الكرد الفيليون والتجارب الكيمياوية- حديث مع عدنان الفيلي (
1-2 ) - ضياء السورملي
[15-10-2005]
في هذا اللقاء نتحدث مع أحد المناضلين من ابناء الكرد الفيليين الناجين من
سجون النظام العفلقي الصدامي ومن جريمة التجارب الكيمياوية وهو الأخ عدنان
رضا الفيلي الذي قضى فترة تزيد على سبع سنوات في زنزانات النظام الصدامي
ويعتبر كلامه هذا من الحقائق المهمة ووثيقة دامغة لشاهد عيان نجى من زنزانات
النظام وبامكان المحكمة التي تنظر في جرائم صدام أن تأخذ أقواله باعتبارها
شهادة حية على الجرائم التي مورست بحق أهلنا وأخوتنا من الكرد الفيليين
وغيرهم من العراقيين مثلما يحدثنا عنه السيد عدنان رضا من خلال هذه التساؤلات
التي اجاب عنها مشكورا
س 1 : هل لك ان تحدثنا عن الأيام الأولى التي تم تسفيركم فيها ؟
ج : بدأت الحملة الظالمة من التسفيرات على أهلنا وأبناءنا وأخواتنا وإخواننا
من الكرد الفيليين وغير الفيليين من العرب والتركمان الشيعة وبعض الأفراد من
التبعية الهندية في بداية سنة 1980 وكانت قد سبقتها حملات اخرى في مطلع
العشرينات من القرن العشرين ثم تلتها حملات اخرى في الخمسينات وفي الستينات
وفي السبعينات ولكن ما جرى بحقنا نحن الكرد الفيليين كان الذروة في حملات
التسفيرات القسرية والنهب المبرمج لممتلكاتنا وأموالنا في فترة الثمانينات من
القرن العشرين
س 2: ذكرت ان معكم محجوزون من التبعية الهندية هل لك ان توضح ذلك رجاءً ؟
ج : نعم لقد حجز النظام مجموعة من العراقيين بحجة التبعية الهندية او التبعية
الباكستانية او التبعية الروسية ولقد كان معنا شخص اسمه الأخ عماد أتهم بانه
من التبعية الهندية وكان يلقب بأبي لميعة ولقد فقد الأخ عماد الأتصال بعائلته
وكان شديد التعلق بابنته لميعة وقد قرر اطلاق لحيته وعدم حلقها حتى يلتقي
بابنته الوحيدة لميعة ومما يجدر الأشارة اليه ان الزيارات كانت ممنوعة علينا
وقد بقيت الزيارة ممنوعة من تأريخ 31/1/ 1982 ولغاية 14/1/ 1985
س 3: ما هو الأسلوب الذي كان يتبعه النظام الصدامي العفلقي لعمل حملات
التسفير والإبعاد بحق الكرد الفيليين ؟
ج : إن أزلام المجرم صدام وأجهزته القمعية ووسائل أجهزة الأمن والمخابرات
والشرطة وما يسمى بالجيش الشعبي الذي كان يقوده المجرم طه الجزراوي وغيرها من
الأجهزة القمعية التي كانت تستخدم كل الأساليب الوحشية من مداهمة البيوت ليلا
وبدون سابق انذار ومداهمة المحلات والمعامل وحجز الشباب الذين عمرهم بين ستة
عشر عاما وخمسة واربعين عاما أي السن القانونية للخدمة العسكرية وفي هذه
المرحلة بدأت مصادرة الأملاك وألاموال وتسفير النساء أواغتصابهن
وتسفيرالأطفال خارج الحدود العراقية باتجاه الحدود الأيرانية وتحت وابل من
نيران المدفعية وقصف الطائرات والصواريخ
س 4: بعد ان يتم التسفير الى اماكن وبلدان غير معروفة لكم ما هو المصير الذي
تواجهونه ؟
ج: ان تسفيرات اهلنا كانت تؤدي بنا الى نهاية غير معروفة وتذهب بنا الى مصير
مجهول وهنا أود أن أذكر بأن الضمير العالمي كان غائبا عنا وإن العالم
الأسلامي والعالم العربي كانا في غيبوبة عن الجرائم التي ألمت بنا ولم يحرك
هذان العالمان ساكنا بحق المأساة التي ألمت بنا لا من قريب ولا من بعيد بل إن
أغلب هذه البلدان كانت تساند النظام الفاشي البعثي الصدامي والبعض الأخر شارك
معه في الجريمة واستفاد من الدعم المادي والأموال التي كان يغدق بها النظام
عليهم
س 5 : اين هو دور الأعلام من هذه الجريمة ؟
ج : لقد كان الأعلام العربي والأسلامي صامتا صمتا مطبقا لأن الجريمة كان يقوم
بها نظام عربي ومسلم مثلما يدعي ومثلما يقولون ويطبلون ويؤيدون ويساندون
ويصفقون لهذا النظام الفاسد والذي استطاع أن يشتري الذمم ويقمع الأفواه
بالأموال والسلاح
س 6: برأيكم لماذا لم يقف رجال الدين معكم أو لماذا لم يستنكروا هذه الجرائم
البشعة ويعلنوا عدم رضاهم على أقل تقدير ؟
ج : ان معظم رجال الدين كانوا يطبلون ويمجدون لنظام الطاغية لأنهم كانوا
يعتبرون النظام ممثلا لأفكارهم والحقيقة هي أن النظام ومخابراته إستطاعت أن
تجند جيشا من رجال الدين من الذين لم يكن لهم أي هم او إهتمام بشؤون الناس
وإنما همهم الأول هو إشباع رغباتهم وملئ جيوبهم وأنا شخصيا أستغرب واقول اين
هو إسامة بن لادن الذي يدعي الإسلام لماذا لم يرفع صوته ولوبمجرد صوت
لإستنكار أو شجب ولم نطلب منه أن يرفع أو يرمي مادة متفجرة مثلما يفعل هذه
الأيام من تفجير بحق الأبرياء حاليا اين هو اسامة بن لادن وكل الأحزاب
الأسلامية من التجارب الكيمياوية التي حدثت بحق الكرد الفيليين وغير الفيليين
من أبناء الشعب العراقي وهنا أود أن انوه عن الدور الأيجابي لقلة قليلة من
رجال الدين الذين وقفوا وساندوا أهلنا وهم ايضا تعرضوا مثلنا للقمع والتنكيل
نتيجة لمواقفهم النبيلة
س7 : ذكرت اكثر من مرة التجارب الكيمياوية هل ان جميع من تم اعتقالهم قد جرت
عليهم التجارب الكيمياوية ؟
ج : لا ليس جميع الكرد الفيليين جرت عليهم التجارب الكيمياوية ولكن عدد كبير
منهم ووجبات عديدة قد أجريت عليهم وجربت بهم وبأجسادهم التجارب الكيمياوية
والبقية ممن لم يتم إجراء التجارب عليهم قد قتلوا ودفنوا في المقابر الجماعية
وهذه المقابر إنتشرت في معظم انحاء العراق مضافا اليها المقابر الجماعية بحق
الكرد في كردستان ويقدر عددهم بما يزيد على مائة وثمانين ألفا من الكرد مضافا
اليهم أكثر من عشرة الأف شاب كردي فيلي ولا ننسى المقابر الجماعية بحق الشيعة
العرب في وسط وجنوب العراق وهم يقدرون بمئات الآلاف من مختلف الأعمار نساءً
ورجالا وأطفالا ومقعدين وعجزة وهنا يحق لنا التساؤل والأحتجاج والصراخ أين هم
رجال الدين ومبادئ الأديان وقيمها وأين هي المنظمات الأنسانية وحقوق الأنسان
والمنظمات الخيرية والأمم المتحدة ومبادئها السامية
س 8 : لماذا لم تنشر هذه المذكرات في وقت سابق ؟
ج : كان بودي نشر هذه المعلومات المهمة وما أحمله من ذكريات عن سجون وزنزانات
المجرم صدام وأعوانه الساقطين والمجردين من كل القيم الأخلاقية ولكن للأسف لم
أستطع ان أوصل رسالتي الى الآخرين إلا بعد أن إزداد الوعي الأعلامي وأنتشر
بشكل ملحوظ إستخدام وسائل الأعلام المختلفة ومنها الصحف وشبكة الأنترنتيت ومع
ذلك فان الناس المقربين مني وأصدقائي على علم ومعرفة بما كنت اخبرهم به من
معلومات وإن ما فعله النظام بنا وباهلنا وناسنا وعوائلنا مطبوع في ذاكرتي
وانا أقوم بفضح ممارسات النظام وأعماله وما قام به بشكل مستمر وهو أمر مكمل
لما كنت اقوم به سابقا من نشاطات ضد السلطة الغاشمة التي حكمت العراق بالحديد
والنار ومع ذلك فقد أستطعت نشر هذه المذكرات وبصورة مختصرة في احدى الجرائد
السويدية في مدينة يوتوبوري – غوتنبرغ
س 9 : كيف تم إلـقاء القبض عليك في فترة الثمانينات وما هي الأساليب التي
اتبعها معك النظام الفاشي الحاكم في العراق ؟
ج : بتاريخ 28/1/ 1982 اتصل بي ضابط أمن من معاونية أمن قناة الجيش في حي 14
تموز طالبا مني التعاون مع جهاز الأمن العام او المخابرات العامة وهدفهم
وغايتهم من ذلك كان إرسالي الى خارج العراق من أجل التجسس على أبناء قوميتي
وأخوتي وأحبتي وأعزائي من الكرد والعراقيين في بلدان اوربا وبعض الدول
العربية ، كان الموقف صعبا للغاية بالنسبة لي في هذا الوقت وفي هذا المكان
الكريه ذو السمعة السيئة والذي لا يمت للأمن ولكلمة الأمن بأي صله حيث ان
الأمن تعني اشاعة الأمان والطمأنينة في نفوس الأخرين بينما في قاموس النظام
العفلقي الصدامي هو إشاعة الخوف والرعب والويلات والدمار والدفن في مقابر
جماعية وفي أحواض التيزاب ، لقد حاولت التملص من الأجابة وتجنب المواجهة
المباشرة واستخدام الرد المعقول فقلت له ان زوجتي حامل في شهرها الأخير ولا
أستطيع تركها والذهاب في مثل هذه المهمة فقال لي ضابط الأمن عليه يتوجب على
أخيك الأصغر عادل أن يذهب بدلاعنك وبعكسه اذا لم تستجيبوا أو تتعاونوا معنا
سنقوم بهجم بيتكم على رؤوسكم ، لقد رفض اخي عادل تهديدهم رفضا قاطعا من دون
أي نقاش أو تقديم اي عذر لهم ، وبعد أربعة ايام أي بتاريخ 31/1/1982 داهمتنا
مفرزة من معاونية أمن القناة وهاجموننا في بيتنا الواقع في حي الجميلة لكي
تبدأ رحلة عذاباتنا الشاقة في سجون وزنزانات النظام البعثي المقبور
س10: كيف كانت ظروف حجزكم في دوائر الأمن وهل كنت لوحدك ؟
ج: لم أكن لوحدي بل كانت عائلتي وأهلي معي ولقد قضينا الليلة الأولى في
معاونية أمن القناة وفي صباح اليوم التالي تم ارسالنا جميعا الى مديرية أمن
صدام في شارع فلسطين قرب ساحة بيروت . تم حجزي مع اخي الشهيد المرحوم محمد
وهو من مواليد 1960 حيث كان في العشرينات من عمره شابا في ريعانة شبابه وقد
غدر به أزلام النظام مع بقية رفاقة بتأريخ 29/5/ 1986 وكانت حجتهم في قتله
أنه يعمل مع حزب معادي لحزب النظام العفلقي الصدامي المجرم
لقد فصلنا وعزلنا عن أهلنا انا واخي الشهيد محمد وتم إرسال باقي أفراد عائلتي
وأهلي الى التسفيرات وكان أخي عادل وهو من مواليد 1955 يعمل مع خالي علي ياره
عباس الجابري في محافظة الديوانية وقد تمكنت من إرسال خبر له بان يترك العمل
ويتوجه الى ايران لأن أهلي سيتم تسفيرهم الى إيران وفعلا استطاع عادل من
الذهاب الى ايران عن طريق كردستان وبمساعدة خالي وزوج خالتي عبد الجبار علي
أصغر عند وصول عائلتنا الى ايران كان اخي عادل باستقبالهم هناك
س11 : ماذا حصل لك ولأخيك الشهيد محمد عندما لم يتم ارسالكما مع أهلكم
وعائلتكم الى إيران ؟
ج: بدأت رحلة العذاب بالنسبة لي وأخي محمد عندما فصلنا عن أهلنا وعزلنا عنهم
بتاريخ 31/1/1982 حيث عصبوا أعيننا بقطعة قماش وربطوا أيادينا الى الخلف
وأجلسونا على مقاعد دراسية خاصة بالأطفال وأمرونا ان نضع رؤوسنا على هذه
الرحلات المدرسية وعدم رفعها وان لا نتكلم مع بعض وعندما يحين وقت الأكل وهو
وجبة واحدة في اليوم او عندما نذهب لقضاء حاجاتنا يتم ربط أيدينا الى الأمام
ثم نعود الى أوضاعنا السابقة مرة أخرى ، بقينا على هذا الوضع لمدة ثلاثة أيام
وكل من يخالف هذا الأمر يضرب بالسلك (كيبل) من قبل الحرس الذي يراقبنا
بعد هذه الأيام الثلاثة تم نقلنا الى زنزانات مديرية الأمن ، حيث أصبح وضعنا
أكثر سوءا وتم حجزنا في في غرفتين صغيرتين بقياس 4X4.5 متر و 5X5.5 متر ولقد
وضع في الغرفة الأولى ستون شخصا وفي الثانية ثمانون شخصا وكانت توجد بين
الغرفتين فسحة من المكان بمساحة 1.5X1 متر وكنا انا واخي فيها مع عشرين شخصا
اخر اي كان مجموعنا 22 محتجزا وبقينا في هذه الغرفة لمدة ثلاثة اشهر من دون
ان تتوفر لنا اي وسائل عناية ولم يلامس جسدنا الماء ولم نعرف لون الصابون او
شكله ، غزا اجسادنا القمل والوسخ وسمح لنا ان نغسل اجسادنا بالماء البارد
لمرة واحدة فتمرضنا جميعا بسبب البرد ،اما الأكل فكان رديئا وقليلا جدا .
ولكم ان تتصوروا كيف كان يعيش 22 نفرا في غرفة صغيرة بمساحة متر ونصف مربع
فقط وليس بها تهوية ولا إضاءة ولا اية مستلزمات صحية ، لم يكن باستطاعة اي
منا النوم او ان يمدد ارجله واصبنا جميعا بالأمراض والتعب والأرهاق والأعياء
س 12 : من المعروف أن نهج وسياسة مديرية الأمن في زمن الطاغية المجرم صدام هي
نقل السجناء من مكان الى آخر بشكل مستمر وطمس المعلومات عن أماكن حجزهم عن
ذويهم وأقاربهم ، هل مورس هذا الشئ بحقكم ؟
ج: نعم وهذا صحيح جدا ، لقد تم نقلنا بعد الأشهر الثلاثة الأولى من حجزنا الى
منزل أحد الكرد المسفرين وجعلوا من مسكنه بناية لمديرية أمن صدام في حي
الجميلة وهو مسكن السيد عبد علي تشمال المكنى بأبي دلير أو أبي رعد ، وضعونا
في سرداب المنزل اما المرآب فقد حولوه الى زنزانة لبقية الموقوفين السياسين
الآخرين وبعد يومين نقلونا الى أمن الزعفرانية ومن ثم أعادونا الى مديرية
الأمن في حي الجميلة من جديد وبعد اسبوع تم نقلنا الى البناية القديمة في
شارع فلسطين التابعة لمديرية أمن صدام وهي بالقرب من ساحة بيروت في بغداد وقد
حولوا هذا المبنى الى مجمع لحجز الشباب الكردي الفيلي وكان رجال الأمن
ينادوننا او يسموننا بالمحجوزين من الشباب الأيرانيين
س13: هل بالأمكان ان تذكر لنا عدد المحجوزين في هذه الزنزانات أو مراكز حجز
الشباب ؟
ج: في بداية شهر نيسان من عام 1982 بلغ عددنا في هذا المجمع 700 محتجز وقد
صدر أمر باخلاء سبيل كل من سفرت عائلته حسب إدعاءاتهم ولا ندري مدى صحة إخلاء
سبيلهم أو تصفيتهم لاحقا ولقد بقينا حوالي 114 شخص محتجز لغاية شهر تموز من
عام 1982 وبعدها نقلنا الى معتقل الفضيلية السئ الصيت ، كان وضعنا أفضل نوعا
ما من حيث تعرضنا للشمس والتهوية ووجود الماء الحار وأستطعنا أن نداوي الجروح
والتقرحات التي اصابتنا من الزنزانات السابقة وبهذا استطعنا ان نستعيد جزءا
من عافيتنا ومقاومتنا للظروف السيئة التي مرت بنا سابقا
س 14 : هل كان مسموحا للزيارات العائلية او الأتصال بالأقرباء أثناء وجودكم
في معتقلات الحجز ؟
ج: سؤال جيد كنت أود ذكره ، في الحقيقة لم نتمكن من اللقاء بأي من عوائلنا أو
الأتصال بأي شخص من اقاربنا وقد كنا مقطوعين تماما عن أية أخبار تصلنا بذوينا
وأهلنا خارج عالم السجن وقد مضى على حجزنا حوالي السنة ، الوسيلة الوحيدة
التي نجحنا فيها بأن نتصل بأقاربنا هي عن طريق بعض المحجوزين من العراقيين في
القسم الثاني من معتقل الفضيلية والذي كان مخصصا للهاربين من الخدمة العسكرية
وكان مسوح لذويهم ان يتصلوا بهم وبدورنا كنا نحاول ارسال الرسائل عن طريق
هؤلاء المساجين ، حيث كانت تصلنا بعض الرسائل او الراديوات الصغيرة وبعض
الحاجيات الضرورية البسيطة وهذه كانت خاضعة لمحاولات مضنية وتوسلات بهذا او
ذاك من أجل توصيل خبر أو استلام رسالة إطمئنان من أهلنا أوأقاربنا وكانت
مصحوبة بمخاطر ومجازفات لأنها ربما تؤدي الى الهلاك وعقوبة الأعدام
ضياء السورملي
kadhem@hotmail.com
www.kadhem.net
|