبي وحيازتهم على الثروة والأموال الطائلة وخلق طبقة فقيرة واسعة من عامة الشعب وتنامي فئة متطفلة ثرية صغيرة على حساب ودماء الشعب واصبحت تمتلك الأراضي الواسعة والأملاك الكثيرة والثروة الطائلة.
ان انبثاق ثورة تموز بقيادة الزعيم المرحوم عبد الكريم قاسم واعلان إستقلال العراق خلق حالة جديدة من التفاؤل لدى الشعب العراقي لأن الزعيم عبد الكريم قاسم كان يعمل من مبدأ التسامح والعفو عند المقدرة وبذلك خلق حالة من التآلف بين كل مقومات الشعب وأزدهر الأقتصاد ولم تشعر الأقليات والأثنيات العرقية والدينية بالغبن في بداية عهده الى ان تم طي صفحة هذا المناضل من أجل شعبه وحريته والقضاء على حكمه من قبل فئة سقيمة تنادي بالقومية العربية وكانت الحركة الناصرية بقيادة جمال عبد الناصر وراء إنهاء حكم عبد الكريم قاسم وبذلك انتهت حقبة من الحكم وأعقبتها فترة من الحكومات التي زرعت الطائفية وسيطرت على مقاليد الحكم تحت شتى الذرائع حتى وصلت الى ما وصلت اليه من صراع مقيت بين الشيعة من جهة وبين السنه من جهة اخرى وبين العراقيين الكورد من جهة وبين العراقيين العرب من جهة أخرى.
ان أخطر ما وصل اليه الوضع في العراق هو سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم في العراق بشكل رسمي ومعلن وواضح وفوز إئتلافهم في غالبية الأصوات أثناء الأنتخابات التي جرت في عام 2005 كل هذا كان نتيجة مثمرة لأتفاقهم التاريخي وقبولهم التعاون مع الأميركان والبريطانيين وذهاب مندوبين من الشيعة الى أميركا ومقابلة وزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت ومن ثم كولن باول وتسلمهم المساعدات الهائلة في سبيل تقوية صفوفهم والعمل مع الحكومة الأميركية برئاسة جورج بوش الأبن والحكومة الأنكليزية في عهد توني بلير ومن ثم اشتراكهم في مؤتمر لندن مع القوى والأحزاب المعارضة لحكم البعث الطائفي السني الفاشي مما أدى الى تغيير جذري في أسلوب تعامل رجالات الفكر الشيعي وقياداتهم من أجل الوصول الى السلطة السياسية والحكم في العراق.
إن تسلم مقاليد السلطة من قبل الشيعة في العراق رسميا والدعم غير المحدود الذي تلقوه من ايران وضع السنه في موقف صعب بعد ان كانت مقاليد الأمور بيدهم منذ اكثر من ثمانين عاما وخسارتهم لمكانتهم بسبب طيش ورعونة وإجرام الطاغية الأرهابي صدام حسين وسوء إدارته لأمور البلاد والحكم الكارثي الذي وصل اليه ومن ثم سقوطه وحكمه تحت نير ونيران القوات الأميركية والدول المتحالفة معها وقوى الشعب العراقي الذي ضاق ذرعا بهذا الحكم الجائر.
إن سقوط حكم الطاغية صدام أثار حفيظة بعض السنة في العراق وحفيظة البعض من السنه في الدول العربية المجاورة مثل السعودية والأردن ومصر واليمن والجزائر والدول غير العربية مثل الباكستان وافغانستان وجميع المتشددين من السنة ومن المذاهب الأخرى التي تكفر الشيعة بشكل عام أو لا تكن الود لها أو لا تعترف اصلا بهذا المذهب الأسلامي.
هذا الوضع الجديد خلق حالة من الأرباك في العراق على الرغم من تحالف الشيعة مع الكورد علما أن تحالفهم لم يكن مبني على أساس طائفي بين أهل السنة من الكورد والشيعة من العرب العراقيين بل كان الهدف هو إسقاط النظام البعثي العفلقي الصدامي وموافقة الشيعة على الشروط الكوردية بتحقيق الحكم الفدرالي وحل مشكلة كركوك وعودة المرحلين اليها وخروج الوافدين منها وكان هذا الأتفاق باشراف ممثل اميركا في مؤتمر لندن السيد زلماي زادة الرجل الأميركي والأفغاني الأصل والذي تم تعيينه فيما بعد سفيرا لأميركا في بغداد .
أدت سيطرة الشيعة على مقاليد الحكم والغالبية البرلمانية من أعضاءهم الى زيادة التوتر بين السنة والشيعة بين فترة واخرى حتى وصل الصراع الدامي بينهما الى تشكيل فيلق إرهابي وهابي يقوده المجرم أبو مصعب الزرقاوي الأردني سمي بفيلق عمر ليقابل فيلق بدر وجيش المهدي والذي يمثل كل منهما المليشيات المسلحة للأحزاب الشيعية في العراق وهي ميليشيات شبه مسلحة أو مسلحة باسلحة خفيفة ومدربة على حرب الشوراع مسنودة ومدعومة من قبل الحكومة الأيرانية بشكل مباشر أو غير مباشر ومسنودة من قبل جماهير الشيعة المظلومين بسبب الممارسات الأرهابية التي مارسها صدام ضدهم طيلة فترة حكمه.
بدأت الصراعات عندما عقد اجتماع على عجل في بغداد بعد سقوط الصنم في سنة 2003 دعى اليه الشيخ د. أحمد الكبيسي وهو داعية سني متشدد كان يسكن في العراق في زمن صدام ثم غادر الى احدى دول الخليج الفارسي واقام هناك ، تم في هذا الأجتماع تشكيل مرجعية سنية لتواجه المرجعية الشيعية وسميت هيئة علماء السنة في العراق وقد ترأسها الكبيسي في بداية تشكيلها ولم تمض الا فترة وجيزة حتى ترك الرجل المؤسس مؤسسته وغادر الكبيسي العراق مذعورا من الأرهاب الذي مارسته فرق منظمة هيئته التي أسسها وترأس الهيئة التي شكلها الكبيسي بعد ذلك شخص آخر في منتهى التشدد الطائفي ويمثل الفكر التكفيري المتشدد ويعمل على تكفير كل من ينتسب الى مذهب غير المذهب السني الذي يؤمن هو به هذا الشخص اسمه حارث الضاري وقد شكلت زعامته لرئاسة هيئة العلماء السنة في العراق جدلا واسعا حول أهليته وانتماءاته باعتباره كان من أزلام النظام السابق والشكوك الكثيرة حول منتسبي هيئته والتي ثبت تورط منتسبيها باعمال إرهابية ضد ابناء الشعب العراقي وتلبسهم لباس الدين وأختفاءهم خلف ستار الدين للقيام باعمال ارهابية تمثل فكر النظام البائد والحكم العفلقي البعثي الفاشي .
جاء تشكيل فيلق ارهابي مسلح باسم فيلق عمر ليواجه النفوذ المتزايد لفيلق بدر وتولي الشيعة منصب وزارة الداخلية بعد ان كانت بيد الوزير السني السابق فلاح النقيب والذي عمل على زرع الفرقة الطائفية بشكل أهوج حيث تم استغلال سوء ادارته للوزارة من قبل انصار الطاغية صدام مما ادى الى ان تشن هجمات كثيرة ضد الشيعة راح ضحيتها الكثير من الأبرياء من ابناء الشعب العراقي .
يعتبر تشكيل الفيلق الأرهابي المسمى فيلق عمر هو بداية الأقتتال الرسمي والمعلن بين الشيعة والسنة في العراق خصوصا اذا ما عرفنا بان هذا الفيلق تم تشكيله من قبل تنظيم القاعدة الوهابي في العراق وبمناصرة ومؤازة البعثيين والصداميين وأنصار هيئة علماء المسلمين من أتباع حارث الضاري وهم الذين قتلوا عددا كبيرا من الشيعة ومن العراقييين الأبرياء لا لشي الا لأنهم غير مؤمنين بتوجهات وافكار هذه الجماعة التكفيرية .
ان تشكيل فيلق عمر الأرهابي يعتبر بمثابة مواجهة لفيلق بدر الشيعي وهذا ما تم الأعلان عنه رسميا ، والنتيجة هي ان يدفع المواطن العراقي تبعيات وتداعيات الممارسات الخاطئة لكلا الطرفين.
ان التشدد وعدم التسامح والغاء الأخر واطلاق التسميات لكل من يخالفهم الرأي وتكفير الأخر واتهام البعض بالزندقة او بالشيوعية او بالألحاد ومحاولة تهميش البعض الأخر من خلال حجب الوظيفة والمناصب عنهم وعدم احترام الحقوق الشخصية للمواطن وفرض الحجاب على النساء وقمع الشباب وتوجهاتهم بحجة العادات والتقاليد الأجنبية ومنع الفنون والمسارح والنشاطات الأجتماعية وفرض عادات وتقاليد بالية عفى عليها الزمن كل ذلك يؤدي الى تفاقم الوضع ويخلق حالة من الفوضى والأحتراب الطائفي والمذهبي والتذمر من قبل المواطنين مهما كانت التبريرات لتلك الأفعال .
ان البرامج الأسلامية والفكر الأسلامي المتنور والتعاليم الدينية السمحة لكل الأديان الأخرى لا غبار عليها ولكن ان يكون العراقي تابعا ومحكوما من قبل أناس متخلفين ومخبولين فكريا ويعيشون في القرون الوسطى ويصدرون أوامرهم وتعليماتهم من ايران ومن السعودية ومن باكستان ومن افغانستان ويريدون من العراقيين ان ينفذوا اوامرهم بحجة الدين أو المذهب ، هذا هو المرفوض بعينه من الشعب العراقي بكل فئاته وطوائفه واقلياته وعرقياته واثنياته المختلفة .
يبقى الدور الفعال للكورد وبقية الأقليات والأديان والطليعة المثقفة من العراقيين والأكاديميين والكتاب والعلماء للعب دورهم البناء في تفعيل التوازن الديمقراطي وادامة وصيانة الحريات العامة والحريات الشخصية من خلال موازنة المواقف بين الجهات المحتربة من جهة وبين الوصول الى أهداف الشعب العراقي من جهة واهداف الشعب الكوردي ضمن عراق فدرالي ديمقراطي متوازن في سياساته وتطلعاته ونهضته وتقدمه بعد كل ما ألم به من جراح أثخنت جسده المنهك بحروب طاحنة وقاسية شغلته عن مسيرة النهضة العلمية والصناعية والعمرانية طيلة أربعة عقود من الصراع الدامي .
ان القضاء على الجهل وترك السلاح جانبا ومحاربة الفساد والمحسوبية والمنسوبية والرشوة وتعويض المتضررين وتعويض ذوي الشهداء وتكريم المعوقيين والسجناء السياسيين واعادة المفصولين الى وظائفهم ومعاقبة المجرمين وملاحقتهم قضائيا وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص واعتبار العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات ووضع اصحاب الكفاءات في اماكنهم الصحيحة وابعاد العناصر المنافقة والجهلة من القيادات السياسية والأدارية وابراز الجانب الوطني وزرع روح التعاون والتآزر والتآخي بين الأقليات والمذاهب والاديان ستؤدي الى صيانة العراق وبناء مستقبله وبعكس ذلك لن نحصد الا المزيد من الجراح والألم والقتل لأبناء شعبنا بكل مكوناته .
ضياء السورملي – لندن
www.kadhem.net