معوقات تشكيل الحكومة العراقية - ضياء السورملي

[18-02-2006]

بعد مرور اكثر من ثلاثة سنوات ونصف على تغيير نظام الحكم السابق والمحاولات غير الموفقة مستمرة لأيجاد صيغة مناسبة لحكم العراق ، لقد بدأ مجلس الحكم بصيغة مضحكة للغاية في حكم العراق حيث يحكم كل شخص من اعضاء المجلس لمدة شهر واحد فقط وكان من نتيجة هذه التجربة ان تم اغتيال ثلاثة من كبار الشخصيات المعروفة سياسيا وهم كل من المرحوم الحكيم والمرحوم سليم والمرحوم الخوئي ، وكان الزعيم الفعلي هو السفير بريمراما اعضاء المجلس فكانت تنفذ التعليمات فقط وتحاول ان تناور مع الأميركان ولكن دون المستوى المطلوب ، ومن جهة اخرى كانت اميركا تعمل على برامج نماذج محاكاة لما يدور في الساحة العراقية وما يفكر به الساسة العراقيون وما هي الأستراتيجيات المناسبة والبديلة لحكم العراق بشكل مثالي مع الأخذ بنظر الأعتبار كل المتغيرات والمدد المحددة .

وبعد ذلك جاءت الحكومة المؤقتة بقيادة السيد اياد علاوي ثم الحكومة الأنتقالية بقيادة السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئاسة الوزراء بقيادة السيد ابراهيم الجعفري ، ولم يكن حال تلك الحكومتين بافضل من حال حكم مجلس الحكم ،واسباب المعوقات كثيرة ومعقدة ومتعددة بسبب تعدد التاثيرات والتدخلات وعمق الصراع بين العديد من الأطراف المتصارعة على السلطة وبسبب تباين المصالح بين مختلف الأطراف الداخلية والخارجية وصراعها وتصارعها والأقتتال الشرس بين جميع الأطراف واليوم من اهم التأثيرات في قرار تشكيل الحكومة العراقية هو السيد الأكبر في تاسيس القرار الشرعي للحكومة العراقية وهو القرار الذي تقرره القيادةالأميركية والدولة الرئيسة المتحالفة معها بريطانيا وبقية الدول المساندة لهما والمشتركة بقيادة قوات التحالف كل حسب اهميتها واهتمامها بالشأن العراقي ولاميركا باعتبارها اللاعب الأساسي والمخطط لكل السيناريوهات لحكم العراق ومن بديهية الأمر ان لا يمر مخطط يخالف تطلعاتها او يتعارض مع مصالحها واساسياتها وان النموذج الأميركي هو الذي يحدد الحكومة التي تريدها وتحدد الرموز والشخصيات التي تدخل في تركيبتها شئنا ام ابينا.

ومن العوامل الأخرى التي تلعب دورا مهما في تشكيلة رموز الحكومة العراقية وما يتبعها من تفصيلات تؤثر في عملية تشكيل الحكومة بسبب من عدم استقلالية القرار بشكل كامل ومن هذه العوامل هي توازنات دول الجوار والمقصود بها الدول التي تدعم الفكر القومي العربي والمتمثل بسوريا ومصر ، والفكر الديني السني الوهابي وتقوده السعودية والفكر الديني الشيعي وتقوده ايران والفكر العلماني وتقوده دول اخرى متعددة واهمها تركيا وبقية الدول المشابهه لها في المنظور الفكري.

وهناك عوامل داخلية متعددة ومتشابكة بنفس الوقت في تطلعاتها مع عوامل وتشابكات الدول المحيطة بالعراق ومنها التركيبة المعقدة لمكونات الشعب العراقي ففيهم الشعب العربي وهم من الطائفة السنية ومن الطائفة الشيعية ومنهم العلمانيين والليبراليين ومنهم القومييين وهناك القومية الكردية وغالبيتهم من السنة وفيهم الكرد الفيليين الذين يعتنقون المذهب الشيعي وهناك التركمان والكلدواشوريين وألأرمن والصابئة المندائية والأيزيدين والشبك وهذه الأقليات تختلف في انتمائاتها الفكرية والدينية والعقائدية كل حسب مكونه وتركيبته ، وكل من هذه التركيبات المتعددة تهدف وتطمح في تحقيق اهدافها والحصول على مكاسب لها في هذه الحكومة .

وبعد سقوط النظام البائد وقبله تشكلت كتل وتحالفات قسم منها له ماض عريض وعريق ويضم احزاب لها باع طويل في النضال السياسي مثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب الأتحاد الوطني الكردستاني وبقية الأحزاب المؤتلفة معها في كتلة التحالف الكردستاني وكذلك كتلة الأئتلاف المتكونة من حزبين كبيرين هما حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الأعلى للثورة الأسلامية وبقية الأحزاب المنضوية تحت ائتلافه ومنها مكونات وتشكيلات تكونت بعد سقوط النظام وفي الأساس قسم منها كان جزء من النظام السابق ولكن غير من اسمه ومن هويته لكي يكون مقبولا في الحكومة الجديدة وهذا مما سبب مشاكل جمة في وجه الحكومة الجديدة التي لا هي قادرة على صدهم ورفضهم ولا هي قادرة على احتوائهم وقبولهم بسبب التناقضات الكثيرة والمتشابكة وعدم وجود المرجعية لكل تلك التكتلات وهذا ما اوقع القيادة الأميركية في اشكالات وحيرة في مواجهة مثل هذه التكتلات التي لم تستطع ان تكون نواة مركزية لقيادة الحكم بشكل سلس ومرن .

ومن العوامل الأخرى معضلة التركيبات العشائرية العراقية المنتشرة في طول العراق وعرضه ورؤساء تلك العشائرالتي كانت في الزمن القريب موالية للنظام البائد باغلبيتها بشكل مباشر وبشكل غير مباشر واثرت من هبات الحكومة البائدة في سبيل الحصول على عدم وقوفها ضدها وتم شراء ذممها بشكل عام وليس بشكل مطلق ولهذا وجدت اميركا صعوبة في رفضهم او قبولهم لتلك العشائر وهذا التذبذب في التعامل مع قسم من العشائر على حساب عشائر اخرى سبب اشكالات بوجه تشكيل الحكومة الحالية والسابقة وهي ورطة كبيرة في كيفية التعامل معهم ومع من تتعامل بسبب عدم اهلية هذه العشائر من حيث تكوينها التنظيمي من ناحية وعدم تجاوبها وعدم استجابة هذه العشائر لكل ما تريده منها الحكومات المتعاقبة بسبب المساومات على الثروات والمصالح والنفوذ.

ومن العوامل الأخرى التي لعبت وتلعب دورا مهما في عدم تشكيل الحكومة هي المؤتمرات التي انعقدت في واشنطن ولندن والألتزامات التي وقعت عليها الأحزاب والأطراف المتفقة فيما بينها من ناحية وبين الأميركان والبريطانيين من ناحية اخرى ومصير الأموال التي انفقت وصرفت عليهم ومن ثم الألتفاف على تلك الأتفاقات الموقعة فيما بينهم وابعاد الشخصيات الأساسية التي كانت تلعب الدور الأساسي والتي وجدت نفسها خارج الملعب السياسي بسبب الأستحقاق الأنتخابي او المصالحي او الوطني وعددهم كبير .

ومن المشاكل الأخرى المعوقة في تشكيل الحكومة هي الخلافات المعقدة في داخل الأئتلافات والتحالفات فيما بينها وشرعية القرارات التي تنطلق منها والصراع الحاد بين الكتل والأشخاص في تلك التحالفات.

هذ بعض الأسباب والعوامل في الأخفاقات في تشكيل الحكومة واسباب الصراع من اجل الوصول الى كراسي الحكم من جميع الأطراف ، العملية الوزارية اصبحت عملية مربحة ومثرية لكل من يحصل على المنصب الوزراي او المقعد البرلماني او درجة سفير وخصوصا بعد ان استطاع عدد من الوزراء ان يسرقوا ولم يتم محاسبتهم بحجة ان الجميع مشتركون في السرقة ولذلك ثبت المبدأ (استرني واسترك) او ( اسكت عن سرقاتي وساسكت عن سرقاتك او لنكشف كل السراق ) ، هذه الحالة شجعت نشوء حالة من الطفيليين الطلقاء والسائبين من دون محاسبة شديدة وحاسمة وسريعة وبنفس الوقت شجع كل من هب ودب لأن يجادل ويناور للوصول الى كراسي السلطة والمناصب المهمة فيها من دون كفاءة او احساس وطني نزيه .

اضف الى ذلك فان الكثير أثرى واغتنى على حساب نهب المال العام وممتلكات الدولة واضعا لهذ النهب فلسفة الأستيلاء على ممتلكات الغاصب تصبح ملكا حلال وغير محرم لكل من يستولي عليها ولذلك حصل الأستيلاء على كل مباني الدولة من دون محاسبة وحصل نهب للمصارف والمتاحف وكل ممتلكات دوائر الدولة وعلى مرأى وانظار كل من المسؤولين الأميركان والمسوؤلين العراقيين ومن دون اي رد فعل بل ان الحرامية والمفرهدين كانوا يمرون من امام القوات المحتلة وامام الكاميرات .

ومن الجدير بذكره عمق الصراع على مناصب الداخلية والدفاع ودوائر الأمن والمخابرات وكلها تصب في محاولة السيطرة على ادوات القمع والقتل لأبناء الشعب العراقي وليس لغيره وهذا ما يثير الدهشة والأستغراب الكبيرين .

وهناك محاولة السيطرة على الوزارات التي تدر الأموال او هي مصدر المال والصرف مثل وزارة المالية والنفط والتجارة والصناعة والأسكان لانها تمثل العقود والرشاوي والتصرف بالمال وهذا يضع تشكيل الحكومة في حيرة من امر الناس الوطنين المهتمين بواقع العراق من هؤلاء الذين يسعون الى نهبه والسيطرة على ثرواته .

وتبقى مواضيع مهمة هي الخطف والنهب والسلب والمحسوبية والمنسوبية والفساد الآداري المستفحلة والمستشرية بشكل بشع ومثيرة للغرابة بسبب استلام قيادة الوزارات والدوائر المهمة من قبل اناس غير كفوئين وفاسدين ومرتشين وانعدام الرقابة المالية ولأدارية والمحاسبة القانونية والتلاعب بسلطة القانون وهروب الفاسدين خارج العراق بسبب حصولهم على اكثر من جنسية مما يجعل ملاحقتهم قضائيا امرا صعبا ويحتاج لوقت لمحاسبتهم وجلبهم للعراق .

ولا يفوتني ذكر وزارة الخارجية التي تمثل المناصب الحساسة للسفراء ومن هم بدرجة قنصل ، ان هذه الوزارة لم يتم السبطرة عليها حسب الكفاءة وانما اصبحت حصص ومحاصصات وتوزيع الدرجات حسب اهواء الاحزاب التي تستلم السيادة على هذه الوزارة او من لهم حصة في السيادة ولذلك نرى الصراع على اشده على هذه الوزارة من اجل الأستيلاء على درجة السفير وارضاء اكبر عدد من انصار الاحزاب واقاربهم واصدقاءهم التي تستولي على هذه الوزارة .

وفوق كل تلك العوامل فان الخاسر الوحيد من كل تشكيلات الحكومات السابقة هم ضحايا الشهداء وضحايا المقابر الجماعية والفقراء والمعوزين وضحايا النظام السابق الذين لم يرفع الحيف عنهم لحد الآن ولم يتم الآهتمام بمشاكلهم والامهم وهم يشكلون الغالبية العظمى من الشعب العراقي .

نامل ان تتشكل الحكومة الجديدة التي تعمل على انارة الطرق كافة ويحل الكهرباء في كل الطرق والشوراع ،وتصل الأنارة الى كل الطرق السياسية ،و طرق الفكر ،وطرق العلم ،و طرق الصحة ،و طرق المجتمع بكل طوائفه واطيافه ومتى ما راينا المشاريع الجبارة تنجز بمدد قصيرة وفيها الأنارة والأعلانات الضوئية نقول ان حكومتنا وطنية منورة وتعمل من اجل الشعب وبعكسه فان الحكومة ستبقى حكومة كراسي وتكون حكومة مظلمة وليس فيها انارة وحكامنا سيكونون دمى متحكرة ولا غير ذلك ، ومن لا يستطع خدمة شعبه عليه ان يستقيل او يتنحى وليس في ذلك اي ضرر او عيب .