إتفاقية آذار - النتائج والدروس - ضياء السورملي

10-03-2006

ضياء السورملي - لندن

في الحادي عشر من شهر اذار 1970 تم الأعلان عن التوقيع على اتفاقية سميت باتفاقية الحادي عشر من اذار بين الحكومة العراقية بقيادة الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر وبين الزعيم الكردي المرحوم الملا مصطفى البارزاني وتضمنت الأتفاقية مبدأ الأعتراف الرسمي بحقوق الكرد ومنحهم الحكم الذاتي ضمن منطقة كردستان العراق وورد في نص الدستور العراقي المؤقت ، مادة تنص على ان الشعب العراقي يتكون من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية وأقر ذلك الدستور حقوق الشعب الكردي القومية ، لقد اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية مع تقديم ضمانات للكرد بالمشاركة في وزارات الحكومة بوزراء كرد ، ومن خلال الأتفاقية اعترفت الحكومة العراقية واقرت بالحقوق الثقافية للكرد وممارسة حقوقهم من خلال التكلم باللغة الكردية وتعليم أبناءها باللغة الكردية والتعامل بها في كردستان .

بقيت مسالة كركوك موضع خلاف على ان يتم الأتفاق على حلها فيما بعد من خلال اجراء احصاء للسكان ليحدد هوية المدينة وطبيعتها الأثنية والعرقية وعدد سكانها ومن هم الغالبية فيها هل هم الكرد ام العرب ام التركمان .

كانت آمال الكرد معلقة على نتائج الاحصاء السكاني المزمع اجراؤه ، لمعرفتهم ويقينهم من ان كركوك مدينة كردية تاريخيا وهي مسالة لاتقبل الجدل والنقاش من خلال التركيبة السكانية على الأرض ولا تقبل المساومة من قبل زعيم الكرد المرحوم الملا مصطفى البارزاني في ذلك الوقت .

الا ان نظام الحكم البعثي الفاشي كان يبيت نوايا خبيثة منذ اول يوم لتوقيعه على هذه الأتفاقية وبذلك ضرب مثلا سيئا في عدم حفظ العهود والمواثيق التي وقع عليها .

بدا النظام العفلقي بالألتفاف على اتفاقية اذار من خلال حملة شرسة بدات بتهجير الكرد الفيليين الذين كانوا يمثلون الدعم والظهير القوي للحركة الكردية المسلحة و قد حاول النظام البعثي ان ينتقم من الكرد الفيليين الذين استبسلوا في الدفاع عن الحركة الكردية المسلحة بقيادة زعيمهم الخالد الملا مصطفى البارزاني وكذلك بسبب تاييدهم لحكم الزعيم الشيعي ورئيس جمهورية العراق عبد الكريم قاسم ، حاول النظام البعثي ان يجرب ردود فعل القيادة الكردية في تلك الفترة ومحاولة التاثير عليها والنيل منها من خلال تسفير الاف الكورد الفيليين من بغداد والمحافظات الجنوبية والأستيلاء على ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة واعتقال وقتل الاف الشباب منهم والتي كانت في حينها سببا مباشرة في فشل اتفاقية اذار فيما بعد .

ثم بدا المسلسل التالي بتعريب مدينة كركوك واقتطاع اجزاء منها واعادة ترسيم حدود المدينة من خلال تقطيع اوصالها وربطها بمحافظات اخرى واستحداث محافظة تكريت ، لقد عمل النظام على تغيير التركيبة السكانية للمدينة بشكل بشع من خلال تغيير القومية الكردية للمواطنين والغاء الهوية الكردية للكثير من سكنة كركوك الاصليين وجلب عوائل عربية من مدن الجنوب ومن المدن الغربية من البدو واسكانهم في محلهم ومحاربة الكورد في زراعتهم وعملهم والأعتداء عليهم واهانتهم ونقلهم بشكل قسري الى المحافظات الجنوبية في محاولة لئيمة لتغيير التركيبة السكانية للمدينة ومن ثم تغيير اسمها من كركوك الى التاميم ومحاولة عزل المحافظات الكردية عن كركوك كما تم عزل كركوك عن كل ما هو كردي .

ادت هذه السياسة الى خلق تذمر واسع لدى الكرد وادت الحالة الى التشنج والعداء وغلق كل الطرق بين الحكومة المركزية والقيادة الكردية، كما تخللت هذه الفترة لمحاولة فاشلة للاعتداء على الزعيم الكردي الخالد الملا مصطفى البارزاني في مقره من خلال ارسال وفد ديني وهم يحملون متفجرات نجا الزعيم الكردي منها باعجوبة بعد ان استمات حرسه شهيدا في الدفاع عنه وفشلت المحاولة وخابت الحكومة العراقية من فعلتها الشنيعة .

اعلنت الحكومة العراقية الحكم الذاتي من جانب واحد مما جعل القيادة الكردية انذاك ان ترفض هذا الأتفاق لتبدأ حربا طاحنه بين الطرفين راح ضحيتها العديد من العراقيين عربا وكردا ، انتهت هذه الحرب التي دامت حوالي سنه بان يعلن صدام حسين اتفاقه مع شاه ايران ويتنازل عن شط العرب في مقابل تخلي الشاه عن مساندة الكرد وقمعهم واسفرت عن ذلك اتفاقية الجزائر سيئة الصيت والتي رعاها الرئيس الجزائري هواري بومدين وكانت مؤامرة كبيرة ضد الشعب العراقي بشكل عام وضد الشعب الكردي بشكل خاص .

لقد نسيت الأنظمة القمعية الحاكمة في كل من ايران والعراق والجزائر ان الشعب الكوردي يعتبر من الشعوب التي تعشق انتمائها القومي وتتغنى بتراثها في اشعارها وفي دبكاتها وفي رعيها وفي زراعتها وفي حملها للبندقية وفي مسكها للقلم ان الشعب الكردي عريق في اصالته ولن تتمكن كل اتفاقيات العالم لو وقفت ضده ان تحد من انتمائه القومي والأثني بسبب مقاومته الشديدة للممارسات العنصرية التي مورست ضده على مدى التاريخ والى يومنا هذا من قبل العنصرية الشوفينية العربية والفارسية والتركية والتي تعاقبت في دورها في محاولة طمس هويته ومشاعره ولكنها فشلت جميعها واثبت الشعب الكردي اصالته وثباته ونقاء جنسه وأصله.

لقد تراجعت الحركة الكردية بصورة مؤقتة بسبب اتفاقية الجزائر سيئة الصيت والتي كانت مؤامرة كبيرة اشتركت فيها كل القوى التي كانت لها مصالح في العراق على حساب مصلحة الشعب الكردي ولكن الكرد استطاعوا ان يعيدوا صفوفهم من جديد ويعيدوا ترتيب بيتهم وكان من نتائج التآمر على الشعب الكردي ان اندلعت الحرب العراقية الأيرانية بعد سقوط نظام الشاه واعلان الجمهورية الأسلامية مما جعل نظام الحكم في العراق برئاسة المجرم صدام حسين ان ينقلب على المواثيق التي وقعها ونسي انه قد قبل يد شاه ايران في الجزائر يوم توقيعه للاتفاقية المشئومة وبدأت الحرب التي كانت اساسها التآمر على الشعب الكردي ، كانت حربا طاحنا دفع بها الجانبان مئات الألوف من الضحايا كان بالأمكان تجنبها لو كانت الحكومة العراقية حكيمة ولو كانت قد لبت مطالب الكرد وحقوقهم بدلا من الأنجرار لهذه الحرب الطاحنة .

وايضا كان من نتائج عدم توقيع اتفاقية اذار هي حرب احتلال الكويت وغزوها وهي ايضا نتيجة عدم الرضوخ لمطالب الكورد الشرعية مما جعل الحكومة العراقية منهكة اقتصاديا نتيجة اعباء الحرب العراقية الأيرانية وخروج العراق من الحرب وميزانيته خاوية ومطلوبا مئات المليارات من الدولارات مما جعله يهجم على الكويت طمعا في ثرواتها ونهبها مما ادى الى حدوث الأنتفاضة الشعبانية في كل انحاء العراق من شرقه الى غربه ومن كوردستانه حتى اهواره .

ان الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق بعد غزوه الكويت وبعد تحرير الكويت من دنس النظام العراقي المجرم بقيادة زمرة الأجرام الصدامية وحماية المنطقة الكردية واعتبارها منطقة محمية من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية قد كسر جناج القيادة العراقية الحاكمة في بغداد الى يوم سقوط صنمها في التاسع من ابريل 2003 وبذلك دخل العراق والكرد مرحلة جديدة .

ان المرحلة التي اعقبت سقوط النظام تؤشر حصول الكرد على حق الفدرالية في الحكم واقرار دستور دائم للبلد واقامة انتخابات دستورية ضمن دولة تقوم على الأسس الديمقراطية والأحتكام الى صناديق الأقتراع وانتخاب ممثلي الشعب . لقد تعلم الشعب الكردي ممارسه حقوقة الديمقراطية قبل سقوط الصنم من خلال حكمهم لمنطقتهم بانفسهم وممارسة نفوذهم في ادارة دفة المناطق التي تحت نفوذهم بشكل عقلاني رغم بعض المشاكل والصراعات بين الحين والحين ، واخيرا توج الكرد اهدافهم بان تم توحيد المناطق التي تحت نفوذهم وتم انتخاب رئيس كردي للعراق باجمعه ورئيس لاقليم كردستان وانتخاب برلمان كردستاني وحددت صلاحيات الجميع ضمن برامج واضحة واسس مدروسة .

مما تقدم نريد القول انه وبعد اكثر من ستة وثلاثين عاما على تنفيذ اتفاقية اذار ووضع بنودها هل يدرك الساسة الذين يحكمون اليوم في العراق بان من مصلحتهم كسب ود الكرد واحقاق حقوقهم وعدم التهاون في التعاون معهم لان عكس ذلك سيعيدنا الى المربع الأول من اتفاقية اذار في عام 1970 او الى عهد اتفاقية الجزائر سيئة الصيت وبذلك ستندلع الحروب وتزهق الأرواح فهل يعي القادة الشيعة والسنة اللعبة السياسية في كركوك ويعملون على حلها وحلحلتها ام انهم سيغامرون مثلما فعل المهزوم صدام حسين بعد حكم بالحديد والنار دام اكثر من خمسة وثلاثين عاما فهل هناك عبرة وحكمة في انصاف المظلومين الذي عمد النظام السابق على تهجيرهم والأستيلاء على اموالهم وممتلكاتهم وطردهم من اراضيهم وتهجيرهم واحلال الغرباء محلهم .

هل سيعمل القادة الشيعة والسنة بنفس المنهج الأجرامي الذي فعله سلفهم النظام الصدامي البائد على تهجير الكرد الفيليين والكرد في بغداد والمحافظات الجنوبية مثلما تنطلق الصرخات الشوفينية هذه الأيام باخراج الكرد من الوسط والجنوب اذا ما تم ترحيل الوافدين الى كركوك في زمن صدام .

هل ستعقد الأتفاقيات السرية مع تركيا وايران وسوريا من اجل النيل من الكرد والأنتقام منهم واعادة الأمور الى زمن الأمة العربية الواحدة الموحدة وكل من يسكن في العراق هو جزء من هذه الامة العظيمة الموحدة التي لا يجوز التجاوز عليها .

هل سنتعلم من اتفاقية اذار ؟ بان من يخون العهود وينقضها سيدفع ثمن ذلك باهضا ، هل سنعترف للشعب الكردي حقة في الأستقلال ونيل حقوقه من دون منة من الشعب العربي او الشعب الفارسي او الشعب التركي .

هل سنتعلم انشاء ثقافة الأستقلال الفكري والجغرافي وتعميق فكرة حقوق الأنسان وحق تقرير المصير للشعوب مثلما جاء في مواثيق الأمم المتحدة ؟

هل سنتعلم من الأسلام ومبادءه ويكون لنا الدين الحنيف وقرآنه نبراسا ومرشدا في سبيل عدم الأعتداء على الشعوب واحترام افرادها ودعمها باعتبارهم اخوة في الدين ؟

هل سنتعلم من الشعب الجيكي والسلوفاكي كيف ذهبوا الى صناديق الأقتراع وانفصلوا طواعية من دون اراقة قطرة دم واحدة ؟

لنجعل من اتفاقية اذار درسا لكل من يريد ان ينقض العهود والمواثيق الموقعة ويكشر عن انيابة في وجه الشعوب الأخرى ، نقول له ان الزمن كفيل بان يعيدك الى النقطة التي انطلقت منها وان مصير الشعوب لا يمكن ان يتحكم به جاهل او حاكم ظالم او شلة من المجرمين والشقاوات والعبرة لمن لا يعتبر
.