رسالة الى الشاعر سمير صبيح
من الكاكه عبد الستار نورعلي

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين،

 

السيد سمير صبيح،

 

أما بعدُ،

 

أكتب اليك بمناسبة إلقائك قصيدتك "كاكه حمه" على فضائية بلادي والتي تصبّ فيها جام ما في نفسك من مشاعر كراهية لشعب كاكه حمه.

 

يقولون أنني شاعر عراقي، دون أنْ يصنفوني أو يُشرّحوني الى قومية أو طائفةٍ أو دينٍ أو حزبٍ أو قبيلةٍ أو عشيرةٍ أو عميرةٍ أو شريحة. وهو ما يقولونه أيضاً عن الشعراء بلند الحيدري و معروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي وجليل حيدر وغيرهم لا تحضرني أسماؤهم الآن.

 

تحت نصوصي التي نشرتها وأنشرها في الصحف والمجلات والمواقع العراقية والعربية منذ عام 1965 ولحد اليوم يضعون اسم (الشاعر العراقي عبد الستار نورعلي) حتى وأنا اليوم مواطن سويدي!

 

أؤمن بأنّ للشعر دوراً انسانياً يتخطى العِرق واللون والطبقة والجغرافيا والزمن، أمتطي عربة أبولو لأجوب الأقطار والبلدان والأحياء والأزقة والزوايا والبيوت حيث الانسان الذي يعاني ابيضَ كانَ أم أسمرَ أم أسودَ أم أصفرَ.

 

كتبتُ عن فلسطينَ وعن الجزائر وعن فيتنام وعن تشيلي وعن تحرير سيناء وعن لبنان أيام الحرب الأهلية وعن حربه 2006، وفي مقدمة الكل كتبت عن وطني العراق كله  وما عاناه ويعانيه دون النظر الى عرق أودين أو طائفة. ولذا فإنّ علاقاتي بالجميع طيبة مبنية على المحبة والاحترام . فأنا أحبهم جميعاً، مثلما هم يحبونني. ولا تسمح لي نفسي أن أمس شعرةً ولا شعوراً لأي منهم.

 

كانت هدايتي في درب القصيدة هو الاستثناء في قوله تعالى:

 

"والشعراءُ يتبعُهم الغاوونَ، ألمْ ترَ أنهم في كلِّ وادٍ يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إلا الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ وذكروا الله كثيرا."

 

وحين يؤمن الشاعر ويعمل الصالحات ويذكر الله كثيرا يبتعد بالضرورة عن كل ما يُغضبُه سبحانه وتعالى، ومنها العصبية القبلية والطعن في الأمم وأعراقها ونشر البغضاء في صفوفها، وهدياً أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلمَ:

"لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى."

 

كما أن الرسول الأعظم ص قال :"وإنّ من الشعر لحكمةً."

 

وأنت عارف يالتأكيد معنى الحكمة، وهي إعمال العقل بأناة ورويةٍ وعمقٍ في تدبير الأمور واتخاذ المواقف والقرارات ورسم الخطوات، وكذلك في التعبير عن التجارب والأفكار بالشعر عن طريق الحكمة والتعقل ونشرهما بين الناس، لتجنب الانزلاق في مهاوي الخطأ والسوء والذنب والرذيلة والبغضاء ونشر الكراهية وإذكاء نار الجاهلية، وللعمل شعراً وتعبيراً على نشر التعقل والفضيلة والخير والمحبة بين الناس عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم:

"حبَّ لأخيك ما تحبُّ لنفسك."

 

فهل أحببت أنت الشاعر لأخيك في الوطن والدين الكاكه حمه ما تحبّ لنفسك؟

أم أنك نشرتَ بقصيدتك روح الكراهية والبغضاء واعلان الحرب على الكاكه حمه؟!

 

لقد اهتديتُ أنا أيضاً فيما اهتديت به من اقوال في مسيرة الابداع الشعري قول الشاعر المرحوم محمود درويش:

 

قصائدنا بلا لونٍ

ولا طعمِ ولا صوتِ

إذا لم تحمل المصباحَ

من بيتٍ إلى بيتِ

 

لقد منح درويش الشعر صفة المصباح الذي ينير جنبات البيوت فيطرد الظلام. فالشعر نور ، وليس ظلاماً يغمر البيوت والنفوس والقلوب، وينشر الفرقة والكراهية والاحترابَ. ولذا بقي محمود درويش مصباحاً منيراً وإرثاً غنياً  للعرب ولغيرهم وللعالم والانسانية كلها مخترقاً حدود الخرائط والأعراق والأطياف والألوان والزمن.

 

السيد سمير صبيح،

 

إنك بقصيدتك هذه أخرجت الشعر من انسانيته واضاءاته ونشره لروح المحبة وحولته الى أداة للبغضاء ونشر للشرّ والحقد وروح الانتقام.، وأنكرت أدوار الكاكه حمه في الحياة العربية والاسلامية ومسحت تواريخهم بنسيانك:

الكاكه صلاح الدين الأيوبي

الكاكه ابن خلكان

الكاكه الشيخ محمد عبده

الكاكه عباس محمود العقاد

الكاكه أحمد شوقي

الكاكه أحمد تيمور

الكاكه محمود تيمور

الكاكه المؤرخ والشاعر والوزير محمد كرد علي

الكاكه ابراهيم هنانو أحد قادة الثورة السورية ضدالفرنسين

الكاكه يوسف العظمة وزير الحربية السوري وأحد قادة الثورة ضد الفرنسين

الكاكه بكر صدقي

الكاكه احمد مختار بابان

الكاكه سعيد قزاز

الكاكه معروف الرصافي

الكاكه جميل صدقي الزهاوي

الكاكه بلند الحيدري

الكاكه سليم بركات

الكاكه الموسيقار سلمان شكر

الكاكه الموسيقار نصير شمه

الكاكه حامي هدف منتخب العراق السابق أنور مراد

الكاكه جلال عبد الرحمن

الكاكه مهدي عبد الصاحب

الكاكه لاعب كرة السلة السابق داود سلمان

الكاكه لاعب كرة السلة السابق عبد الحسين خليل

الكاكه اللاعب الكبير هوار الملا محمد

وغيرهم الآلاف من القادة والسياسين والأدباء والشعراء والكتاب والفنانين والرياضيين العاملين على مساحة الخارطة العربية....

 

كما ونسيتَ تضحيات الكاكه حمه في تاريخ العراق قديماً وحديثاً في كل المعرك التي خاضها عربياً وعراقياً من أجل رفعته وعزته واعلاء شأنه والمساهمة في بنائه. كما نسيت دوره في احتضان أخوانه من كل الأطياف حين اشتدت عواصف الظلم والطغيان، ولا يزال. مثلما نسيت دوره الحالي من خلال العمل داخل القوى السياسية والدينية التي تنتمي اليها، والأسماء كثيرة.

 

وقد تقول أنّك لا تعني شعب كاكه حمه ، وإنما الأحزاب والقيادات الكردستانية ومواقفها السياسية، وهو تبرير جاهز لكل من يعادي شعب كاكه حمه وحقه في العيش بحرية واستقلالية والحصول على حقوقه المشروعة مثلما أقرته المنظمات الدولية من مبادئ حقوق الانسان.

 

كان يمكن لك ان تخاطب القيادات الكردستانية وتنتقدها كما تشاء، مثلما يفعل الكثير من شعب كاكه حمه نفسه، وهو من حقك كمواطن في العراق الجديد الذي مثلما نسمع أن قواه السياسية والدينية والاجتماعية الحاكمة، وأنت تنتمي اليها، تريد ان تبني دولة ديمقراطية عصرية يحكمها الدستور والقانون، ومجتمعاً مدنياً يحفظ حقوق الانسان ويؤمن بحرية الرأي لا حرية نشر الكراهية والعنصرية التي يحاسب عليها الدستور والقانون العراقي والدولي.

 

ولا يغرنّك التصفيق والضحك والفرح الذي ظهر على أحد اعضاء مجلس النواب (فوزي أكرم ترزي) الحاضر في المهرجان، لأنه يحمل في نفسه أثراً عنصرياً تاريخياً ضد شعب كاكه حمه. وهو بمفهوم عضويته قد أقسم على احترام الدستور والقانون وخدمة الشعب والذي أحد اطيافه الكاكه حمه. وبذلك خرج عن الدستور والقانون وأبسط مقومات احترام عضويته في مجلس يعمل على خدمة كل أطياف الشعب دون تحيز أو تمييز أو تقوقع. إضافة الى أنه من تيارٍ ديني له تاريخه النضالي المشرف والمشرق وقد عانى أعضاؤه وقادته من الظلم والاضطهاد والقهر والقتل والتشريد الشيء الكثير، وله دوره الحالي في الدفاع عن المقهورين والفقراء والمظلومين، وهو التيار الصدري. ولا أظن أن قادته راضون بهذا الاعتداء على شعب بأسره.

 

وهنا لا بد من الاشارة الى أن الإئتلاف الذي ينتمي اليه هذا العضو في البرلمان  يتحمل هو الآخر مسؤولية أخلاقية وسياسية وقانونية فيما جرى لأنه يمثله والمفترض فيه أن يعبر عن مواقفه وبرامجه وسياساته. كما أنّ الفضائية التي عرضتها وهي (بلادي ) تعود لأحد قادة الائتلاف الشيعي وهو ابراهيم الجعفري الذي يبدو أنه لم ينس دور الأكراد في ازاحته عن كرسي رئاسة الوزراء التي تشبث بها الى آخر لحظة. وعليه فإن جميع هؤلاء يتحملون التبعات الأخلاقية والقانونية فيما جرى. وعليهم أن يقدموا لشعب كاكه حمه ، وأنا منهم، اعتذاراً رسمياً ليبرؤوا ذمتهم من هذا الاعتداء الصارخ غير المبرر والإثم اللاأخلاقي واللاإنساني.  

 

السيد سمير صبيح،

 

إنك بقصيدتك هذه ضربت روح الشعر في مقتل، وضربت بعرض الحائط قوله تعالى في صفة الشعر وكذا الحديث النبوي الشريف عن المحبة والشعر. وقد أذكيت بها نار الكراهية والبغضاء بين أطياف الشعب العراقي بدلاً من العمل على اطفائها، والعراق في وضع لا يُحسد عليه وفي محاولة محمومة لبناء بلد جديد مختلف عما مرّ به عبر عصوره المختلفة.

 

لكنه يبدو أن بعض النفوس التي تدعي الابداع لا تستطيع إلا أن تعبر عما في داخلها من ترسبات سوداء ماضية،ولم تتخلص بعدُ من آثار الدمار النفسي والعمى الفكري والتعصب ورفض الآخر، والتي جميعاً هي في الضد من الديمقراطية ودولة القانون والمواطنة للجميع ومبادئ حقوق الانسان.

 

والله من وراء القصد،

 

والسلام عليكم

 

الشاعر الكاكه عبد الستار نورعلي

الأحد 10 كانون الثاني 2009

 

 

Back