الكرد الفيليون والتجارب الكيمياوية- حديث مع عدنان الفيلي ( 2-2 )
في هذا اللقاء نتحدث مع أحد المناضلين البيشمركة من ابناء الكرد الفيليين الناجين من سجون النظام العفلقي الصدامي ومن جريمة التجارب الكيمياوية وهو الأخ عدنان رضا الفيلي الذي قضى فترة تزيد على سبع سنوات في زنزانات النظام الصدامي ، حيث يعتبر كلامه هذا من الحقائق المهمة ووثيقة دامغة لشاهد عيان نجى من زنزانات النظام وبامكان المحكمة التي تنظر في جرائم صدام أن تأخذ أقواله وشهادته باعتبارها شهادة حية على الجرائم التي مورست بحق أهلنا وأخوتنا من الكرد الفيليين وغيرهم من العراقيين مثلما يحدثنا عنه السيد عدنان رضا من خلال هذه التساؤلات التي اجاب عنها مشكورا
س 15: نحن نعرف ان أغلب المعتقلين من الكورد الفيليين كانوا موزعين في العديد من المعتقلات والسجون ، نرجو ان تحدثنا عن سجن ابو غريب اولا ومن ثم نأتي على باقي السجون والمعتقلات الأخرى التي كنت فيها
ج: تم بناء سجن ابو غريب في عام 1964 وبدأ بارسال السجناء
اليه من مختلف انحاء العراق في شهر آذار من سنة 1970 وسمي بسجن الباستيل
العراقي لبشاعة المعاملة فيه ولكبره وحصانته ، هذا السجن بني على مساحة كبيرة
تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين ونصف متر مربع ويستوعب حوالي 4600 نزيل او سجين
وفيه قسم خاص لسجناء الأحكام الطويلة ويتسع هذا القسم الى حوالي 1300 سجين
اما قسم الأحكام القصيرة او السريعة والتي ينفذ بها حكم الأعدام الفوري او
بمحاكمة قصيرة فيبلغ عدد النزلاء به حوالي 1250 سجينا يتبدلون بين حين واخر
نتيجة التصفيات المستمرة في هذا القسم ويوجد قسم اخر او قاطع اخر خاص للسجناء
من الذين يتم حكمهم بالأحكام الخاصة ويتسع هذا القسم الى 1300 سجين كما يوجد
قسم خاص بالسجناء غير العراقيين او السجناء الأجانب ويتسع هذا القسم الى 500
سجين وهناك قسم آخر يسمى بقسم الأفراج الشرطي ويتسع الى حوالي 250 سجين او
نزيل والمهم ومن الضروري ان انوه بان بعض القواطع يتم حشر ضعف الطاقة
الأستيعابية لها مما يتسبب في العديد من المشاكل الصحية للسجناء وخصوصا في
اشهر الصيف ذات الحرارة الشديدة وكذلك في اشهر الشتاء ذات البرودة القارصة
علما بان اي مستلزمات صحية غير متوفرة في هذا السجن السئ الصيت للغاية ، سمي
هذا السجن باسم أبو غريب لأنه بني في منطقة أبو غريب الزراعية المعروفة
والواقعة شمال بغداد وقد قامت شركات اجنبية بانشاء هذا السجن لقد نص قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لسنة 1969 على عقوبة الاعدام التي كانت تجري عادة في سجن ابوغريب فاذا كان المتهم مدنياً يعدم شنقاً حتي الموت وفق المادة القانونية المذكورة ، واذا كان عسكرياً فانه يعدم رمياً بالرصاص واحياناً كانت عمليات الاعدام تجري خارج السجن بصورة علنية لأسباب خاصة وبموجب أمر التنفيذ الصادر من وزير العدل حيث يبلغ المتهم بالاعدام قبل يوم من تنفيذ حكم الاعدام بحقه.
في شهر كانون الثاني 1984 نقلنا الى سجن أبو غريب المركزي ـ ملحق 7 وقاطع 7 و8 وتم إضافتنا الى بقية اخوتنا المحجوزين وكان عددنا الأجمالي في هذه القواطع فقط حوالي 1600 شخص محتجز
كان سجن أبو غريب من السجون المعروفة بشدة الحراسة وقسوة الأجراءات وصرامتها وبؤس المعاملة وعدم توفر اية شروط انسانية او صحية مطابقة لأي سجن من سجون العالم مثلما وضحت سابقا ، لقد كان معتقلا يمثل بالنسبة للسجين نهايتة ومصيره الأكيد نحو الهلاك والموت البطئ ، لقد سمح لنا بمواجهة عوائلنا وسمح للزيارات بعد فترة طويلة من الأعتقال وفي فترات طويلة متباعدة تصل الى السنة في بعض الأحيان او أكثر ، لقد كان كل شئ في سجن أبو غريب سيئا من وجبة الأكل الى المرافق الصحية والحمامات والتهوية والحر المميت في الصيف حيث تصل درجة الحرارة الى خمسين درجة مئوية في شهر تموز وتصل الى تحت درجة الأنجماد في شهر كانون الأول وكانون الثاني اضافة الى الرطوبة العالية ، لقد كنا مكدسين في غرف صغيرة وكان يصل عددنا في الغرفة الواحدة بحدود 25 شخص او اكثر ولكي اصور لكم الحالة التي كنا فيها وأرسمها لكم بشكل واضح وهي أن الشخص لا يمكنه أن ينام على ظهره وإنما يجب ان ينام على جنبه لكي يفسح المجال لزميله ان ينام ، لقد كنا مكدسين في غرف تشبه علب سمك السردين
حاول العديد من المحجوزين الأنتحار وإنهاء هذه الحالة بالنسبة لهم ولكننا كنا نشد من أزر بعضنا البعض ونمنعهم من ذلك ، لقد قرر أحد المحجوزين وزميل له أن يفرا من السجن ، حيث استطاع كل من الأخ زيدان والأخ فلاح من الحصول على مبرد حديد وبدأوا بقطع القفل الذي يغلق باب السجن ( السركي الحديد ) وكانوا يحاولون قطعه ببرده ليل نهار وبعد ان نجحوا في قطعه وعملوا الترتيبات اللازمة حيث عملوا سلم من حبل من الملابس واستطاعوا من تجاوز وعبور اكثر من حاجز وسور عال ٍ وبعد ان تسللوا من الساحة المحاطة بالسور المشبك وهو من الأسوار العالية جدا ايضا استطاعوا ان يجتازوا السور الخارجي والذي يبلغ طوله حوالي سبعة امتار وهذا السور كان يؤدي بهم الى خارج السجن وفعلا نجحوا باجتياز هذا السور ولكن الحظ لم يحالفهم حيث هاجمتهم الكلاب السابئة المحيطة بالمنطقة مما أثار انتباه الحرس وتم القاء القبض عليهم وتم تعذيبهما بقسوة ووضعوهما في سجن انفرادي لفترة معينة وبعد ذلك تم ارجاعهما الى الزنزانات التي كنا محجوزين بها
س16 : وماذا عن سجن نقرة السلمان او قلعة السلمان ، اين يقع هذا المعتقل وكيف تتم معاملة المعتقلين فيه ومن هم المعتقون الذين يتم ارسالهم الى هذا المكان وهل صحيح انه يسمى المنفى او مكان للنفي والابعاد مدى الحياة ؟
ج: نقرة السلمان قلعة حصينة وسط بادية السماوة ، جنوب غرب العراق وقريبا من قضاء السلمان في وسط الصحراء الغربية القريبة من الحدود السعودية ، كان يحرس هذا المكان شرطة حرس الحدود وعند وصولنا الى سجن القلعة كان الحرس قد بلغوا باننا من الأسرى الأيرانيين ولكن عندما تكلمنا معهم باللغة العربية تيقنوا من اننا عراقيون وان الحكومة المركزية واجهزة الأمن قد ضللتهم ومن هنا تعاطف الكثير من هؤلاء الحرس معنا في البداية وعاملونا معاملة حسنة عند وصولنا
لقد هيأ لنا أزلام النظام وضعا لابأس به في السجن مقارنة مع بقية السجون التي اعتقلنا بها ووفروا لنا المستلزمات اللازمة لنبقى لفترة طويلة في هذا المعتقل او المنفى الدائمي او الزنزانة الأبدية لأنه لا خيار للنزيل في نقرة السلمان اما الأقامة الدائمة في هذا السجن حتى الوفاة او ان تتم تصفيتك فيما بعد وبما كان يعرف في عرف النظام العفلقي المجرم غسل وتنظيف السجون اي ابادة كل من يريدون ابادته وتصفيته من المسجونين
لقد وفروا لنا كل شئ من وسائل الترفيه والرياضة ولوازم الطبخ والتلفزيونات والمبردات والثلاجات وحتى كان مسموحا لنا بتربية الطيور والدواجن في داخل السجن وان كل ذلك كان مدروسا ضمن خطة خبيثة ولئيمة لتصفيتنا وابادتنا بعد ان يتم تسميننا وتربيتنا مثل الدواجن والأبقار الحلوبة لكي يتم الأستفادة من دماءنا واجسادنا فيما بعد لغرض اجراء التجارب الكيمياوية والتجارب البيولوجية على الدماء التي تسحب من اجسادنا وأجساد أبناءنا وأخوتنا وأهالينا الذين زج بهم في هذا المعتقل الرهيب
لقد زارنا محافظ المثنى في تلك الفترة وكان يدعى مزهر مطني عواد وقال انه جاء بامر الرئيس العراقي المجرم صدام حسين وقال ان زيارته هذه جاءت بالنيابة عن رئيسه وانه يمثل الرئيس وهو يحمل رسالة من رئيسه مفادها صدور أمر وقرار بالعفو عنا وسيتم اطلاق سراحنا وقال لنا باننا ابناء هذا الوطن ، بعد ذلك جاءنا ضابط أمن ويدعى المقدم أبو سيف من مديرية الأمن العامة وقال باننا سنخرجكم من السجن بكفالة مالية فرد عليه احد المحجوزين بانه لم يبق له اي قريب او صديق في العراق وان جميع اهله واقاربه قد تم تسفيرهم الى خارج العراق الى ايران ولا يوجد لديه أحد لكي يقوم بكفالته فرد عليه ضابط الأمن بانه سياتي بشخص من الشارع او من المارة وسيقوم بكفالته ويخرج من السجن
س 16 : ما هي حقيقة انخراط الكرد الفيليين في معسكرات ما يسمى بالجيش الشعبي للنظام العفلقي ؟
ج: في يوم 1/11/ 1985 وزعوا علينا ملابس ميليشيات النظام العفلقي او ما يسمى بالجيش الشعبي وساقونا بسيارات تسع لثمانية عشر راكبا تعرف في العراق بانها سيارات كوستر وهي سيارات يابانية الصنع لونها ازرق وهي حافلة متوسطة الحجم لنقل الركاب ، كانت الوجبات التي يتم نقلنا بها من القلعة أو نقرة السلمان تتكون من 100 شخص محجوز ويتم نقلنا على شكل قافلة من السيارات وبحراسة مشددة ، تم سوقنا الى معسكر أمني تابع الى قوات الطوارئ التابع الى مديرية الأمن العامة وهذا المعسكر يقع على بعد كيلومتر واحد بالجهة الغربية من فندق الحبانية السياحي المطل على بحيرة الحبانية في الجزء الغربي من العراق ، لقد بدأوا فعلا بتدريبنا على السلاح الخفيف وكيفية استعماله ولكن من دون ان يكون اي عتاد داخل سلاح التدريب وبعد فترة وجيزة انضم الينا مجموعة اخرى متكونه من خمسين محتجزا ليصبح مجموعنا الأجمالي 150 محجوزا وكنا جميعا من المحجوزين من الكرد الفيليين
استمر تدريبنا الى ان جاءنا ضابط أمن من مديرية الأمن العامة ومعه قائمة باسماء عشرين شخصا من المحجوزين وانا كنت من ضمن هذه القائمة من الأسماء وقال سنرسلكم الى الدائرة ويقصد دائرة الأمن العامة وعند الأستفسار عن سبب ارسالنا الى هناك قال سنصدر لكم شهادة الجنسية العراقية ونخرجكم من السجن او الحجز وهنا تصدى له احد المحجوزين واسمه أكرام ابراهيم وهو اخو غازي ابراهيم واخرج شهادة جنسية عراقية من جيبه وقال انا عندي شهادة جنسية عراقية ولا احتاج الى اي شهادة جنسية اخرى وهنا صاح به سوف نخرج لك واحدة اخرى جديدة وكعادة البعثيين وازلام النظام العفلقي فاقدي المصداقية والشرف فانهم نقلونا الى مديرية الأمن العامة وزجوا بنا في دهاليز وزنزانات الأمن العامة مرة اخرى واستمر حجزنا من دون أن نعرف السبب لمدة سنة كاملة اخرى وكانت ظروف حجزنا سيئة جدا ولم نتمكن فيها من رؤية النور او سماع صوت بشر او ان نشاهد وجه وشكل السماء أو لونها لقد كنا معزولين عزلا تاما عن كل شئ
س 17 : ماذا حصل لكم بعد هذه السنة من الأعتقال التعسفي ؟
ج: في نهاية شهر كانون الأول من سنه 1986 تم نقلنا الى معتقل الفضيلية وفي زنزانات الأمن العامة ـ الشعبة السياسية وبقينا في هذا المعتقل لمدة سنة كاملة اخرى ، كانوا يعرضون علينا التعاون مع الأجهزة الأمنية واجهزة المخابرات القمعية وقد رفض معضمنا من التعاون معهم لأنهم معروفين بغدرهم وخستهم وحقارتهم واجرامهم أما النفر القليل الذي انهار واستجاب اليهم فانهم ذهبوا ولم يعودوا ولا نعرف ما هو مصيرهم او ما حصل لهم ، المهم ان احدا لم يخرج من المحجوزين ابدا
في بداية سنة 1987 بدأت المرحلة الثانية او الدورة الثانية من التعامل مع الكرد الفيليين حيث كانت اجهزة النظام العفلقي تأتي وتأخذ المحجوزين على شكل وجبات لكي تختفي اثارهم والى الأبد وهنا بدأ القلق يساورني على مصير اخي الذي كان محجوزا معنا وسألت احد الضباط وهو برتبة نقيب ويدعى النقيب احمد وهو من أهالي النجف عن مصير اخي واين اخذوه فاخبرني بانه في قاطع الجيش الشعبي المرقم 65 وبعد مدة اعدت السؤال عليه عن مصير اخي محمد فقال بصوت فض وبوحشية اذا لم اسكت او اذا سألت عليه مرة اخرى فانه سيرسلني اليه وساواجه نفس مصيره وهنا عرفت انه في مكان سئ وان امورهم واحوالهم في حالة تعيسة
عند اشتداد القصف الأيراني على بغداد وازدياد الطلعات الجوية الأيرانية على بغداد تم نقلنا الى قلعة السلمان مرة اخرى لنلتقي ونلتحق من جديد باخوتنا المحجوزين هناك مرة اخرى ولتبدأ مرحلة النفي والعذاب من جديد ولم تمض فترة طويلة على اعتقالنا في معتقل نقرة السلمان حتى تم نقلنا من جديد الى مديرية أمن الديوانية وكان عددنا 35 محجوزا وتم توزيع بقية المحجوزين على مديريات الأمن في كل من النجف وتكريت والحلة وبعد ذلك تم ارجاعنا الى مديرية الأمن العامة السيئة الصيت في بغداد وبعد شهر من التحقيق والتعذيب والأهانات في مديرية الأمن العامة تم نقلنا الى سجن ابو غريب قسم الأحكام الخاصة وهو القسم الخاص بالمحكومين السياسيين
س 17 : متى تم الأفراج عنك وهل صدر عفو عن جميع المحجوزين من الكرد الفيليين ؟
ج: لقد افرج عني انا ومجموعة صغيرة ممن كانوا معي بحجة ان لنا اقارب من الدرجة الأولى ممن يحملون الجنسية العراقية او كل من له زوجة في العراق وتحمل الجنسية العراقية وبهذا العذر تم الأفراج عني بسبب ان زوجتي كانت في بغداد وتمتلك الجنسية العراقية
س18 : ماذا كان مصير المحجوزين من الكرد الفيليين الذين لم تنطبق عليهم شروط الأفراج ؟
ج: ان كل محجوز لم تتوفر فيه شروط الأفراج قد تمت تصفيته ولقد كان اخي الشهيد محمد رضا الله كرم واحدا من هؤلاء الشهداء الذين لم يفرج عنهم النظام لأنه لم يكن متزوجا وان جميع اهلي واقاربي من الدرجة الأولى قد سفرهم النظام الفاشي الى خارج الحدود الأيرانية بحجة التبعية او بحجة عدم الحصول على الجنسية العراقية والتي اساسا صادرها النظام واعوانه ، اما المحجوزين الأخرين فقد تم سحب دماءهم واستخدمت اجسادهم كتجارب كيمياوية وتجارب بايولوجية وكانت مثرمة الكاظمية في دائرة المخابرات في الكاظمية شاهدا على تلك الجرائم حيث كانوا يرمون الأجساد الشريفة الطاهرة لأخوتنا واهلنا في نهر دجلة بعد ان يتم ثرم اجسادهم في مثارم ضخمة اعدت لهذه الجريمة البشعة اما الذين لم يتم استخدامهم في التجارب الكيمياوية والبيولوجية فقد تم قتلهم بشكل بشع وتم دفنهم في مقابر جماعية
هذا هو النظام وهذه هي بشاعته وهذه هي جرائمه التي انتشرت في المقابر الجماعية والتي بدأت تظهر ويتم اكتشافها بين الحين والحين وان الزمن قد تغير اليوم بعد ان سقط الطاغية وأعوانه في قبضة العدالة والقضاء العادل الذي سيسلط الضوء على جرائم الطاغية صدام ولن يفلت من العقاب العادل ولن تضيع دماء الشهداء الذين تم تصفيتهم على ايدي المجرمين والطغاة وساقوم بنشر تفاصيل اخرى من المعلومات الكبيرة التي في ذهني في مناسبات لاحقة
ضياء السورملي www.kadhem.net
|