لم ينطق الرجل الجميل البارزاني عن هوى ، وحاشاه أن يفعل ...! بل هو صوت
الواقعية الكردية في مرحلة نهوض هذه الأمة على أنقاض العلاقات العربية (
بواجهتها الإسلامية الإرهابية المتخلفة ) والحليف الغربي التاريخي لهذه
الأمة ورموزها الرجعية الشوفينية المتخلفة .
هو صوت الشعب الكردي في هذه الأمة العريضة الكبيرة
التي عانت من ظلم العرب والترك والفرس دهرا طويلا ... هو صوت الحقائق
الكردية الناصعة المشرقة القائمة اليوم على أرض العراق ، والتي ستقوم غدا
على ارض كردستان إيران وكردستان تركيا وسوريا ... لكن حسبنا اليوم من
كردستان شطرها العراقي .
في خضم صراع عرب العراق ، الأشقاء الأعداء ، ( كما
هم العرب دوما وفي كل مكان... اشقاء وأعداء ) ، في خضم صراعهم وتكالبهم
على ذبح بعضهم على الهوية الطائفية البائسة ( والتي لا وجود لها في
كردستان ولله الحمد ) ، في خضم هذا الصراع ، على الأخوة الكرد أن يرسموا
سياستهم الواقعية العقلانية المتحضرة الجميلة ، بأكبر قدر من الإستقلال
عن اولئك المتصارعين المستبسلين في الصراع من أجل إشباع هموم أجنبية غير
وطنية وغير عراقية .
وإذ نقول ، هموم أجنبية ، فالمعنى هو هذا التجاذب
والولاء المزدوج للعرب والفرس ، لدى القيادات الفاعلة الناشطة للأخوة
السنة والشيعة العراقيون .
في خضم هذا الصراع وهذا التجاذب والإستقطاب ، ليس
للكرد إلا أن يستقلوا برسم سياسة الإقليم بأكبر قدر من الحرية ، سواء
للمساومة على إستعادة بقية الأرض الكردستانية ، او من أجل دعم خياراتهم
المستقبلية في الحرية والإستقلال الناجز .
تصريحات السيد البارزاني ، رغم أنها تضمنت أولوية القرار الوطني الإتحادي
للحكومة العراقية في إقامة علاقات مع إسرائيل ، لكنها بذات الآن أشارت
إلى نية كردية جريئة أظن أنها ستوضع كورقة قوية على الطاولة التساومية مع
المركز ، ضمن أوراق أخرى عديدة وقوية ، يملكها الكرد الموحدين ، ولا يملك
ولا حتى ربعها أو عشرها العرب المفترقين المتقاتلين في العراق العربي .
أنا اؤمن غاية الإيمان بأن أجندة السادة مقتدى
الصدر والضاري وبقية الإسلاميين العرب ، شيعتهم وسنتهم ، ومن ورائهم
إيرانهم ومصرهم وأزهرهم وسعوديتهم ، لا تعني ولا يجب أن تولى الإعتبار من
قبل الكرد وقياداتهم القوية الموحدة .
فهؤلاء جميعا ، لم نسمع لهم ولا حتى في يوم الله هذا ، صوت إحتجاج أو ندم
أو إستغفار أو إستنكار لجرائم الأنفال ومحرقة حلبجة السيئتي الصيت .
إنه مصير شعب عريض ومصلحة أمة مستباحة مستلبة في أن
تستغل أي سانحة من الفرص لأقامة علاقات مع كل دول العالم ( وبينها
إسرائيل ) وبغض النظر عن موقف المركز في المنطقة الخضراء .
هناك مشتركات كبيرة كثيرة تجمع بين إسرائيل والكرد
في كردستان العراق . شعبان يلتقيان في الإفتراق الإثني والثقافي عن العرب
، ويجتمعان في أنهم تعرضوا ولا زالوا يتعرضون للعداء العربي المبطن أو
المعلن ، ثم يلتقون في أنهم كانوا يوما ما ضحايا للقمع الإسلامي ولقرون
عديدة ، سواء من الترك أو الفرس أو العرب ، ولا زال كلا الشعبين مهددين
من ذات الأعداء ، العرب والترك والفرس ، كحكومات أولا ثم كثقافة إسلامية
سائدة في تلك الدول التي تستبيح أراضي الكرد كميراث من الإمبراطوريات
السابقة ( العثمانية والفارسية ) .
ويلتقون أخيرا في النهج السياسي الديموقراطي .
وبالنتيجة فإن للطرفين مصالح كبيرة في إقامة علاقات إقتصادية وسياسية
وثقافية واسعة ، يمكن أن تبدأ بالدبلوماسية ولا تنتهي عندها .
على الأخوة الكرد وقياداتهم القومية الواعية
وإستنادا إلى الإعتدال الإسلامي لدى الشعب الكردي ووعي هذا الشعب
لمظلوميته التاريخية ومعرفته العيانية الصارخة لأعداءه الحقيقين ، أعداء
الأمس واليوم والغد ، عليهم أن يسارعوا إلى أقامة العلاقات الوثيقة مع
دولة إسرائيل اليوم قبل الغد ، وفرصة اليوم قد لا تأتي غدا لا سمح الله .
وبورك هذا الصوت الحضاري الواقعي الكردي الجريء . |