حول تصريحات الرئيس حسني مبارك

Jan 19, 2005
بقلم: عبد الستار نورعلي

يخرج علينا الرئيس المصري حسني مبارك بين فترة وأخرى في تصريحاته حول العراق باشارات غامزة أحياناً و صريحة أخرى في الربط بين الحالة العراقية والصومالية ، ولسان
حاله يقول بأن العراق مقبل على حرب أهلية والتقسيم . ففي تصريحاته الأخيرة الى قناة العربية الفضائية أشار الى أنه قال للأمريكان قبل احتلالهم للصومال بأنه من خلال معرفته
بالشعب الصومالي يرى بأن الأمريكان سيواجهون ضربات من الذين ضدهم والذين معهم . وهو ما حصل بالفعل ، وكانت من نتائجه خروجهم من الصومال .

يظهر من تصريحات الرئيس مبارك وكأنه يتوقع حدوث مايشبه الحالة الصومالية في العراق أي حرب أهلية وتورط أمريكي وتقسيم وتشرذم . وهو ما كان ولا يزال يقوله الكثيرون من
المحللين والكتاب العرب ممن لم يرق لهم التغيير الذي حصل في العراق وسقوط النظام الدكتاتوري الدموي السابق . لكن الواقع على الأرض خيب توقعاتهم التي تصل الى حد التمني
بل العمل الدؤوب كتابة وتحريضاً إعلامياً ومساندة بالمال والسلاح والرجال لكي يحدث ما يريدونه ويتمنونه من حرب أهلية وتقسيم طائفي وعرقي ليثبتوا صحة ما قالوه و توقعوه في
ضجيجهم المريض .

أما بالنسبة للمسؤولين العرب فإنهم الأكثر تمنياً وحرصاً وفعلاً على حدوث ذلك ، وإن أعلنوا خلافه في نفاق سياسي مزدوج يدخل في إطاره التقرب من الولايات المتحدة خوفاً على
كراسيهم أو طمعاً في مساعدة تجود بها عليهم . فهم يصرحون عكس ما يضمرون و يفعلون من خلف الستار . فلو نظرنا الى إعلامهم الرسمي وغير الرسمي وأفعالهم على الأرض نجد ما
يدحض كل أقوالهم وتصريحاتهم عن ابداء الحرص على العراق وشعبه ووحدته . وإن كانوا فعلاً كذلك لمدوا يد المساعدة الصادقة الى العراقيين للخروج من محنتهم ومساعدتهم على
تجاوز ما هم فيه . في الجانب الآخر لا يثق الشعب العراقي بشقيقه العربي ولا بحكامه ومسؤوليه ولا يطمئن اليهم لما عايشه منهم في فترة الحكم السابق حين أداروا ظهورهم
لمعاناته ، ولم يقف الحال بهم على ذلك بل وصل حد مساندة النظام والتمتع بخيرات العراق دون شعبه الذي كان يعاني البطش والفقر والجوع والمرض والتخلف ، لقد رفضوا دعم
الشعب العراقي على التخلص من النظام الدكتاتوري الى حد الوقوف العلني ضد محاولات قواه المعارضة في العمل على ذلك ، مما أدى الى أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية على
الخط لتقوم بالمهمة مستغلة محنة العراقيين وتطلعاتهم للخلاص في تنفيذ حلمها ومخططاتها الاستراتيجية في الدخول العسكري والسياسي القوي الفاعل في منطقة الشرق
الاوسط والسيطرة على منابع النفط من خلال احتلال العراق ، ثم تهديد الدول الأخرى المعادية لها ولإسرائيل في المنطقة ، وبعدها التمدد الاستراتيجي في آسيا صوب أقصاها في
مواجهة القوة النامية للصين والهند.

وفي هذا السياق وفي محاولة لتبرير عدم مساندة العرب للعراقيين في حفظ الأمن من خلال تشكيل قوة عربية تقوم بهذه المهمة أشار الرئيس مبارك الى أن العراقيين هم الذين يرفضون
المساعدة العربية متناسياً ما ذكرنا من فقدان الثقة العراقية بالعرب ومسببات هذا الفقدان والتوجس من دخول قوات عربية . فالعراقيون يرون أن الأطراف العربية منحازة الى طرف دون
آخر ومتورطة بشكل وآخر في تأجيج الصراع وإشعال الأحداث ودعم الارهاب والتفخيخ والقتل الجماعي . كما يرون أهم وحدهم اولى بترتيب بيتهم وحفظ أمنهم . لقد وصلوا الى
قناعة تامة بأن أي دخول عربي أمني وعسكري الى بلدهم سيؤدي الى تدخلات وانحياز ودعم جهة دون أخرى ، وتنفيذ أجندات عربية مختلفة ، مما سيؤدي الى تعقيد الوضع أكثر ، وربما
الى استعار قتال داخلي . فماذا فعلت القوات العربية في لبنان سوى تأزيم الاحتقان وإشعال الحرب الأهلية وبسط سيطرة وتسلط القوات السورية ووقوفها الى جانب ضد آخر. وماذا
فعلت قبلها القوات المصرية في اليمن ؟

إن التوقعات والتمنيات بأنه سيحدث ما سيحدث في العراق وتقديم النصح والرأي والمشورة للولايات المتحدة الأمريكية قبل وبعد الاحتلال وكأنها لا تعرف ما تنوي فعله ، ثم تقريب
المشابهة بين العراق والصومال أمر مبالغ فيه وتشبيه غير موفق ولا يجوز خاصة من مسؤولعال يدعي فهم نفسية الشعب العراقي في كبريائه وشموخ أنفه واعتزازه بنفسه ، وكأن ذلك
عيب يلام عليه . العراق مهد الحضارات الانسانية الكبرى التي أنارت الطريق للأمم الأخرى ، وشعبه شعب التنوير الحضاري والثقافي العربي والاسلامي والعالمي ، وهو زاخر بالمبدعين
والعلماء والمثقفين وأصحاب التجربة والخبرة السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية القادرة على إدارة العالم العربي لوحده لو تُرك بسلام وأمن كي يحل مشاكله ويدير شؤونه
بنفسه دون تدخل علناً أو من وراء الستار ، أولعب دور المستشار والمفكر الموجه وكأنه يخلو من المستشارين والمفكرين والقادة القادرين .