ماذا لو أصبح اياد علاوي
رئيساً للوزراء؟
لو عدنا الى ماقبل الانتخابات العراقية الأخيرة في السابع من
آذار 2010 واستعدنا تصريحات الدكتور صالح المطلك أحد قادة القائمة العراقية
التي يرأسها الدكتور اياد علاوي قبل اجتثاث الأول من هيئة المساءلة والعدالة،
لو عدنا الى بعض تلك التصريحات نجد أن المطلك بشّر الشعب العراقي بأن
الوطنيين العراقيين قادمون وأن الاستقرار والأمن والاعمار سيعمّ العراق.
مستنداً في ذلك الى توقعاته وغيره من المتحالفين في القائمة العراقية وثقتهم
بأنها ستفوز في الانتخابات. فبالنسبة للمطلك وللمتحالفين معه من كتل وشخصيات
قومية الاتجاه وبعثية معادية لما جرى في العراق من عملية سياسية بعد الاحتلال
فانهم هم الوطنيون والأحزاب الدينية الشيعية عميلة لايران، والكرد عملاء
لأمريكا واسرائيل، وهم خونة لأنهم جاؤوا على ظهور الدبابات الأمريكية، فهم
بذلك غير وطنيين.
إذا فازت القائمة العراقية بأ‘لى الأصوات فسيصبح اياد علاوي رئيساً للوزراء
على اساس أنّ القائمة الفائزة هي التي ترشح رئيساً للوزراء. ولأنّ القائمة لن
تحصل على الغالبية المطلقة فانها تحتاج الى تحالفات مع قوى أخرى لتشكيل
الوزارة وهذا ما يدخل التشكيلة في توافقات واتفاقات مع القوى المتحالفة وفق
تنازلات متبادلة تفرضها مثل هذه التحالفات. بمعنى هات وخذْ. ومع افتراضنا أن
اياد علاوي سيكون رئيساً للوزراء، أي أنّ قائمة العراقية ستحكم فماذا نتوقع
أن يحدث في العراق؟
من خلال قراءة لما خلف تصريحات صالح المطلك المشار اليها، وكذلك موقف الدول
العربية ونظرتها من الوضع العراقي ومن اياد علاوي والقوى العراقية السياسية
الأخرى، وبخاصة الحاكمة حالياً نستطيع أن نتوقع ما سيجري لو حكمت العراقية:
1- سيستتب الأمن وتقلّ الى حد بعيد إن لم تتوقف أعمال العنف والتفجيرات. لأنّ
غالبية التفجيرات الارهابية وأعمال العنف تنطلق من الذين تذمروا من التغيير
ومن فقدانهم مراكزهم في السلطة والقرار، إذ كانوا مستفيدين في ظلّ النظام
السابق سلطةً ومركزاً ونفوذاً، وهم المتهمون الأساسيون بارتكاب هذه الأعمال.
اضافة الى الارهابيين المرسلين والقادمين من دول الجوار العربي والمدعومين
شعبياً ورسمياً من الأنظمة العربية المعادية للتغيير في العراق. وعليه سيتخفف
الدعم العربي للمجاميع الارهابية المجندة والمتسللة تحت سمع وبصر دول الجوار
وغير الجوار العربية، كما وستتوقف الحاضنة العراقية في استقبالها وتقديم
الدعم اللوجستي لها. وذلك لمساعدة حكومة علاوي الجديدة المرضي عنها عربياً
ومن القوى المتذمرة داخلياً والتي انضوت تحت لواء قائمة العراقية، ومن أجل
اتساع التأييد لها داخل الرأي العام العراقي لتقوية نفوذها وقاعدتها
الجماهيرية.
2- إعادة ضباط وأفراد الجيش والشرطة والمخابرات والأمن الداخلي السابقين الى
مواقعهم، وكذلك المسؤولين المدنيين الكبار، وتطهير أجهزتها ممن يسمونهم عناصر
المليشيات التي تسللت اليها خلال الحقبة الماضية. وكذا في الوزارات والدوائر
المدنية للذين يرون فيهم منتسبين الى القوى غير الوطنية والمرتبطة بايران
بحسب زعمهم واتهامهم.
3- ستنفتح الدول العربية على العراق سياسياً ودبلوماسياً واعلامياً
واقتصادياً، وتقلّ إنْ لم تختفِ الحملات الاعلامية العربية المعادية للوضع
والتغيير في العراق بعد الاحتلال 2003. ولا نستغرب إنْ تحولت الى مساندة
وتأييد وبرامج دعائية للحكومة الجديدة من أجل تقويتها وتعظيم شأنها في نظر
العراقيين والعرب.
4- سيستقر الوضع الاقتصادي ويتطور، وسوف تتدفق الأموال العربية وخاصة
الخليجية على العراق على شكل مساعدات وهبات واستثمارات ومشاريع اعمار وبناء
مرافق من أجل تقليص البطالة من خلال التنمية.
5- سيتغير الدستور جوهرياًً، إنْ لم يحدث انقلاب عليه من خلال البرلمان
القادم، فتلغى الفدرالية وتسمية العراق الاتحادي وتدخل عليه فقرة أنّ العراق
جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، ويتم فيه تشريع سلطات أكبر بيد رئيس
الجمهورية، وتقوية الحكومة المركزية لتكون بيدها السيطرة الكاملة على القوات
المسلحة والأمن وعلى رسم السياسات الخارجية والعلاقات مع الدول والاقتصاد
والنفط وتوزيع الثروات على المحافظات.
6- ستلغى المادة 140 حول كركوك والمناطق المتنازع عليها مع الكرد على أساس
انتهاء زمن صلاحيتها.
7- الغاء هيئة المساءلة والعدالة بدعوى المصالحة الوطنية.
8- الغاء المحكمة الجنائية العليا لمحاكمة مجرمي النظام الساقط في قضايا
الجرائم التى ارتكبوها. ولا نستغرب حينها أن نسمع باطلاق سراح المجرمين
المتهمين بارتكاب جرائم وحشية بحق الشعب العراقي بمختلف طوائفه، وحتى
المدانين منهم والمحكومين بالاعدام. وربما يجري تعويضهم لما لحق بهم من اتهام
وأضرار وحجز غير قانوني.
9- محاولة اجراء محاكمات لجرائم ما بعد الاحتلال والتي اقترفتها ما يسمونها
بالمليشيات الموالية لايران.
10- تعويض البعثيين الذين لحقتهم مظالم بعد الاحتلال.
11- ستسوء العلاقات مع ايران، وسيمنع الزوار الايرانيون من دخول العراق،
وسيتم غلق الحدود معها، بدعوى منع تسلل أفراد المخابرات الايرانية التي تهدف
الى نشر العنف والفوضى ودعم المليشيات الموالية لها. ومن هذه الاجراءات
وانطلاقاً من استتباب الأمن وتوقف عمليات الارهاب والعنف يتم التأكيد على
الاتهام الموجه الى ايران والأحزاب والمليشيات الموالية لها بأنها كانت وراء
كل هذه الأعمال لتبرئة الفاعلين الحقيقيين مثلما حدث ويحدث اليوم إثر كل عمل
ارهابي حتى لو اعترفت القوى الارهابية بارتكابها. وهنا لسنا بصدد تبرئة ايران
من دعم العديد من القوى وتسليحها للقيام بمثل هذه الأعمال، فيدها طولى داخل
العراق بلا شك، مثلها مثل غيرها من دول الجوار التي تعمل وفق مصالحها
واجنداتها وأمنها ومعارضتها للتغيير.
ومما ذكرنا من نقاط نتوقع حدوثها بعد استلام اياد علاوي رئاسة الحكومة، ستعمل
الحكومة على ترسيخ اجراءاتها خاصة في المجال العسكري والأمني والوزارات
ودوائر الدولة لتبقى في يد قائمة العراقية المفاصل المهمة في التحكم بالسلطة
والنفوذ وتوسيع دائرة التأييد الشعبي لتكون القوة السياسية الأكبر في العراق
وفي البرلمان مستقبلاً أيضاً ومن خلال ما تقدمه من طبق الأمن والاستقرار
والاعمار للشعب العراقي مقارنة بما حدث في السنين الماضية. اضافة الى أنّ
العراقية جاءت وهي تحمل شعار الوطنية العراقية والعلمانية ومعاداة المحاصصة
الطائفية والعرقية ومحاربة الفساد وسوء الخدمات التي صبغت الفترة السابقة.،
والتي ملّ منها العراقيون وذاقوا منها الأمرين الى جانب فقدان الأمن والأمان
وانتشار البطالة والفقر والحرمان، في مقابل نمو القطط السمان وقادة الفساد
والاختلاس وحرامية البترول وانتشار المافيات الحزبية والسياسية والمالية
والجريمة المنظمة. وبذا يظهر عهد إياد علاوي عهداً ذهبياً قياساً الى ماسبق
وبدعم عربي كامل لتبقى العراقية القوة الأكبر بعلاوي أو بدونه مستقبلاً!؟
وقد يقول قائل بأنه لا يمكن لإياد علاوي ولا قوى قائمة العراقية أن تغيّر
شيئاً جذرياً طالما نحن في بلد ديمقراطي يحكمه الدستور والقانون، وهناك قوى
سياسية أخرى معارضة لتوجهاته ولمَنْ معه داخل قبة البرلمان وفي الشارع
السياسي والرأي العام. وخاصة أن قائمة العراقية ليست لديها الأغلبية
البرلمانية المريحة التي تهيئ لها تمرير ما تحاول تمريره من شرائع وقوانين
وتغيير في فقرات من الدستور. فهناك القوى الشيعية والكردية القوية برلمانياً
وسياسياً والتي ستقف لها بالمرصاد دون تمرير ما تبتغيه مما لا يتوافق مع
مصالحها ومصالح عموم العراقيين.
وهنا لا بد من أن نشير إلى أنّ هناك الكثيرين من النواب القادمين تحت عباءة
القوى السياسية الأخرى، وبتدبير وتخطيط لبعضهم من باب تقسيم الأدوار للدخول
تحت قبة البرلمان ضمن القوى المتعددة والمختلفة ليلتقوا ببعض فيما بعد دخولهم
البرلمان من خلال الالتقاء على نفس الأهداف المشتركة التي يتفقون عليها معاً،
فهم يحملون ذات المشاعر القومية والاتجاهات السياسية والرغبة في التغيير
تلتقي مع توجهات العراقية وزعيمها الجامع للقوى المنضوية تحت ائتلافها اسماً
ولها في الحقيقة مخططات قد تكون مختلفة معه في بعضها لكنها متماسكة في
توجهاتها العامة في الالتفاف على الدستور والقوانين التي ترى أنها سُنّتْ في
زمن دون رغبتها لظروف قاهرة خارج ارادتها بعد التغيير العاصف بعد عام 2003
والذي قلب ميزان القوى تماماً لغير صالحها وبالضد مما كانت تتمتع به من
امتيازات سابقة فقدتها. فهي قد انحنت أمام العاصفة مؤقتاً لحين تأتي الفرصة
السانحة لها للعودة برداء الديمقراطية وصناديق الاقتراع وأصوات الناخبين
والذي لا يمكن لأحد أن يعترض عليها. وها قد أوصلتهم اليوم الى البرلمان حيث
بامكانهم سلمياً ومدنياً، دستورياً وشرعياً وقانونياً أن يغيّروا ما يُغيّرون
ويصلوا الى ما يهدفون ويتحكموا بالسلطة من جديد بعد غياب سنوات عجاف بالنسبة
لهم وبثوب قديم جديد وباسم الديمقراطية.
إنّ باستطاعتهم أن يحشّدوا التأييد داخل قبة البرلمان ويجنّدوا أصواتاً مضافة
الى أصواتهم من القوى الأخرى والشخصيات التي انسلت الى مجلس النواب تحت عباءة
هذه القوى وكما أسلفنا بصورة تقسيم الأدوار او في ظلِّ المشاعر القومية
المتوافقة معاً او الالتقاء على بعض توجهات التغيير المتوافقة في الرأي من
مثل المادة 140الدستورية وقضية الفدرالية ومنح سلطات اوسع لرئيس الجمهورية
وتقوية الحكومة المركزية. وهي أمور تلتقي عليها العديد من القوى السياسية
والكثيرون من أعضاء مجلس النواب ومن مختلف الاتجاهات، حتى المتعارضة جذرياً،
وذلك لتمرير ما يريدون تمريره من تشريعات وقوانين وتغييرات جذرية تمس روح
الديمقراطية وسلطة القانون والدستور. ولدينا من حركة 22 تموز داخل البرلمان
العراقي خير دليل حيث التقى المتعارضون ومن مختلف القوى حتى المتحالفة مع
الكرد من مثل هادي العامري الذي جلس مع البعثيين مثلما كان هو ومن معه من
ائتلافه يتهمون بعض النواب الذين التقوا معهم على مائدة واحدة فيما سمي قوى
22 تموز 2008 والتي قادها رئيس البرلمان السابق الدكتور محمود المشهداني،
فكان بينهم نواب من حزب الفضيلة والصدريين وحزب الدعوة والتوافق والعراقية
وذلك عند التصويت على قانون انتخابات المحافظات وحول انتخابات كركوك والمناطق
المتنازع عليها، حيث تم تأجيل الانتخابات فيها بدعوى خصوصية وضعها، وبذا
استمرت مسألة المماطلة في تطبيق المادة 140 من الدستور حول كركوك والمناطق
المتنازع عليها لتدخل في متاهات صلاحية زمنها الذي مرّ.
فإذا اتفقوا هناك فكيف لا يتفقون هنا بعد هذا الفوز الكبير للعراقية ودخولها
البرلمان بقوة وبأصوات الناخبين وبمؤيدي توجهاتها من النواب الآخرين المنضوين
تحت ألوية قوى سياسية أخرى وهم يحملون نفس التوجهات والرغبات والأهداف، وخاصة
في قضية الكرد وفدراليتهم والمناطق المتنازع عليها والفدراليات عموماً
والمرفوضة من البعض بغض النظر عن اختلاف أو التقاء القوى متعارضة كانت أم
مؤتلفة، وفي قضية هيئة المساءلة والعدالة، والمصالحة الوطنية، وكذلك قضية
موارد النفط والغاز وتوزيع الثروات والسياسات الخارجية والعلاقات مع الدول
وبخاصة ايران ودول الجوار العربي.
فهل سيكون اياد علاوي قائد عراق المستقبل في غياب كاريزما القائد القوي،
فتكون العراقية القوة الأكبر، واذا أخذنا في الاعتبار أيضاً تمزق القوى
الشيعية والكردية وتشظيها وتصارعها وتراجع رصيد جبهة التوافق (الحزب
الاسلامي)؟
عبد الستار نورعلي
الخميس 18 آذار 2010
Back
|