الكرد الفيليون والفخ الخبيث

 

 سامية عزيز محمد خسرو - عضو مجلس النواب العراقي

 

الكرد الفيليون جزء لا يتجزأ من الأمة الكردية ،  وهم عراقيون أصلاء . بعد معاهدة لوزان تم تقسيم أراض كوردستان بين إيران وسوريا وتركيا وروسيا والعراق . وقد تمت تسمية لعراق بالمملكة العراقية بعد سقوط الدولة االعثمانية . وقد تمت من خلال هذه المعاهدة أيضاً تجزئة الحدود الفاصلة للمنطقة الكردية الجنوبية التي تقطنها أغلبية عشائر الكرد الفيلية بين إيران والعراق ، وبها تجزأت العشائر بين هذين البلدين ،  قسم منها على الجانب الإيراني والآخر على الجانب العراقي وبذا انقسمت العوائل الواحدة بين البلدين. ولكن استمرت الدولة العراقية بنعت هذه الشريحة التي كانت تقطن العراق قبل تأسيس المملكة العراقية بأنها من التبعية الإيرانية وليسوا عراقيين أصلاء . وتمت الممارسات المتعاقبة بحصر هذه الشريحة بعدم الإنتماء إلى العراق . وصدر الدستور العراقي عام 1924م. وحرم كل من كان يعتبر من التبعية الإيرانية من دخول مجلسي الأعيان والنواب حيث كان هذا الأمر مخصصاً فقط للعوائل المنحدرة من تبعية عثمانية التي تتميز غالبيتها بالمذهب السني . وتلاحقت الدساتير التي لم تنصف هذه الشريحة بمضامينها وكذلك القرارات والقوانين الخاصة بالجنسية العراقية المكملة لتلك الدساتير .

 

من جانب آخر بدأت الحركة الكردية الوطنية المعلنة بتشكيل الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الزعيم الخالد المرحوم الملا مصطفى البارزاني والدكتور جعفر محمد كريم والشيخ إبراهيم أحمد وقادة أخرين. ولم تدخل هناك أية خلافات أو نعرات أو تمييز في حينها على اساس المذهب في الحركة الكر دية والتي لا تزال مستمرة حيث تناضل كل شرائح الشعب الكردي معاً من اجل حقوقه التاريخية. وهذا ما دفع بالحكومات الدكتاتورية في حينها إلى تشديد ممارساتها القمعية ضد الكرد عامة والكرد الفيليين خاصة القاطنين في الوسط والجنوب .

 

كما لا يخفى ماكانت لحكومة الظلم والدكتاتورية من ممارسات منظمة ومبرمجة بخبث للسطو على ممتلكات وحقوق الكرد الفيليين الذين كانوا متميزين بمسك عصب الاقتصاد العراقي . وبدأت هذه الممارسات من قبل الحكومات المتتالية التي حكمت العراق بأسلوب عنصري شوفيني . حيث صدر القرار 413 بتاريخ 15/4/1975م. والتي تنص على (1 ) : تمتنع المحاكم من النظر في الدعاوي الناشئة عن تطبيق أحكام قانون الجنسية العراقية ، ويسرى هذا الحكم على الدعاوى التي لم تكتسب قرارات المحاكم فيها الدرجة القطعية ، و(2) مع مراعاة أحكام المادة التاسعة المعدلة من قانون الجنسية العراقية رقم 43 لسنة 1963م. المعدل يجوز الاعتراض على قرارات وزارة الداخلية في تطبيق أحكام هذا القانون لدى السيد رئيس الجمهورية ويكون قراره بهذا الشأن قطعياً .

 كانت هذه هي الخطوة الأولى في حصر القرارات بيد الدكتاتور ، ثم بعد تنحية الرئيس أحمد حسن البكر واستلام صدام حسين لمقاليد الحكم  أصدر مجلس قيادة الثورة المنحل القرار رقم 180 بتاريخ 3/2/1980م. الداعي إلى منح الجنسية العراقية للكرد الفيليين ، بينما الحقيقة كان هذا هو الفخ الذي حضره وخطط له النظام العنصري حيث ينص البند الاول، الفقرة (ا) من هذا القرار على منح الجنسية العراقية ان يكون ساكنا فى العراق قبل ثورة الرابع عشر من تموز عام  1958. ومستمراعلى السكن حتى نفاذ هذا القرار.

 

كان هذا القرار الفخ الموضوع لجلب من ليس لديه شهادة الجنسية للحضور شخصيا للمطالبة واخذ عنوان سكنه منه لحصرهم وانخاذ الخطوة التالية وهى فبركة عملية الجامعة المستنصرية وتهيئة القرار الثانى من مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 518 بتاريخ 10-4-1980 الذي ينص أولاً : يستثنى الأجنبي الإيراني الأصل من الأحكام الخاصة بالتجنس الواردة في قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 180 بتاريخ 3/2/1980م. ثم تلاه القرار 666 بتاريخ 7/8/1980م. الذي ينص على ،  أولاً : تسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة . ثانياً : على وزير الداخلية أن يأمر بإبعاد كل من اسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب الفقرة (أ) ما لم يقتنع بناء على أسباب كافية بأن بقائه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثقة رسمياً .

 

 تم نقل المواطنين العراقيين حتى من حاملي شهادة الجنسية العراقية من قبل مجموعة من أزلام النظام إلى السجون ومقرات الحجز بدون أي محاكمة وأمر قضائي حتى قبل صدور القرار 666 أي في بداية الثمانينات وصدر هذا القرار لتغطية كل ما قاموا به من ممارسات الإبعاد منذ الاشهر الأولى للثمانينات ، فمن أين له هذا الحق بزج هؤلاء في السجون بدون توجيه أية اتهامات ضدهم ومنعهم من الدفاع عن حقوقهم وإثبات برائتهم او عدمها ، إنما تم تطبيق القرار 666 عليهم وهي تعتبر مخالفة دستورية شنيعة بحقهم . وتلاه القرار 474 بتاريخ 15/4/1981م. الصادر من مجلس قيادة الثورة المنحل أيضاً الذي ينص على ما يلي :

أولاً : يصرف للزوج العراقي المتزوج من إمرأة من التبعية الإيرانية مبلغ قدره 4000 دينار إذا كان عسكرياً و2500 دينار إذا كان مدنياً في حالة طلاق زوجته أو في حالة تسفيرها إلى خارج القطر . والكارثة بثانياً : يشترط في منح المبلغ المشار إليه في الفقرة أولاً من هذا القرار ثبوت حالة الطلاق أو التسفير بتأييد من الجهات الرسمية المختصة وإجراء عقد زواج جديد من عراقية .

جرت العادة في كل دول العالم التي تراعي مبادئ حقوق الإنسان العمل على جمع شمل العائلة الواحدة إلا النظام المقبور فقد كان يعمل على تشتيت العائلة وإبعاد الأمهات أو الآباء عن أطفالهم .

 

بدأ النظام العراقي بتسفير العوائل من هذه الشريحة ومن كل من نعت بالتبعية الإيرانية قسراً  ابتداءاً من تاريخ 7/4/1980 إلى إيران بعد ان تم تجريدهم من الوثائق والمستندات الخاصة بهم وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة وسجنهم لجعلهم مجموعات ضخمة لتسفيرهم إلى إيران بعد أخذ شبابهم بين سن 12- 45 عاماً كرهائن في سجون نظام الطاغية والذين تغيبوا ولم يظهر لهم أثر إلا جزء منهم في المقابر الجماعية والجزء الآخر لم يتبين لهم أثر لتاريخه . وبعد مدة صدر القرار رقم 1194 بتاريخ 2/11/1983م.  الذي ينص على :

1-  تتولى السلطة المالية إدارة العقارات العائدة إلى العراقيات اللائي التحقن او يلتحقن بأزواجهن المسفرين ويحتفظن بالجنسية العراقية وتسجل المبالغ المستحصلة من استغلال العقارات المذكورة في حسابات خاصة . 

وعلى الر غم من خدمة أولاد شباب هذه العوائل المذكورة أعلاه تحت لواء العلم العراقي ولكن تم اسقاط الهوية العراقية عنهم وحجزهم بعد تسفير ذويهم في حين صدر قرار من مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 511 بتاريخ 16/7/1987م. الذي ينص على :

أولاً : يجوز شمول العربي المتجنس بالجنسية العراقية بالخدمة العسكرية الإلزامية أو خدمة الاحتياط إذا أبدى رغبته التحريرية بذلك .

ثانياً : يخضع الأجنبي المتجنس بالجنسية العراقية للخدمة العسكرية الإلزامية وخدمة الاحتياط وتطبق أحكام هذه الفقرة على كل أجنبي اكتسب الجنسية العراقية قبل العمل بهذا القرار أسوة بالعراقيين من نفس تولاداتهم .

 

وتسهيلاً لمنح العرب الجنسية العراقية صدر القرار رقم 141 بتاريخ 21/5/1991م. :

1- يخول رئيس ديوان الرئاسة توقيع قرارات مجلس قيادة الثورة ( المنحل ) المتعلقة بمنح المواطنين العرب الجنسية العراقية بعد حصول موافقة الرئاسة عليها .

وسقط النظام وتنفست هذه الشريحة الصعداء وعاد البعض منهم إلى الوطن بعد أن فتحت الحدود العراقية على امل أنها ستنال حقوقها ولكن نصبت فخاخ أخرى في طريقهم لإعادة شهادات جنسياتهم المصادرة ، ففي بداية الأمر كانت الحجة هي عدم اسقاط القرار 666 الذي تم أسقاطه بموجب قانون إدارة الدولة ، فهذا القانون لم يتم تفعيله في حينه للإنتظار بتشكيل حكومة عراقية وطنية وكان تأسيس الحكومة المؤقتة وتم فعلاً في المجلس الوطني إسقاط القرار 666 وعلى أساس أن يبدأ العمل بالجديد. ولكن أيضاً كانت العراقيل توضع  فى طريق تنفيذه بسبب الفساد الإداري ومن قبل نفس الأشخاص الذين كانوا يعملون في ظل النظام السابق في المجال ذاته ، ثم قام البعض ممن حصل على الهوية العراقية بتقديم الطلبات للحصول على شهادة الجنسية العراقية بعد عودتهم  الا انهم تفاجأوا بطلب مديرية الجنسية احالتهم الى مديرية الاقامة وفي مديرية الإقامة طلب منهم إبراز الوثيقة الرسمية لدخولهم إلى العراق ( الوثيقة الشرعية ) أي جواز السفر على أساس هو الطريق الشرعي الوحيد لدخولهم إلى العراق ، وأي جواز هذا الذي يتكلمون عنه ؟ والذي يعتبروه شرعياً لدخولهم إلى العراق ، أساساً الطريق الشرعي الوحيد الذي دخلوا به إلى الأراضي العراقية هو مسقط رأسهم العراق ، ولا طريق شرعي أكثر من هذا ،  ووجودهم في هذه الأراضي لغاية تسفيرهم اللاشرعي إلى خارج الأراضي العراقية هو الذي يجب الالتفات إليه .

 

وللعلم  إن هؤلاء المسفرين قسراً من العراق إلى إيران استمروا بالإقامة هناك ولم يحصلوا على الجنسية وجواز السفر الايرانيين لأنهم كانوا يعبرونهم رعايا عراقيين، وكانت لديهم فقط الهوية الخضراء أو البيضاء التي منحت لهم عند استلامهم من قبل منظمة الأمم المتحدة أو القوات الإيرانية أبان الحرب العراقية – الإيرانية .

 

هنا أطرح سؤالي أين هم المسؤولون في الحكومة الجديدة لكي ينصفوهم . وبالرغم من المتابعة الدائمة مع مديرية الجنسية عن طريق لجنة المهجرين في البرلمان وبالرغم من مساندة المسؤولين في البرلمان العراقي ومنهم الدكتور فؤاد معصوم حينما كان رئيساً للمجلس الوطني ونائبه في حينها دولة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي ، والدكتور برهم صالح بصفته النائب الأول لرئيس الوزراء في الحكومتين المؤقتة الأولى والحكومة المنتخبة من الشعب بعد صدور الدستور الدائم . مع العلم ، إن كافة السادة النواب في مجلس النواب العراقي وكذلك رئيس كتلة الإئتلاف في البرلمان الشيخ جلال الدين الصغير قد ساهموا بالمتابعات الحثيثة مع هذه المديرية . وصدر الدستور العراقي الدائم ، وبزيارة السيد النائب الأول لرئيس الوزراء شخصياً لوزارة الداخلية مع مستشاريه السياسي والقانوني وبوجودي تم اللقاء مع السيد وزير الداخلية وكانت النتيجة أن صدرت آلية العمل وبذل الجهود الحثيثة من قبل السادة المسؤولين بوزارة الداخلية من السيد وكيل الوزارة والسيد المديرعام ومعاونه لدائرة شهادة الجنسية على منح شهادة الجنسية لكل من كان مقيماً في العراق هو أو ذويه منذ عام 1957م. على أن تمنح الجنسية العراقية بموجب سجلات عام 1957م.

وهنا ، نشكر الجهود التي بذلها كل من ساهم في حل هذه المعضلة ونرجو من الله العزيز الكريم أن لا توضع أفخاخ أخرى في سبيل تمييز هذه الشريحة عن باقي شرائح المجتمع العراقي من الآن فصاعداً ،ومن الله التوفيق