التيار الصدري والكرد الفيليون
قضية الكرد الفيليين في العراق هي احدى القضايا التي لا
تزال ساخنة كملف من الكثير من الملفات السياسية التي خلّفها النظام
الدكتاتوري بعد سقوطه لأطياف الشعب العراقي التي تعرضت الى الظلم والاضطهاد
والقهر . لكن للفيليين خصوصية لأنهم تعرضوا الى مظالم كثيرة ووحشية مزدوجة
، فهم اضافة الى طمس حقوقهم كمواطنين عراقيين تعرضوا الى التمييز العنصري
والمذهبي سواء في الوظائف العامة أم في التعامل اليومي في الدوائر والاوساط
الرسمية . فقد تعرضوا ايضاً الى عملية تهجير قسرية غير انسانية متوحشة ،
صاحبها حجز الألوف من ابنائهم من الشباب اليافع فاختفوا في المقابر
الجماعية غير المكتشفة الى اليوم ، كما تمت مصادرة وثائقهم العراقية التي
تثبت عراقيتهم العريقة مع سلب أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
وبعد السقوط وانهيار النظام الفاشي تنفس الكرد الفيليون الصعداء مثل غيرهم
من الشرائح المضطهدة من الشعب العراقي ، وتفاءلوا بأن حقوقهم ستُردّ اليهم
وبأنّ ما سُلب منهم سيُعاد وبأنّ حقوقهم كمواطنين عراقيين من الدرجة الأولى
ستُثبّت . لكنهم اصطدموا بعوائق كثيرة منها بقاء الموظفين السابقين في
مواقعهم وهم يحملون في نفوسهم تلك العقد العنصرية والمذهبية التي ورثوها من
ايام السلطة السابقة ، اضافة الى الروتين والبيروقراطية الادارية واستمرار
تطبيق القوانين التي صدرت ابان العهد السابق اضافة الى الفساد الاداري
المتمثل بالرشوة.
كما أنّ الكرد الفيليين توقّعوا من النظام الجديد انْ ينصفهم سياسياً أيضاً
من خلال اشراكهم في المواقع السياسية العليا ومنها عضوية البرلمان والمناصب
الوزارية والوظائف العليا في الدولة الجديدة ومن خلال القوى والأحزاب التي
ينتمون اليها أو كمستقلين ، وكذلك بشكل تمثيل شرائحي باسم الكرد الفيليين .
وفي الدورة البرلمانية السابقة كان هناك اعضاء برلمانيون فيليون ضمن هذه
القوى . وكان بعضهم يتكلم أحياناً باسم الفيليين وفي اطار سياسة الكتلة
التي ينتمون اليها.
لكنْ في هذه الدورة البرلمانية الجديدة لم يُفسح لهم طريق الوصول الى
البرلمان حتى ضمن القوى السياسية . وفي هذا اجحاف وطمس لحقوقهم مما دفع
جمعياتهم ومنظماتهم وكتابهم ونشطاءهم الى المطالبة بتمثيلهم في مجلس النواب
وفي مجلس الوزراء . لكن مطالباتهم ذهبت أدراج الرياح حتى انبرى التيار
الصدري في اختيار كردي فيلي لمنحه مقعداً من مقاعده التعويضية وباسم الكرد
الفيليين.
لقد عُرف عن التيار الصدري الذي تشكّل بعد 2003 مواقفه الوطنية ودفاعه عن
المظلومين والمستضعفين في العراق . ولذا وجدنا أن أنصاره ومؤيديه هم من
الشرائح الفقيرة التي عانت ولا تزال تعاني ومن المناطق الشعبية التي كانت
مضطهدة تتعرض للظلم والاضطهاد والجور والتهميش والاهمال بسبب مواقفها
المعارضة للسلطة ، والملفت للنظر أنّ الغالبية العظمى منهم هم من الشباب .
وهذا التأييد الكبير يحتاج الى دراسة ونظر وبحث موضوعي في أسبابه وعوامل
انتشاره خارج اطار تأثير عائلة الصدر بسبب مكانتها الدينية التاريخية.
إنّ اختيار التيار الصدري لكردي فيلي (عبد الستار عبد الجبار) ليكون عضواً
باسم الفيليين في البرلمان وضمن المقاعد التعويضية التي حصل عليها التيار
نتيجة لاستيزار اثنين من أعضائه البرلمانيين لهو أمر يُشكر عليه ويُثاب ،
وهو انصاف لهذه الشريحة انطلاقاً من دفاع التيار عن الفئات المُستضعفة من
الشعب العراقي واحساسه بالظلم الذي وقع على الكرد الفيليين كشريحة عراقية
مضطهدة قدمت الكثير للعراق من تضحيات بالأرواح والأموال ومساهمة في البناء
، كما تحمّلت جوراً وتمييزاً كبيرين . إنّ خطوة التيار هذه وغيرها هي من
أولوياته كونه يمثل الفئات المستضعفة فيدافع عن حقوقها بصلابة وقناعة .
وينبع هذا من التاريخ النضالي لقادة هذا التيار من الشهيد الصدر الأول
وشقيقته الى الشهيد محمد محمد صادق الصدر والد السيد مقتدى الصدر والذي
استشهد معه ابنه عام 1999 وبعملية اغتيال من الجهاز الأمني للنظام السابق
وبأمر وتخطيط من قيادة النظام . فلا غرابة أنْ يشعر التيار بوقع الظلم
وتبعاته المأساوية على شرائح الشعب العراقي ومنهم الكرد الفيليون.
وفي هذا الاختيار المنصف نتمنى على السيد عبد الستار عبد الجبار أن يكون
صوتاً حقّاً لشريحته مدافعاً عن حقوقها بثبات ، جاهداً من أجل أن يكون
للمواطنين الكرد الفيليين مكانتهم الأولى ضمن المواطنة العراقية فيحصلوا
على حقوقهم كاملة مثل غيرهم من شرائح الشعب العراقي ، اضافة الى أداء
الواجبات الملقاة على عاتقهم كمواطنين عراقيين تجاه وطنهم وشعبهم .
وبالتأكيد فقد أدّوا واجباتهم سابقاً ويؤدون حالياً بايمان وإخلاص وتفانٍ
وصدق ونظافة يشهد لها الجميع ممن عرفهم ويعرفهم عن قرب وعايشهم ويعايشهم
اجتماعياً ووظيفياً وسياسياً ، وممن تابع مسيرتهم التاريخية في العراق .
كما نتمنى له النجاح في مهمته عضواً في مجلس النواب يخدم شريحته التي دخل
البرلمان باسمها كما يخدم شعبه العراقيَّ عامة . وهي مهمة نعرف أنها ليست
باليسيرة ، فهي تحتاج الى متابعة ومجاهدة ومصابرة ومثابرة.
عبد الستار نورعلي
الثلاثاء 27/11/2010
Back
|