كاترينا *
عبد الستار نورعلي
صهيل يعتلي شفة السحاب
يسوق البهجة عبر سماء الحريق
شجراً في حقول الصخور
تزرع أيقونةً، رحلةً فوق شوك الطريق
ووخز الصرخة النازفه
"الهي! إلهي! لماذا تركتني؟" *
يهبط القناعُ الحديد على وجهكَ ،
فاغتسلْ!
ثم احتسِ الماءَ من كأس هذا النديم
كرمةً
زيتونةً
صحبةً من وهج الدربِ قاسموا ضوعَ الأزقةِ
حلمَها، روحَها، واستحمّوا بدماء النحيبْ،
حملوا أصلابَهم بين بابٍ وباب...
هذه الشمسُ تغربُ حمراءَ بلون النجيع
فوق الصليب،
كاترينا في ثياب الزخارف تتضوّعُ مِسكاً،
مشطتْ شعرها الفاحمَ،
وارتدتْ شارة البرق ، تنثر عطرها،
تغسل القدمين بالخصلاتِ،
كاترينا !
إنّ ليلَ العاشقين خصلةٌ خصبة
رشفةٌ منْ ضياء الأنين،
انشري حضنك، ينام الهائمون الحفاة بين جمرات الشعابِ
يبحثون عن ألقٍ ، وجعٍ يغسلُ القلبَ،
افتحي نوافذك للعابرين فبالقلبِ تستحمُ الحروف!
ثمّةَ عينان في دعةٍ تحدّقان في خصلات شعركِ،
ترسمان الشارةَ،
ثمّة شفتان بالأريج تشرعان أبوابهما:
مَنْ يرد الرضى فليمدَّ يديهِ
وليقطتفْ شوكةً من التاجِ يزرعها في فناء عينيهِ،
في رحاب روحه،
هي ذي البهجةُ الجوابُ،
هناك في الأعالي بريق يلفّ الرقبةَ العاجَ،
وجهكِ رفيفٌ من شعاع السنابلِ
تسّاقطُ من ضروع الضياء،
هي التي بابها مشرعٌ للعيون الجامحةِ
نثرتْ صرةً على باب كهف الصخور،
أشعلت شمعةًن
قبّلتْ قدمَ الذي لم ينمْ عن كلام،
فطوبى للجياع لأنهم سيشبعون!
طوبى للعطاش لأنهم سيرتوون!
طوبى للتي أكلت منْ صدرها،
غمست روحها في مياه الرمال،
نذرتْ قلبها للذي استحمّ في رياح الصليب،
أسفرتْ جيدها للحصاد ثمناً للصدى،
للمحبة الخالصه،
كاترينا !
هذه القرية غرقتْ في الدجى،
أغلقت بابها ، لملمتْ وجهها في غياب الخجل،
ثمّ نادتْ دون أنْ تذرفَ دمعةً:
إنه ثمنُ المارقين الجناة،
أطيعوا أولي الأمر منكم!
ثمّ نامتْ على هدهدة الليل في سكون الكلام.
كاترينا !
صرخةٌ في الظلام:
مّنْ كانَ منكم بلا .....
ذابَ رجعُ الصدى،
كاترينا !
رداءٌ يجوب الصحارى
نزوعٌ فوق موج البحار
مزاميرُ تزرع زهرةً عند كل دار :
إلثمْني بكلمات فمكَ !
لأنّ عشقك أنعشُ من الهواءِن ألذُّ من الخمرِ،
اجذبْني وراءك نجري صوبَ ثوب النجوم!
اغسلْني بعطور السحاب!
شمسُك لوّتني بلهيب الغياب،
أمطرتني بنور شعاعكَ،
عيَّبني وجهك في ظلال الكروم،
اجذبْني وراءكََ !
أجري في سواقٍ من الخمرِ ، من العسل المصفّى،
اقتنصْني !
فأنا في رحابكَ طائرٌ بأجنحةٍ من ضياء،
مركباتٌ تزدهي بالورود، تقتفي مدنَ الرياح،
ضوعها من لجينِ النهرِ،
كاترينا!
ارتقي سُلّمَ الطيبِ ، ياقامةً من قطاف النخيل!
ضمخي جسدَ العشقِ بالعطور، فاح سيلُ الثمار،
" إلهي ! إلهي ! لماذا...؟"
نحتتْ في الألإق صورةً فوق تاج الشمس
رحلةً عبر أشواك الطرق الغافله
ألقت الرحلَ في مدن الرمل والحريق،
بين الموانئ تجري ،
طوبى للجياع لأنهم يشبعون
سلاماً ، برداً ، عرشَ القلوب !
لهمُ الصبواتُ الحسانُ، طرقُ العشق في القمم الزاهره،
سيوفٌ للمدن التي جاراتها غرثى،
سلاماً ! برداً !
وجهُه لوحةُ الصلب مشرقاً،
كاترينا !
وجهكِ وجهي في رحاب البساتين،
في وشاحك لون ، بهجةٌ من عباب النزيف،
فاحتسي خمرةَ الجرح بين جمع الحبور!
* القصيدة من مجموعة (في جوف الليل)
* كاترينا: هي احدى شخصيات رواية الروائي اليوناني الكبير نيكوس
كازانتزاكيس (المسيح يصلب من جديد)، وهي الأرملة العاهر التي ضحت بنفسها من
أجل انقاذ بطل الرواية مانولي الذي مثّل دور السيد المسيح في عيد الفصح
مثلما اعتادت القرية في الرواية أن تفعل كل عام فتختار شاباً معروفاً
بالصلاح ، وقد ٌقُتل مانولي لأنه تلبس دور المسيح فأخذ يتصرف وكأنه هو
فعلاً.
*(الهي ! الهي! لماذا تركتني؟) هي آخر جملة قالها السيد المسيح ع وهو على
الصليب يعاني الألم. كما ورد في انجيلي متى ومرقس.
عبد الستار نورعلي
أيلول 2000
Back
|