قال عراقيٌّ عبد الستار نورعلي
قالَ عراقيٌّ: كنا نحلمُ أنْ نأكلَ الكيكَ على طبقٍ منْ ذهبْ بعد زوال الطغيان والحرمانِ والقضبانِ واللهبْ، فأكلنا قازوغاً على طبق منْ الشقاق والنفاقِ والحطبْ،
كنا نحلمُ أنْ نحتسيَ ماءاً معيناً وعسلاً مصفى في كؤوسٍ من الفضةِ والكريستال والبلورْ وبأيدي العِين الحورْ وولدانٍ مخلّدين كأنهم لؤلؤ منثورْ بعد تحرير البلادْ منْ أسر القيود والحصار والإفسادْ، فاحتسينا ماءً آسناً ولبناً قد تسنّهَ طعمُهُ وخمرةً مغشوشةً وخُطباً عصماءَ مهووسةً بأيدي خمّارينَ من سيولِ الجرادْ،
كنا نحلم أنْ نمشيَ بطولنا في شوارع بغدادْ بينَ الورودِ والرياحين والينابيع الصافيةِ والفرح والأعيادْ، فمشينا بانحنائنا بينَ النفاياتِ والتفجيراتِ و أشلاء جثثِ الأبرياءِ من العبادْ،
كنا نحلم أنْ ننامَ على فراشٍ من ريش النعامْ ونتكئ على "رفرفٍ خضرٍ وعبقريٍّ حسانْ " (1) منسوجةٍ منْ استبرقٍ وسندسٍ والذهبِ من الخِيطانْ، فنمنا على شوكِ القتادْ ،
كنا نحلم أنْ يُوزَّعَ البترولُ بيتاً بيتاً وبالمجانْ فغدا البترولُ رصيداً لفلانٍ وعلانْ في بنوكِ القرصانْ وشاحناتٍ خلفَ الحدودِ تجوبُ البلدانْ ،
كنا نحلم أنْ نستضيءَ بنور مصابيحَ ملونةٍ تتلألأ ليلَ نهارْ، فصارَ الكهرباءُ أضغاثَ أحلامٍ في هباء الغبارْ وفي رصيدِ تجارِ المولّداتِ الكبارْ ،
كنا نحلم أنْ نرى خدودَ أكبادنا الماشيةِ على الأرضْ (2) مثلَ التفاحْ، فأمستْ خدودُهمْ لونَ الهمِّ والغمِّ والخوفِ والرعبِ والجراحْ ،
كنا نحلم أنْ تكونَ بغدادُ عاصمةَ الدنيا، فإذا بغدادُ : "وقفتُ بها من بعد عشرين حجةً فلأياً عرفتُ الدارَ بعد توهُّمِ " (3)
(1) من قوله تعالى "متكئين على رفرفٍ خضرٍ وعبقريٍّ حسان." الرحمن 76 (2) "أكبادنا الماشية على الأرض" اقتباس من قول الشاعر حطّان بن المُعلّى: وإنما أولادُنا بيننا ... أكبادُنا تمشي على الأرض (3) ما بين المزدوجتين هو بيت من معلقة زهير بن أبي سلمى
عبد الستار نورعلي الثلاثاء 12 /10/2010 |