دلالات التأييد الشعبي الواسع لائتلاف (العراقية)
2- حصول العراقية على أصوات البعثيين السابقين عموماً المؤدلجين منهم والقسريين ربما، وبخاصة بعد الحملة الأخيرة على البعثيين بعد التفجيرات الهائلة التي ضربت الوزارات والتي أتهموا بها، فكانت قرارات طردهم من وظائفهم في بعض المحافظات الجنوبية ومحافظة بغداد بعد الخطاب الناري العاصف لمحافظها اثر التفجير الذي ضرب مركز المحافظة ووزارة العدل في اكتوبر 2009 والذي قرر فورياً وبشكل عاصف متسرع طرد الموظفين البعثيين من المحافظة وذلك في خطابه امام الحشود في الحقل التأبيني لشهداء التفجيرين المذكورين. تبعه في ذلك محافظات جنوبية منها كربلاء وذي قار والبصرة وميسان. وهذا مما أوقع الذعر في نفوس البعثيين السابقين الذين ربما تبرأ الكثير منهم من ماضيه واندمج في التغيير وانضم الى الأحزاب والقوى السياسية الجديدة. وهذه المواقف والقرارات المتشنجة والسريعة تقف بالتأكيد وراء تصويت الألوف من هؤلاء لقائمة العراقية وفي محافظات الوسط والجنوب . اضافة الى قرارات هيئة المساءلة والعدالة في اجتثاث المئات من المرشحين للانتخابات بتهمة الانتماء لحزب البعث المنحلّ، وكذلك للعديد من المسؤولين والموظفين المدنيين العاملين في دوائر الدولة ولم يظهر منهم ما يشير الى معاداة النظام الجديد ، من مثل اجتثاث النائب الأول لمحافظ بابل في شباط الماضي. 3- تذمر وسخط منتسبي الجيش والشرطة والأمن السابقين من ابعادهم عن وظائفهم بعد 2003 وعدم ارجاع الألوف منهم بدعوى ارتباطهم بالبعث وولائهم لصدام حسين، وخشية النظام الجديد من وجودهم داخل القوات المسلحة ، وخاصة اتهام العديد من الذين اعيدوا الى الخدمة بالمشاركة في التفجيرات التي حدثت في بغداد من خلال تقديم الدعم اللوجستي للارهابيين. 4- سوء أداء الحكومة الحالية والحكومات المحلية وعدم تنفيذ الكثير مما وُعد به الشعب العراقي وبخاصة في مجالات الكهرباء والماء والخدمات العامة والاعمار، واستشراء الفساد المالي والاداري والرشوة والمحسوبية والمنسوبية وسرقة المال العام وتهريب البترول بشكل لم يسبق له مثيل في دولة العراق الحديثة. اضافة الى الاثراء السريع غير المشروع للكثير من قادة الأحزاب والقوى والقيادات واعضاء مجلس النواب والوزراء وأعضاء مجالس المحافظات والمدراء العامين وحواشيهم وذويهم ومواليهم، وتصرفهم وكأن العراق بيت محروق الشاطر فيه من يخرج منه بما خفّ حمله وغلا ثمنه قبل فوات الأوان، في مقابل انتشار الفقر والمرض والعوز والحرمان بين ملايين العراقيين ، ناهيك عن الموت المجاني اليومي في الشوارع والأسواق والبيوت من خلال التفجيرات الارهابية والاعمال العسكرية للقوات الأمريكية. 5- عدم تلمس أبناء الوسط والجنوب العراقي أي تغيير في حياتهم المعيشية والاقتصادية والأمنية والخدمية بعد 2003 مع أن القوى والأحزاب الحاكمة قد جاءت من رحم مناطقهم وهم من نفس المذهب ومن عين المعاناة السابقة من ظلم واضطهاد وتهميش. بل ازدادوا معاناة وفقراً، وهم يشهدون النهب والسلب للمال العام والاثراء السريع غير المشروع لمن يفترض أنهم يمثلونهم وجاؤوا لانقاذهم مما هم فيه وتغيير حياتهم نحو الأفضل والأحسن ونشر الرفاهية والبناء وتحسين الخدمات الضرورية والقضاء على الفقر والتخلف والبطالة التي عانوا ولا يزالون يعانون منها. فهم لم يقارعوا النظام السابق من أجل أن يقيموا فقط شعائرهم الدينية بحرية ويسيروا بالملايين صوب الأضرحة المقدسة ويلطموا كل يوم تاركين بيوتهم واعمالهم، إن كانت لهم أعمال. إن نضالهم الماضي كان من أجل هدف أسمى وهو بناء بلد ديمقراطي حقيقي ومجتمع مدني متحضر مزدهر اقتصادياً وثقافياً وعلمياً وحياة حرة كريمة يعيشون معها كبشر لهم حقوق أساسية وعليهم واجبات أيضاً. فلا غرابة أنهم صدموا وفقدوا الثقة بالقوى والأحزاب القائمة ليتجه الآلاف منهم صوب قائمة العراقية من أجل التغيير من خلال صناديق الاقتراع. وليس منطلقهم في ذلك هو كونهم بعثيين حنوا الى العهد السابق والى بطش صدام حسين مثلما يحاول البعض اتهامهم به لتبرير ذهاب أصواتهم الى غير القوى المتحكمة المصابة بغرور الجماهيرية الواسعة والمستغلة لمشاعر دينية مذهبية أو مظالم سابقة دون تبصر للأسباب الموضوعية وراء ماجرى وسيجرى مستقبلاً. فالناس في النظام الديمقراطي البرلماني يجرّبون الحكومات وعلى أساس تنفيذ البرامج الاجتماعية والاقتصادية والخدمية ومن خلال التجربة تتوجه اصواتهم، فلم تعد ملامسة المشاعر الذاتية الدينية والمذهبية والقومية تؤثر كثيراً في كسب تأييد وأصوات الناس من دون تغيير حقيقي في الحياة المعيشية. وإن كنا لا ننكر تأثير مثل هذه المشاعر في بلد كالعراق، لكنها تتقلص بحسب معاناة الفرد الاقتصادية والحياتية العامة. 6- الخطاب الوطني العام والبعيد
عن الطائفية والمحاصصة الذي دخل به الانتخابات ائتلاف (العراقية) وقادته
وتصريحاتهم الماضية على مدار السنوات السابقة والتي كانت تلامس مشاعر الكثير
من العراقيين المعانين معيشياً والمتعايشين بشكل يومي مع الفساد المستشري،
فيرون الطائفية والعنصرية والمحاصصة والنهب المنظم والمافيات السياسية
والمالية وما جرته عليهم من ويلات وكوارث وموت ودمار ، والتي لم تقدهم الى
شيء غير المعاناة تضاف الى معاناتهم في حلقة مفرغة لا تنتهي، فهم يريدون
بإدلاء أصواتهم تجربة أناس وقوى جديدة في المرحلة القادمة. |