حكومة الجعفري ورحابة الصدر الواسعة

 

 

ضياء السورملي - لندن

 

يبدو ان حكومة الجعفري بدأت تفقد صوابها او بدأت تفلت  من بين اياديها مقاليد الأمور السياسية والحكومية والوظيفية والأنتخابية على حد سواء  واصبحت هذه الحكومة من الضعف بحيث بدأت تتوالى عليها اللكمات من كل حدب وصوب ونحن لا نريد لها ولا نتمنى لها ان يعلن الحكم الأميركي بوش النتيجة النهائية بسقوطها بالضربة القاضية وان تكون الضربات الموجعة موجهه  كلها الى وجه رئيس وزراءها السيد ابراهيم الجعفري واركان وزارته

 

يبدو للوهلة الأولى لكل متتبع للسياسة في العراق ان اولى الضربات التي وجهت الى حكومة الجعفري هو ما حدث من انفلات مقومات التحالف بين الأتلاف الشيعي برئاسةرئيس الوزراء  السيد الجعفري والتحالف الكردستاني المتمثل بقيادة السيد رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني وذلك بسبب تلكؤ  السيد الجعفري في حسم موضوع ملف كركوك والتعاون في تنفيذ المواد القانونية المتفق عليها وخصوصا فيما يتعلق بالمادة  58 من قانون إدارة دولة العراق المؤقت

 

 

  هذا القانون المثير للجدل وخصوصا المادة 58 المتعلقة بالتطبيع في موضوع كركوك واهمال السيد الجعفري لهذا الملف المهم  وعدم انصافه المظلومين من المهجرين من ديارهم وانحيازه لملف كان للطاغية صدام دورا سيئا في ترتيبه ايام حكمه البائد

 

اما اللكمة الثانية فقد جاءت لحكومة  السيد الجعفري من مؤتمر القاهرة وخطابه العنتري اثناء افتتاح المؤتمر او الخطاب الذي اعادنا الى ايام خطابات ابو العلوج محمد سعيد الصحاف الذي كان يهذري بما يحلو له من الخطابات حتى اعتقد ان الناس تصدقه بعد ان اصبح اضحوكة القنوات الفضائية والناس في كل انحاء العالم ، وقع الجعفري بنفس الهوس الخطابي واخذ يتباهى وينفخ بنفسه ويزهو امام المؤتمرين في خطاب ارتجالي في مؤتمر القاهرة السئ الصيت والذي اعطى ثقلا في غير محله لاعداء الشعب العراقي بسبب عدم منطقية ودراية المؤتمرين بما يحاك ضدهم وضد رغبات الشعب العراقي من قبل أبطال القومية العربية من امثال عمرو موسى والدائرة الخفية بقيادة رموز المال واللهو والفساد العربي الحاكمة بقوة الحديد والنار في البلدان العربية المبتلية بهذا القطاع الواسع من الحكام الجهلة والممسكين بالسلطة الأبدية حتى وهم متوسدين على فراش الموت من امثال الرئيس الفلسطيني والملك السعودي والرئيس الجزائري والرئيس اليمني والقائد الشعبي الليبي وغيرهم من اصحاب التيجان والكراسي الدائمة

 

ولم يجف بعد حبر الخطاب الحماسي للجعفري في المؤتمر  حتى بدأت تصريحات المؤتمرين في القاهرة من اعضاء حكومة الجعفري بالتراجع  عن كل كلمة اتفقوا عليها وقالوها في خطاباتهم  بعد ان عرفوا ان ذلك مخالف لأوامر سيد البيت الأبيض  ومخالف لمن بيده الصاية والصرماية مثلما يقول العراقيون اي انه مخالف لارادة الأميركان وخصوصا ما يتعلق بجدولة الأنسحاب الأميركي من العراق والثروة والنفط والديون والسيادة والعلاقات التي تخص العراق وفقد الجعفري هيبته يوم عانق ممثل النفاق وراعي الجريمة المنظمة والمدافع الأمين عن قتلة الشعب العراقي المدعو الضاري ومن يقف وراءه ومن يدعمه ويسانده من الفاسدين واصحاب الكوبونات الصدامية والتي كانت تمثل مرحلة النفط مقابل تجويع ابناء العراق  

 

جاءت الصفعة الأخرى للسيد رئيس الوزراء عندما اراد ان يبين للكرد ان ملفهم كله بيد حكومته الموقرة وحرك بذلك بيدقا مهما هو الناطق الرسمي باسمه وهو السيد ليث كبه ليعلن في زمن غير مدروس وفي وقت لم يفهم منه احد لماذا اطلق مثل تلك التصريحات ضد الأستثمارات الكردية وضد القادة الكرد ومحاولة الطعن في مشروعية حكمهم  في منطقتهم واقليمهم الكردي والذين يديرونه بانفسهم من دون تدخل العرب العراقيين منذ ان انسحب الطاغية وتركهم من دون رواتب ومن دون ارتباط مع الحكومة المركزية

 

ادعى ليث كبه بانه سيفجر قنابله قبل الأنتخابات ويبدو  ان تلك القنابل قد انفجرت بوجه السيد رئيس الوزراء وبين ارجل السيد ليث كبة  عندما اراد الأخير ان يفجرها خصوصا وانه غير مختص بتفجير القنابل بقدر اختصاصه بتنفيذ الأوامر السيادية لا غير

 

لقد كانت زيارات السيد مسعود البارزاني لاميركا وعدد من الدول الأوربية واستقباله من قبل الرئيس الأميركي جورج بوش بمنزلة رئيس دولة  كانت بمثابة الرد القوي و الصفعة القوية بوجه السيد الجعفري وتصريحات مستشاره  ضد الكرد وحقوق الكرد ناهيك عن تراجع الجعفري عن ترديد القسم وعدم ايمانه بالفدرالية التي يطالب بها الكرد والتي تم اقرارها بالدستور هذا ما يجعل الكرد لا يثقوا بالسيد الجعفري ويجعلهم يعتقدون انه سوف يتم التراجع عن مبدا  الفدرالية  في حال تعيين الجعفري رئيسا للوزراء مرة اخرى وتحالفه مع التيار الصدري والذي يقف بشكل صارخ ضد تطلعات الكرد في الفدرالية وبذلك يعود العراق الى نقطة البداية والى مربع الصفر والى زمن معاهدة الجزائر ولكن هذا صعب الحدوث بسبب قوة الكرد في هذه المرحلة وتلاحمهم مع بعض اضافة الى التفهم والاسناد الأميركي لهم ولقضيتهم مما يجعل الجعفري شخصا غير مرغوبا به لتشكيل الحكومة القادمة  

 

اما الضربة التالية التي تلقتها حكومة الجعفري ضمن سلسلة الضربات هو ملف حقوق الأنسان والكشف عن مخابئ ومعتقلات يتم فيها انتهاك صارخ لحقوق الأنسان العراقي من قبل اقبية الداخلية ووزارة الدفاع والعلاقات مع مخابرات دول مجاورة لعبت دورا سيئا في ترتيب اوضاع البيت العراقي وفرضت لبس السواد على الناس والزمت الرجال بإطالة اللحى وجعلت همهم الأول والأخير هو اللطم والبكاء العلني في المساجد والحسينيات والشوارع العامة وخلق المناسبات الكثيرة لذلك وكذلك فرض عبادة وتقديس الأشخاص والعوائل بحجة او باخرى وباسلوب مشابه لما كان يفعله صدام من تفضيله لعشائر تكريت والدليم والجبور وغيرها من العشائر التي كانت موالية لحكمه وتصفق له ولاعوانه

 

ثمة ضربة اخرى وجهت للجعفري وحكومته هو عدم تمكنه من اعادة الاموال المسروقة من المسؤولين الكبار الذين حكموا في الدولة سواء اثناء فترة حكمه او قبل فترة حكمه رغم انكشاف هوياتهم وجنسياتهم وبقوا يعملون في العلن ويصرون على انهم هم السادة  وهم فوق القانون بالرغم من تكشف الحقيقة بالأدلة والأرقام عن تجاوزاتهم واختلاساتهم وفرهودهم للمال العام  ولكن حكومة الجعفري بقيت عاجزة تجاه هذا الملف المهم واصبحت ظواهر السرقة والفرهود تأخذ لها اسماءا والقابا في العراق مثل الحواسم والحوازم  وحاويات النفط وبراميل البنزين  واسلاك الكهرباء وابو الدفتر وابو الشدة في اشارة الى نوع وحجم السرقات التي تتم في دوائر الدولة والرشاوي التي يتم تعاطيها من قبل المسؤولين في الحكومة التي يترأسها الجعفري

 

الضربات التالية جاءت متتالية من المسؤولين الأميركين وبشكل مسلسل درامي حيث بدأت بتصريح السفير الأميركي الحاكم الفعلي في العراق بقوله ان وزارة الداخلية وزارة طائفية

حيث صرح للصحفيين

" لكي تحظى الحكومة وقوات الشرطة بالمصداقية يجب ان يتمتعا بثقة المجموعات كافة.. لا يمكن ان يشغل شخص يعتبر طائفيا منصب وزير الداخلية " وتعتبر هذه التصريحات بمثابة الأنذار الأخير لحكومة الجعفري المثيرة للجدل بالنسبة للأميركان بسبب سوء ادارتها للبلاد ومزاجيتها وازدواجيتها في العلاقة معها وضدها بنفس الوقت وعلاقتها المريبة مع ايران وتدخلها السافر في الشؤون العراقية بالأضافة الى بقية الدول مثل السعودية والأردن وسوريا  

 

وجاءت المفاجأة من قبل نائب الرئيس الأميركي ديك جيني الذي زار العراق ووصل الى المنطقة الخضراء يوم امس وقبل يوم واحد من محاكمة المجرم صدام ليطلق سراح مجموعة من المجرمين العتاة  ومع الأسف فان السيد رئيس الوزراء العراقي لم يكن له علم بهذه الزيارة وايضا ليس له علم باطلاق سراح اربعة وعشرين شخصا من اعتى المجرمين الذي عاثوا بأمن وسلامة العراق والعراقيين فسادا تم اطلاق سراحهم من دون علم او اعتراض السيد وزير العدل او من دون علم ومصادقة السيد رئيس الوزراء وهذه الفضيحة لو كانت حدثت في اي دولة فيها ذرة من السيادة لقامت الدنيا ولم تقعد لمثل هذا الاستهتار بمقدرات الشعب العراقي وتسلط اناس لا يحلون ولا يربطون في مجريات السياسة العراقية

 

بقي ان نقول ان ملف الخدمات والتي تشمل الكهرباء والماء والرعاية الصحية للمواطنين قد اصبحت ملفاتها المهملة واضحة لكل من يريد ان  يدخل الى معترك السياسة في العراق ويبقى ملف البلديات في المدن الرئيسة مثل بغداد ومراكز المحافظات وعمليات رفع الانقاض والأزبال هي المقياس لقوة كل حكومة تحكم في العراق فكلما كثرت الزبالة والنفايات يتبين لنا مدى وفرة الزبالة والأوساخ في عقول الساسة القابعين في المنطقة الخضراء والذين ابقوا على عوائلهم بعيدين عن الذباب العراقي المناضل ببسالة في مزابل المدن العراقية

 

ومن الجدير بالذكر ان حكومة الجعفري قد فازت بتعيين العديد من المستشارين الأميين في معظم مرافق الدولة حيث يتم تعيينهم بنفس الطريقة التي كانت متبعة في زمن صدام بالمحسوبية والمنسوبية وانت ابن عمي وانت من عشيرتي وانت من طائفتي وهلم جرا والأدهى من ذلك ان بينهم من لا يحمل حتى الشهادة الأبتدائية وبينهم  من اصبح دكتورا من دون شهادة دكتوراه ولا احد يسألهم عن شهاداتهم المزورة ومن اي جامعات حصلوا عليها والمصيبة انهم اصبحوا مستشارين يرشدون اصحاب الكفاءات بارشاداتهم وروزخونياتهم المقيتة

 

ان السنة الجديدة على الأبواب فهل سيشهد العراق عصرا جديدا بعيدا عن تجربة الجعفري الفاشلة  في حكم العراق , نأمل ان تكون الأنتخابات التي جرت في العراق والتي كثر عليها جدال التزوير ان تضع العراق في الموقف الصحيح وان تحل مشاكل تزوير الأصوات وفرز الأصوات بشكل منطقي وعقلاني وبعيدا عن العصبيات القبلية وان تكون باسلوب متحضر ولا يتم فيها سيطرة حملة السكاكين والقامات ومن باحزمتهم المسدسات كما ونأمل من الحكومة الأميركية ان تضع برامجها القوية والتكنولوجيا المتطورة في خدمة العراق قبل ان تفلت زمام الأمور ونصل الى نهاية لا تحمد عقباها ويعم الجهل ويقود العراق مجموعة من الأوباش هم في حقيقتهم اعوان صدام السابقين من السفاحين والمجرمين باسلوب وتسميات جديدة يعرفها من خبر مأسي الشعب العراقي في العصر الحديث وفي العصور الساحقة