في البدء الروح
عبد الستار نورعلي
(مهداة الى الشاعرة اللبنانية جوزيه عبد الله الحلو)
في البدء الروحُ الكلمةُ =
ظلام ، نور ، سماء ، ، قمرٌ ونجومٌ ساطعة ، شمس ، ماء ، أرض خضراء،
وخلائقُ ترفل في الجنةِ ،
الجسدُ اللعنةُ = أفعىً تتلوى ، تخصف أوراق الأشجار ستاراً
لم يحفظ عورةَ أمّارٍ بالسوءِ ، زليخا ، وسكاكين حريم السلطان،
قتلُ أخٍ لأخيهِ،
وأوديبُ الملكُ ،
* * * * * *
في زحمةِ الكلام المباح وغير المباح
تتعرى خاصرتي من ريح فسادِ الحرف
أشدّ الوسطَ بحبال الجُمَلٍ
ترقى قمةَ ذاك الجبلِ
طُوى،
أنا أسكن داخل شرنقةِ تُدعى روحي
أفكّ رموز ولاداتي المتعددة الرؤوس ،
بالعسرِ وباليسرِ ،
بالخيبةِ ، بالأملِ،
أنا مولود من رحم امٍ عانت ضيقَ ذات اليد
وضيقَ ذات الحرية ،
لم أرَها يومأ تتزيّا في ثوب أحمر أو أبيض أو أخضر
أو حتى أرقط ،
ظلت بسواد رداءٍ وحجابٍ أبدَ العمر
ظلّتْ بنقاء سريرتها وحرارة خبز العباس،
ماتتْ في حضني
في سيارة أجرةِ مستشفى
غريبةَ دارٍ ،
شامخةً
مثل النخلة في الوادي المولود
بالألم،
أنا مولود من تاريخٍ يحمل منشوراتٍ سرية
طُبعت في سرداب الدار
دارِ الملا نزار
بباب الشيخِ عبد القادر الجيلاني
تحمل شارة حمرة أزهارٍ
تمتزجُ بتفاؤل ثوّارٍ
وحماماتِ سلامٍ
وتاريخاً أحمر
ولعشرة أيام هزّتْ كلَّ العالمْ
في زمنٍ كان غذاء العالمْ
الشِعر الناضج على نارٍ هادئةٍ ثائرةٍ
وروحِ نزيفِ العالمْ،
كانتْ أجسادُ الناس وفيهِ
تسرعُ صوبَ ضياء العالمْ.
أنا مولود في ذاكرة الكلمة مصباحاً،
فأبي كان المولودَ بأزمنة القديسين وكلام الله، فعمّدني
بالحبّ ، بعطر الطيبةِ ، بالايمانِ
بصفاء الروحِ ، بحلم العالمْ
ومنْ يضربني على خدي الأيسر ....
أنا مولود عارٍ عن اسماء كبرى
غضبٌ زادي ، فرحٌ زُوّادي ، وشرابي أنّي لا أرضى
أن يحمل هذا الإنسان لسانين
وفماً مفتوحاً على الآخر ،
أنا مولود بين أمانِ المستضعفين وأمانيهمْ
وكفاحٍ لم يعرفْ يوماً أنْ يرخي زمامَ الكلماتْ
أو يخفتَ صوت الأرواح ،
مولودٌ وسط زقاق لا يتجاوز مترين،
وبيوتٍ تعرفُ معنى حُـبّين:
حبِّ اللهِ وحبِّ نظيري في الخَلْق ،
لعب ، ضحك ، عيد يأتي .. عيد يمضي ..
ورداء واحد يكسوني،
أنا مولودٌ من زهوةِ عشقِ مُعتّق، أحببتُ
النبض القادمَ عبر أثير كلام الشجعان وليس سلام الشجعان،
أحببت كلامَ اللهِ ، كلامَ القديسين ، كلامَ الفقراءْ ،
وقصائدَ شعراءِ النهضةِ وشعراء الغضبة وشعراء هدوء الأعصابْ،
أنا مولود من روح أبي ذرّ وأبي الشهداء
ونداءِ مسيح العشق ونبض الفقراء،
أحببْتُُ القديسة رابعةَ والقديسةَ تيريزا،
أنا روحٌ ، ريحانٌ ورياحٌ لا تسكتُ عن فوضى
تعصفُ بالدنيا ، بالزمنِ ،
فوضي رأس المال يوم اقامَ مشانقَهُ
لجماليات حروفِ الفرسانْ
وحروب الشجعانْ
وقناديل الروح ، ونداء شعراء الأصواتْ ،
أحببت حلاوةَ أصواتِْ ،
فيروز ، ام كلثوم ، فايزة ، بنت الرومي، ونجاةْ،
وأمينة فاخت صادحةً:
"طير الحمام مجروحْ
ناوي علينه يروحْ
يهل الوفا والجودْ
طير الحمام مطرودْ
هاجر بلدنا وراحْ
خلي الحمام يعودْ"
أنا مولود يعشقُ هواء الحرية
لا ريح مشانقهم ومزاعمهم ومزايفهم ومضايفهم،
في الخيمةِ جوارٍ ، خصيانٌ ، شعراء المدح ، وكُـتّابُ الردح ،
وسيوف مشرعةٌ في وجهِ العدل وفي وجهِ الفرحِِ ،
هل تدرين بأنَّ الشيخَ على أبواب الأبيض
لاعقُ أحذيةٍ
جسدٌ عارٍ
وبلا روح؟
أنا مولودٌ جسدي ملكي ،
ملكُ اللهِ ،
لا اعلانٌ في الصحف اليومية،
الروحُ شعارٌ أرفعهُ فوق الغيمةِ
أمطرُ برداً وسلاماً
أمطرُ حرّاً وهياماً
أمطرُ كلماتٍ أحلاماً
أمطرُ .. لا أمطرُ ...
روحي روحُ العالم كلّه،
أنا مولودٌ من هذا الكون
أعشقُ ودعاءَ الخَلقِ بناة الكون
فهمو مَنْ يرثُ الأرضَ وما فيها،
أما هيرودوتسُ ، وقارونُ، وفرعونُ
وسدنة البيت الأسودِ
فلهم نار اللعنةِ حتى الساعةِ،
لن أقبلَ أن تتعرى كلماتي
عن روح الأفلاكِ
عنْ كلماتي
أو يتعرّى جسدي إعلاناً
مجانياً،
أنا مولودٌ إنسيٌّ
يحملُ جيناتِ الانسانِ،
فتراني أخطئُ وأصيبُ،
أجملُ ، أقبحُ ، أبردُ ، أتدفأُ ، وأطلُّ
من نافذةٍ مشرعةٍ
في روحي ....
عبد الستار نورعلي
الأثنين 6 سبتمبر/ايلول 2010
Back
|