هل نجحت السياسة الأميركية في العراق ؟ - ضياء السورملي 27-01-2006 المتتبع للسياسة الأميركية في
العراق في مرحلتيها قبل سقوط النظام العراقي في 2003 وبعدها يواجه صعوبة في
فهم ماتريده اميركا وما تهدف له في تعاملها مع الدولة العراقية في سبيل تحقيق
مآربها وغاياتها بالشكل المطلوب . مرحلة قبل سقوط النظام الصدامي يمكن ان نشخص العلاقة الأميركية مع العراق بالعلاقة المبنية على اساس المصالح الأستراتيجية الأميركية في المنطقة وبهذا المفهوم فان امريكا عمدت على بناء علاقات جيدة مع النظام العراقي البائد برئاسة احمد حسن البكر ومن بعده نظام صدام حسين وزودتهما بمختلف الأسلحة المتطورة وخصوصا بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي في ايران عام 1979 و وبعد ان تسلم السطلة الزعيم الديني الراحل اية الله الخميني ، دعمت الحكومة الأميركية العراق بالسلاح والمال الى ان اقدم النظام البائد على خطوته القاتلة وهي احتلال الكويت بمباركة او تحريك او ايماءة من امريكا او بسياسة غبية من صدام حسين رئيس جمهورية النظام انذاك. ثم حدث ما لم يكن في حسابات الحكومة الأميركية من عدوانية وهمجية النظام العراقي عندما شن صدام حسين حملته الصاروخية على اسرائيل وقبلها استخدامه الاسلحة الكيمياوية ضد الشعب الكردي في حلبجة وضد الجيش الأيراني في الحرب العراقية الأيرانية ، كل ذلك حدث واميركا كانت متفرجة او غير ممانعة لهذه التصرفات الحمقاء والجرائم ضد البشرية. وما أن شعرت اميركا بان الخطر قد وصل الى مدنها صحت من نومها وخصوصا بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 وانتبهت الى انها كانت الممول للارهاب بشكل مباشر او غير مباشر وان الكثير من هذه البؤر الأرهابية في العالم هي من نتاجها الخالص ولكن الأنتاج كان سيئا مما ادى الى نتائج عسكية ومثيره جعلت القائمين على السياسة الأميركية ان يعيدوا النظر في تركيبة دول عديدة وتغييرها او في احسن الأحوال التخطيط لتغييرها مثل يوغوسلافيا وايران وكوريا الشمالية وافغانستان والعراق وكذلك بعض الدول الأفريقية مثل مصر و السودان والصومال ودول في اميركا الجنوبية . لقد فرضت اميركا الحصار على العراق وكان هذا الحصار جائرا لانه اثر على الشعب العراقي وترك آثارا سيئة تدفع اميركا ثمن حصارها اليوم والسبب هو ان الحصار كان من المفروض ان يكون موجها لاركان النظام العراقي وازلامه بدلا من الشعب العراقي المبتلي بهذه الأنظمة التي كانت مسنودة من اميركا اصلا . لقد لعب برنامج النفط مقابل الغذاء دورا كبيرا في كشف السياسة الأميركية الخاطئة لساستها وخبراءها الأقتصاديين على اقل تقدير في تعاملها السئ مع هذا البرنامج الأقتصادي بما افرزه فيما بعد من فضائح سميت بفضيحة كوبونات النفط وفضيحة تهريب النفط وبيعه مقابل شراء الذمم والتي برهنت للسياسين الأميركين انفسهم قبل غيرهم عقم هذا البرنامج ومدى الأموال المسروقة والمنهوبة والتي قدرت بالمليارات باسم الشعب العراقي ومن ميزانيته وعلى حساب كرامته وعزته ونهضته وحضارته لا لشي الا لأن اميركا كانت قد فرضت هذا البرنامج واشرفت على تطبيقه ومراقبته رغم وحشيته وقساوته في تجويع الملايين من ابناء الشعب العراقي غير المؤيدين للنظام الحاكم والذي لم يتأثر النظام في حقيقة الأمر به. فرض هذا الحصار على النظام الحاكم ولكن طبق على الشعب العراقي في الوقت الذي يفترض ان برنامج الحصار الأقتصادي يفرض ويطبق بحكمة على اركان النظام ورموزه ويدافع ويفك الحصار المطبق على رقاب الشعب العراقي بمختلف مكوناته. عندما عزمت الولايات المتحدة الأميركية وحليفاتها في وضع حد للنظام العراقي عسكريا ، اعدت اميركا العدة وجيشت الجيوش لذلك استطاعت ان تسقط النظام بفترة قياسية ، إنهار النظام البائد وفر العسكريون وقادتهم مذعورين بعد ان تركتهم قياداتهم واختفت عن الأنظار كل في جحر من جحور الحيوانات والقي القبض على معظم القيادات الهاربة والتي كانت على راس السلطة الواحد تلو الأخر . لم تحسن القيادة الأميركية التعامل مع الشعب العراقي وكسب وده في هذه المرحلة وواجهت مقاومة في العديد من المناطق التي كان من المفترض ان تكون مع القيادة الأميركية لا ضدها ولهذه المقاومة اسباب عديدة ومعروفة للقادة الميدانيين . مرحلة بعد سقوط النظام العراقي واجهت الولايات المتحدة الأميركية والدول المتحالفة معها العديد من المشاكل نتيجة تخبطها في ادارة دفة البلاد بشكل سليم وتتمثل هذه الاحباطات والمشاكل بالصعوبات والخروقات في العديد من الملفات التي لم تستطع الأدارة الأميريكية من ان تتحكم بمقاليد الأمور العسكرية والامنية والأقتصادية والسياسية في البلاد وكذلك الخلل الذي واجهته ولا زالت تواجهه نتيجة اعتمادها على عناصر انتهازية او غير كفؤة او فاسدة اثناء تعاملهم مع الملفات العراقية المهمة وتلك الفئات هي خليط غير متجانس من العراقيين والأميركان والمتعاقدين من الدول التي تدور في فلك القوات الأميركية المحتلة والقوات المتآلفة معها والتي سميت في مرحلة لاحقة بقوات التحالف او قوات الأئتلاف الأميركي وبالأمكان اختصار بعض الجوانب المهمة من الأخفاقات التي حصلت في التعامل السياسي الأميركي الأمثل في العراق الملف الأمني : لقد مضى اكثر من ثلاث سنوات وعشرة اشهر على اجتياح القوات الأميركية للعراق ، ولم تكن اميركا تدرك انها ستواجه هذا الكم الهائل من انواع المواجهة والضعوط السياسية والعسكرية من قبل العراقيين وغير العراقيين لانها لم تكن تعرف اصلا طبيعة وطبائع المجتمع العراقي ولم يتمكن المستشارون الذي عولت عليهم اميركا من توصيل الصورة الصحيحة عن التركيبة الأجتماعية والعشائرية والتناقضات والصراعات العميقة المتجذرة تأريخيا بين القبائل العراقية الى قيادات ومستشارين الرئيس الأميركي بصورة صحيحة مما شكل خللا واضحا بالتعامل مع الحالة العراقية. ولم تدرك الأدارة الأميركية عمق الخلافات الدينية والمذهبية وكذلك الخلافات الأثنية والعرقية المتشعبة في المجتمع العراقي بكافة مكوناته ولذلك وقعت في تخبط في نوع العلاقات التي اقامتها مع اطراف معينة على حساب اطراف اخرى وهذا التصرف قد عمق من الصراع الكبير بين الشيعة والسنة مع بعضهم من ناحية وضد اميركا من ناحية اخرى . وكنتيجة لذلك حصلت او نشأت معارضة كبيرة مسلحة اشتركت بها مجاميع مدعومة من بلدان تدعم التطرف الديني وتمول المتشددين مما ولد حالة من الهجمات المسلحة الأرهابية قامت بتنفيذ العديد من العمليات الأجرامية اليومية بحق العراقيين و لم يسلم الأميركين انفسهم من تلك الهجمات وان مقدار الخسائر المادية الكبيرة والبشرية الأميركية والذي بلغ اكثر من 2000 ألفين قتيل ، وفي صفوف العراقيين بلغ اكثر من 30,000 ثلاثين الف قتيل حسب الأحصائيات الرسمية المعلنة يضاف لها العدد الهائل من الجرحى والمعوقين. ان الأعتقالات الكيفية والعشوائية لمئات الآلاف من العراقيين سبب ارباكا كبيرا لقوات التحالف الأميركية بشكل كبير من ناحية اطعامهم وحمايتهم ورعايتهم ، حتى جاءت فضيحة سجن ابو غريب لتلقي بضلالها الثقيلة على الأميركان وادارتهم للسجون و للحرب على العراق مما سبب لهم الحرج الكبير . ان افلات العديد من رموز النظام والعمل من دول عربية مجاورة ودول غير عربية وتساهل اميركا تجاههم او عدم امكانيتها من صدهم او ردعهم سبب خللا كبيرا في ادارة دفة الأمور الأمنية في العراق وانعكس سلبا في نفسية وارادة المواطن العراقي الذي وقف مع الأميركان وضد الطاغية صدام . ان الخطوة التي أقدم عليها السفير الأميركي بول بريمر عندما حل الجيش العراقي والشرطة العراقية ومن ثمة الخطوات الخاطئة اللاحقة باعادة عتاة المجرمين وكبار الضباط من هذا الجيش والأستعانة بهم في ضرب العراقيين شوهت من سمعة السياسة الأميركية عند العراقيين وجعلتهم يفقدون الثقة بمصداقية اميركا تجاههم وادعائاتها بتحريرهم ان خروج وزير الأعلام العراقي محمد سعيد الصحاف هذه الشخصية الهزيلة والمثيرة للجدل مع عائلته ومن مطار بغداد الدولي وفي وقت مبكر اثار الدهشة في عقول العراقيين حول الطريقة التي تتعامل بها اميركا مع المجرمين الذين كانوا يطوقون العراقيين اعلاميا وعسكريا واقتصاديا ونفس هذا الكلام ينطبق على العديد من الوزراء والمسئولين الكبار في حكم الطاغية صدام بقوا طليقين وفلتوا من عقاب الشعب العراقي بحقهم اضافة الى ممارستهم النشاطات السياسية ضد العراقيين والأميركان وبحرية كاملة ومن دون اي ملاحقة جادة لهم او الحد من نشاطاتهم . ويأتي هروب عائلة صدام الى المنافي محملين بكل الكنوز والأموال التي سرقوها من الشعب العراقي وميزانيته ومصارفه اضافة الى حماية الدول العربية لعدد كبير من البعثيين الذين تلطخت اياديهم بجريمة قتل العراقيين والبذخ عليهم وتشجيعهم بالتطاول على الرموز الفكرية والدينية للعراقيين من الدول التي آوتهم ، ولا يزال هؤلاء المجرمون يمارسون نشاطهم العدواني ضد العراق وضد الجيش الأميركي في العديد من مناطق العراق من خلال دعمهم المالي للأرهابيين وينفذون جرائمهم من العديد من الدول العربية والدول المتآخمة للعراق التي تقدم العون والحماية لهم . فشل القوات الأميركية من سحب السلاح بمختلف انواعه من الشارع العراقي ونلاحظ ان سياسة السلاح الشخصي المنتشرة في اميركا كظاهرة لا تصلح ان تكون ظاهرة في العراق لعدم توفر القانون المشابه للقانون الأميركي ، وانما على العكس من ذلك تم استخدام السلاح الشخصي في العراق للسلب والنهب وازهاق ارواح المواطنين بثمن بخس ، اضف الى ذلك تشكل مليشيات متعددة للأحزاب تعددت اسماءها على مرأى وعلم من القوات الأميركية وعلمها من دون ان تبدي اي معارضة لذلك او تعمل ضوابط مما زاد في تفشي المجموعات المسلحة والتي تحاول فرض قوانينها المناطقية بالقوة وبعيدا عن القانون العام في الدولة وامثلة الأغتيالات اليومية هي شاهد حقيقي على هذه الظاهرة. لو تمكنت اميركا من السيطرة على الحدود العراقية ولو وضعت ضغوطها الشديدة على الدول المجاورة للعراق بشكل حاسم ورادع لضبط حدودهم ولو استطاعت جمع السلاح من الشارع العراقي بشكل صحيح لما وصل عدد الشهداء من العراقيين والأميركيين هذا العدد الكبير جدا . الملف الأقتصادي : يعتبر الملف الأقتصادي مكملا للملف السياسي في العراق وهنا نود ان نسجل لاميركا دورها الكبير في اسقاط الديون الكبيرة التي كانت بذمة العراق بسبب الحروب الطائشة والتبذير الذي ورثته الحكومة العراقية الجديدة من النظام السابق. وهنا أسجل بعض الملاحظات على الأداء الأميركي في العراق وأستطيع ان أقول ان اميركا تتحمل ما حصل للوزارات العراقية ومرافق الدول من نهب وفرهود وافراغ المصارف العراقية من اموالها ونهب المتحف العراقي ، ان هذه العملية جرت امام انظار الجيش الأميركي او بحمايتة وقد صورتها عدسات المصورين بشكل واسع والغريب العجيب في الأمر هو كيف يتم سرقة الخزنات المحكمة من المصارف العراقية وكيف تسرق وتنهب الاثار وكيف تدمر الوزارات وتحرق بعد نهبها ولماذا لم باستثناء وزارة النفط فقط والتي كانت محمية من قبل الأميركان. هذه الأسئلة أثارت الكثير من التساؤلات حول الممارسات المشبوهة للقوات الأميركية وحمايتها للأقتصاد العراقي من النهب والسلب وهذا مما جعل العراقيون المخلصون يفقدون الثقة بما تدعيه اميركا وما تقدمه من مبررات مما اثر سلبا على تعامل الشعب العراقي مع قواتها وكلما امعنت اميركا في القوة واجهت قوة مقابلة لها نتيجة روح الأنتقام وكذلك بسبب الأحباط الذي اصاب العراقيين والقوات الأميركية على حد سواء وتنامي النشاط الآرهابي المدعوم من العديد من الدول في العالم . لم تستطع اميركا بعظمتها وقوتها وجبروتها واقتصادها من توفير الكهرباء والماء للعراقيين والحاجات الأساسية من سبل العيش على الرغم من اقترابنا من السنة الرابعة لاحتلال العراق ، كما لم تستطع اميركا ان تعيد بناء المباني التي دمرتها الآلة العسكرية الأميركية عند احتلالها للعراق والسبب هو الفساد الكبير في عقول القائمين على ادارة الملف الأقتصادي العراقي من الأميركان والمستشارين والمقاولين العاملين معها كما لم تستطع اعادة الأموال المنهوبة والمسلوبة من سارقيها ، كما لم تنجح اميركا في توظيف الجيش الكبير من العراقيين العاطلين عن العمل وتفشي ظاهرة المحسوبية والمنسوبية والفساد الاداري بحدود فائقة وكبيرة اثرت سلبا على كيان المواطن العراقي وسلوكه وتصرفه وتعامله مع الأحداث علما بان الوالي العثماني مدحت باشا والذي حكم بغدادقبل حوالي مائتين عام ولفترة لم تتجاوز السنتين تركت اثرا يذكره العراقيين لحد الآن ويطلقون عليه االوالي المصلح مدحت باشا . ان المليارات الكبيرة من الأموال التي هدرت على تجارة الأمن الوهمية او أمن الأشخاص وتجارة العقود الوهمية او العقود العقيمة والتي ليس لها شأن في تنمية الأقتصاد العراقي وانما كلها خدمية ليست ذات جدوى اقتصادية وليست ذو فائدة مثل الحراسات الخاصة المبالغ بها لمسوؤلين مبالغ باعدادهم ودرجاتهم الوظيفية مما شكل عبئا ثقيلا على الميزانية الأميركية. اننا عندما نذكر هذه النقاط نقول ماذا لو تم استغلال المبالغ الهائلة بشكل منطقي وصرفها في صالح المواطن العراقي ، الن ينعكس ذلك على الجيش الأميركي في العراق ويقلل من اصاباتهم . لقد دخل الجيش الأميركي بمعركة حاسمة لأزالة نظام يمثل قمة في القمع وقمة في الهمجية في التاريخ المعاصر وهو النظام الصدامي البعثي الفاشي وهذا مايشهد له الشعب العراقي ولن ينساه ، كنا نتمنى لو ان هذا الأنتصار سجل مردودا سريعا وفاعلا وحاسما عندها سيكون هذا الاحتلال تحريرا وستكون قوات الأحتلال قوات صديقة او قوات حليفة وسيكون الجيش الأميركي في قمة انتصاراته لو انعكس تأثير ذلك على الشعب العراقي والشعب الاميركي معا وباقل الخسائر البشرية والمادية . ضياء السورملي – لندن |