رسالة اميركا للشيعة في العراق

 

ضياء السورملي – لندن

 2006-02-22

هل سيخسر الشيعة اللعبة الأميركية للسنة عربا او كردا ، يبدو ان الشيعة وبتوجيهات من  حزب الدعوة وتأثيرات التيار الصدري واهتمامهم بالمصالح الأيرانية على حسابات بعيدة المدى لسياسة العراق ومصالحهم العامة والخاصة سيفقدهم اهم مكسب تم تحقيقه بعد سقوط النظام البائد وهو دعم الأميركان لهم وتحالفهم مع القوى الوطنية الأخرى التي ساهمت في اسقاط النظام السابق ووصولهم الى اعلى مناصب الدولة وسدة الحكم ورئاسة الوزراء .

 

بعثت الحكومة الأميركية رسالة واضحة للمرة الثانية عبر سفيرها في العراق السيد زلماي خليل زاد ،الأولى كانت اثناء لقاءه مع السيد رئيس الجمهورية العراقية جلال الطالباني وقد وضحت اثناء اللقاء الصحفي بعد ترشيح السيد ابراهيم الجعفري من قبل قائمة الأئتلاف ، مما دفع بالسيد الطالباني ان يصرح بوضوح عن عدم قبول الخطوط الحمر التي يضعها الأخرون حول تشكيل الحكومة العراقية وبنفس الوقت فان هذا الموقف جاء منسجما مع ذهنية التفكير الأميركي وما يريده  جيش المستشارين في الشأن العراقي  من خبرائها ومستشاريها الذين يعملون ليل نهار في وضع وحساب الأستراتيجيات المناسبة لحكم العراق و بلورة السيناريوهات المفضلة لهم لتطبيق استراتيجتهم الأميركية  وليس ما يريده الأئتلاف او التحالف او الكتل العراقية الأخرى مهما كانت تسمياتها .

 

ان التصريح الأخير او بالأحرى التحذير او التوبيخ الذي اطلقه السفير الأميركي الواضح في كل كلمة منه لم يأت من خيال وانما يمثل السياسة الأميركية المدروسة في كل خطوة من خطواتها ولهذا فأن الخلافات والأنقسامات العرقية والأثنية التي افرزتها نتائج الأنتخابات الأخيرة في شهر كانون الأول / ديسمبر2005  تتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية حسب رأي القيادة الأميركية اولا وليس حسب راي الأخرين من الأحزاب الأخرى . أما  مضمون هذه الوحدة الوطنية فهو مبهم وغير واضح ، لآن الأنتخابات لم تسر بالمسار الصحيح بسبب الخلافات الحادة بين الشيعة والسنة العرب والأحزاب السياسية الكردية في العراق وعدم احقاق الحق للكثير من مكونات الشعب العراقي بحجة الطائفية او القومية او توزيع المصالح .

 

ان الفشل في تشكيل حكومة وحدة وطنية مثلما تريدها اميركا  ربما يشجع السنة الى مساندة المتمردين والأرهابيين من  جديد ويثير التساؤلات حول خطط انسحاب اكثر من 138000 جندي اميركي من العراق من جديد .  هذا ما وضعه امام الأئتلاف الشيعي سعادة السفير الأميركي ممثل اميركا في العراق المحتل من قبلهم وليس من غيرهم ، ان اميركا لا يهما الوحدة الوطنية ولكن يهما مصالحها اولا ويقول كيسنجر المنظر الأميركي العجوز بان اميركا لا تحمي المغفلين وبنفس الوقت لا تسمح ان يدير شؤونها المتخلفون والطائفيون والعنصريون وكل من يريد ان يضحك عليها . 

 

كما وبين السيد السفير للشيعة ان مفاتيح الأمن والمتمثلة بوزارة الداخلية والدفاع يجب ان تكون من الآن فصاعدا بيد اشخاص غير متعصبين الى مذهب معين وليس لهم انتماءات طائفية متشددة ويجب ان يكونوا من الشخصيات التي تحضى بقبول واسع وان يكونوا من الشخصيات التي لا تنتمي الى جماعات تمتلك ميليشيات مسلحة ولم يقل لنا السيد زلماي هل ان المرشح للمنصب من مجرمي صدام او اتباعه ام لا ،  واذا كان السيد السفير او التصريحات الأميركية  من المسئولين الآخرين تعبر عن عدم رضائها من اداء الشيعة خلال اكثر من ثلاث سنوات ونصف فهل سيكونون راضين على اداء غيرهم من المجرمين او من غير المجرمين ام انهم يريدون اشخاصا يقولون للمسئول الأميركي نعم فقط.  

 

ربما ستفاجئ القيادة الأميركية الشيعة بسحب بساط وزارة الداخلية والدفاع والمالية من بين ارجلهم ومن ثم الأنقضاض على عساكرهم غير النظامية اذا لم تنتبه الأحزاب الشيعية الى أمر اعادة النظر في مفاتيح سياستها والحد من العناصر الشابة المتشربة بعقلية الأجرام الصدامي وافكار الحكومة السابقة البائدة و التي بطشت بكل من يقف ضدهم وتشكيلاتها الأرهابية المجرمة من قوات الحرس الجمهوري والجيش اللاشعبي وفدائي صدام وازلامهم الذين انتشروا في صفوف المليشيات الحالية وباسماء جديدة مثل جيش المهدي او منظمة بدر او فيلق عمر وجيش محمد وغيرها من التنظيمات المختلفة التسميات سنية كانت او شيعية.  

 

ان عدم  كبح جماح المتهورين من العناصر المتطفله على السياسة و سيادة شباب متهور من خلال جهلهم بمفاتيح اللعبة السياسية وعدم وضع الحد لتصريحاتهم وتنقلاتهم مما يجعل الأمور تزداد سوءا يوما بعد يوم ، ان انفلات او ضياع الأمور من ايدي  الحكماء من السياسين واصحاب الخبرة الكبيرة والعريقة والتي عانت من الجور والأضطهاد بشكل كبير وعدم فسح المجال للكفاءات العلمية والتكنوقراط من شق طريقه في صفوف العمل السياسي هو الذي اوصل الحال العراقي  لما  عليه الآن من فوضى عارمة وخلل في الشأن السياسي العراقي الدامي بكل ملفاته.     

 

كما حذر السيد زلماي خليل زاد ممثل اميركا في العراق الرسمي وسفيرها  السياسين العراقيين من انهم يعرضون انفسهم لخطر فقدانهم الدعم الاميركي اذا لم يعملوا على تشكيل حكومة وحدة وطنية وقال لهم ان الولايات المتحدة الأميركية لن تقوم باستثمار اموالها ومصادرها في سبيل دعم مؤسسات وهيئات تدار من قبل الجماعات  المتعصبة او المتشددة مذهبيا وهنا يكمن التحذير بشكل واضح وصريح من ان مصادر الاموال ستنضب وستنقطع عنهم وبهذا فانها تضع نصب اعينهم نقطة مهمة جدا وهي الديون العراقية التي اسقطتها والدعم الذي قدمته وان الكثير من انصار الشيعة حتما سيتلحقون باميركا  ويتركون احزابهم الحالية والسبب هو لان اميركا هي  الممولة وصاحبة الخرج والاموال والجاه والكل في هذه الفترة تهرول باتجاه مصالحها و تتسابق لنيل الأموال التي تنفقها اميركا في هذا المجال . عندها سيجد الشيعة انفسهم محرومين من دعم كبير ومهم وتذهب المساعدات الى غيرهم وهم بهذا سيكونون من الخاسرين لان انصارهم ستنفر عنهم مثلما عملت مع الحسين (ع) وهذا الموقف ليس بغريب ولا عجيب لا سابقا ولا لاحقا بل ان الكثير ممن نراهم اليوم والسنتهم الوطنية طويلة كانوا يوم امس من الهتافين والمؤيدين لصدام فلا غرابة في الأمر.   

 

وشدد السيد السفير بالقول ان الولايات المتحدة الأميركية انفقت مليارات الدولارات لبناء الشرطة والجيش العراقي وقال نحن غير مستعدين للانفاق من مصادر تمويل ونفقات المواطن الأميركي لبناء تلك القوة ومن ثم نسلمها لكي تدار من قبل اناس طائفيين ، نفهم من هذا الكلام ان اميركا تخطط ان تحجم القوة التي سلمتها بايدي الشيعة ولم يحسن الشيعة استخدام هذا الملف الذي بايديهم ، على الشيعة ان يفكروا اكثر من مرة قبل ان يخسروا مصدر القوة وهي وزارة الداخلية او وزارة الدفاع او وزير الأمن الوطني ومستشار الأمن القومي وكلهم من الشيعة او الموالين لهم ، ان فقدان الشيعة لأي امتياز حصلوا عليه من الأميركان يسبب لهم اشكالا كبيرا  في استعادته مستقبلا.

 

على الشيعة ان يهتموا بمصالحهم قبل مصالح ايران ، وعلى الساسة الشيعة ان يخططوا للعمل جنبا لجنب مع القوى الوطنية لبناء العراق المهدم واعادة بناء ما تم هدمه في تلك الحقبة الماساة من تاريخ العراق ، على الشيعة ان يهتموا بامر شعبهم بدلا من الأنجرار وراء السياسة الأيرانية وان لا ينجروا وراء النوايا الخبيثة التي تحاول الأيقاع بهم  ونفس الشئ ينطبق على العلاقة مع بقية الدول ، ان التحالف مع الكرد وبنوايا حسنة سيعمل على الأسراع باستتباب الأمن في العراق جميعه ، وان يكون الأهتمام بالشرفاء من العشائر السنية المنكوبة من النظام السابق ومحاولة كسبها لكي تحول قوتها الى قوة مضاعفة بدلا من تشتيت امكانياتهم الواسعة مما يسهل ضربهم .

 

على القيادات الشيعية ان تعي ان السياسة الأميركية ستقصم ظهرهم اذا لم يحسنوا قراءة الوضع العام الدولي والوضع الأستراتيجي في المنطقة وعليهم ان يدركوا ان السياسة هي فن اللعب مع الخصم سواء كانت اميركا او ايران او سوريا او السعودية او الكرد بزعامة السيد جلال الطالباني او بزعامة السيد مسعود البارزاني . 

 

ان جل السياسين العراقيين الذين حكموا العراق بعد سقوط الصنم لم يحسنوا الأداء فيما بينهم كاحزاب اولا ولم يحسنوا الأداء كتحالفات مع بعضهم من ناحية اخرى ومن ثم فان هذه التجمعات السياسية لم تحسن التصرف مع القيادة الأميركية وكان هناك ضعف في ادائهم بشكل اجمالي مما ادى الى تراجع كل الملفات التي تسلموها في قيادة العراق ، والخاسر الوحيد من كل ذلك هو الشعب العراقي المسكين والمحروم من ابسط الحقوق فهل ستعاد المعادلة من جديد ويتم النظر في السياسة الخاطئة ويتم اصلاح الخلل .

 

ان المنتصرين  على ارض الواقع هم الأرهابيون والقتلة والسراق والحرامية والذين يمتصون دماء الشعب العراقي ولذلك على الأئتلاف الشيعي والتحالف الكردستاني وكل القوى الوطنية الأخرى ان تشد من هممها الوطنية في سبيل رفعة العراق وشعبه.

 

واخيرا هل يتم السيطرة بذكاء على كل ما هو اميركي في بلادنا ام اننا نبقى نتخبط في دائرة الصراع حتى مع خيالنا.