ماذا وراء الكشف عن سجن الجادرية ؟ - عبد الستار نورعلي

 

    كشف النقاب عن سجن الجادرية وعمليات التعذيب التي جرت فيه في هذا الوقت بالذات ونحن على ابواب الانتخابات القادمة مدعاة لإثارة أكثر من سؤال :

لماذا الآن والسجن موجود منذ زمن وتجري فيه عمليات التعذيب ؟

هل كان الأمريكيون غافلين عنه قبل اليوم وهم الحاكمون الفعليون الذين لا يحدث أمر سياسي أو أمني في العراق دون علمهم ودون مشورتهم وموافقتهم وتحت بصرهم؟

ماذا وراء كشف مسألة السجن ؟

 لقد ذكرت وكالات الأنباء قبل أيام عن مداهمة القوات الامريكية لدائرة أمنية عراقية تابعة لوزارة الداخلية في الجادرية  . أي بمعنى أن القوات الأمريكية قد وصل الى علمها عمليات التعذيب التي تجري في الدائرة المذكورة والتي علمنا اليوم أنها سجن يجري فيه تعذيب السجناء. لقد كشف السر بعد أيام من المداهمة، أي أن الكشف لا يخرج عن دائرة الأمريكيين ، بمعنى أن واقع الأمر يقود الى أنهم وراءه. فلماذا ؟

 الأمريكيون غير راضين عن حكم الأحزاب الشيعية الدينية فهي تنظر اليها على أنها موالية لإيران ، كما أنها مستاءة من تغلغل النفوذ الايراني السياسي و المخابراتي داخل العراق، فهي إن رضيت بحكم هذه الاحزاب كنتيجة لآنتخابات يناير الماضي إلا انها ممتعضة بالتأكيد لأنها كانت تراهن على فوز العلمانيين وبالذات قائمة اياد علاوي على اعتبار أنه أقرب الى السياسة الأمريكية وهو الرجل القوي المرضي عنه والمقبول عربياً ودولياً. وهي غير راضية أيضاً لما لحق هذا الحكم من تغلغل ايراني ومعارضة سنية قوية للمحاصصة الطائفية ولهذا التغلغل ، والولايات المتحدة تريد مشاركة سنية في تقرير مستقبل العراق ارضاءاً للدول العربية ، ولما للسنة من عمق وتعاطف عربيين وخبرة طويلة في الحكم وبناء الدولة في العراق.

 تدرك أمريكا جيداً موقف وحساسية العرب عموماً وبالخصوص دول الجوار في حكم شيعي طائفي في العراق لخشيتهم وتصورهم أن ذلك يؤدي الى نفوذ ايراني داخل العراق يهدد مصالحهم ودولهم وبالخصوص السعودية التي لديها طيف شعبي شيعي يعاني من التمييز والاهمال والتهميش على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والدينية. وحكم شيعي في العراق قد يخلق لديها مشكلة مع هذا الجزء من شعبها حين يبدأ بالمطالبة بحقوقه متشجعاً بما يجري جوارها في العراق.

 كل هذه الأمور وغيرها مما لانعرف خلف كواليس السياسة الأمريكية واستراتيجياتها تدفع الولايات المتحدة الى اعادة حساباتها وترتيب الأوضاع  بما يلائم وضعها الخاص وحراجته في العراق،  ولذا فاوضت السنة العرب ، وشجعتهم على دخول العملية السياسية باغراءات مؤكدة، و تهديدات مبطنة ، وترتيبات للتمهيد للعملية السياسية القادمة وبضمنها مشاركتهم في الانتخابات . وليست هي ببعيدة عن مؤتمر الوفاق الوطني الذي سيعقد في القاهرة يوم السبت القادم 19 تشرين الثاني حيث تجتمع مختلف القوى السياسية العراقية التي في الحكم و التي في المعارضة ، حتى فصائل من المقاومة الموسومة بالوطنية من أجل الاتفاق والخروج  بما يكفل اخراج العراق وشعبه مما يعانيه من عنف وقتل ودمار يومي. والحقيقة أيضاً لتخفيف الحرج على امريكا وسياستها في العراق ، والتمهيد لعمل قادم يخدم مصالحها واستراتيجياتها وما تفكر فيه ، وليس بعيداً عن ذلك موقفها وتخطيطاتها ضد سوريا وايران ، وللتخفيف من الضغوط الامريكية الداخلية على ادارة بوش وسياسته في العراق والمنطقة. كما أن الكشف عن هذا قبل عقد مؤتمر القاهرة ربما تريد الولايات المتحدة منه اضعاف موقف الحكومة العراقية وقواها المؤتلفة في المؤتمرامام القوى الأخرى المعارضة لها والمطالبة بانهاء الاحتلال وانسحاب قواته، وقد يكون في الخطوة هذه أيضاً ارضاءاً واقتراباً من هذه الأطراف في مواجهة لقوى الائتلاف الشيعي ، واشارة مقصودة لأحزاب الائتلاف وجرة أذن لها.

 إن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل بقوة وثبات وحزم من أجل مصالحها في العالم فتضع استراتيجياتها وتغير تكتيكاتها وتحالفاتها خدمة لهذه المصالح ، ولا يهمها في طريق تنفيذ هذه الاستراتيجيات أن تتحالف مع من وتضرب من وتتخلى عن أقرب حلفائها وترميهم خلفها بل قد تدوسهم، والشواهد كثيرة غير خافية على المتتبع السياسي.

 ان الكشف عن سجن الجادرية وما جرى فيه يدخل ضمن هذه السياسة والحركة الامريكية على طريق مصالحها واستراتيجياتها. إنها تريد توجيه ضربة الى الائتلاف العراقي الشيعي قبل الانتخابات القادمة من أجل اضعافه تمهيداً لصعود قوى أخرى وعلمانية بالذات ، لتتسلم الحكم للسنوات الأربعة بعد الانتخابات ، على اعتبار أنها ستكون الحكومة الدائمة التي تتسلم مقاليد السلطة لتأسيس العراق الجديد. وصعود تيار الحكومة الحالية بأركانها الطائفية ستخلق ارباكاً للأمريكان في المنطقة ، فالعرب لن يكون راضين ، والنفوذ الايراني سيتصاعد، كما أن الأحزاب الدينية الطائفية في الائتلاف  العراقي الموحد ستكون الحاكمة ، وتجربتها الحالية أثبتت فشلها في تأمين الاستقرار والأمن ، إضافة الى نمو واتساع تأثير وسيطرة هذه الاحزاب في المناطق التي يتحكمون فيها ، بحيث وصل الأمر الى العمل على تطبيق الشريعة الدينية على العلاقات الاجتماعية والسياسية ، واجبار الناس على سلوك معين يتفق وما يدعون اليه، وتكوين محاكم شرعية حتى خارج السلطة المركزية. وصل الأمر الى حد أن رجال الدين في بعض المدن الكبرى ومنها البصرة هم الحاكمون الفعليون الذين يتحكمون بالسلطة ، ويستشيرهم المسؤولون فيما يقومون وما ينوون القيام به ، كما أن النفوذ الايراني وصل الى حد كبير متحكم في تحرك بعض هذه الاحزاب. وفوز قائمة الائتلاف ، في نظر امريكا، سيؤدي الى تاسيس حكم ديني على شاكلة ايران وهو ما لاتريده ولا تسمح به ، وقد صرح العديد من المسؤولين الامريكيين بذلك.

وعليه فإ ن أمريكا ستقوم بكل ما يجعل وصول الائتلاف الى الحكم ثانية أمراً صعباً. وهذا ما يوصلنا الى الاعتقاد بأن الكشف عن سجن الجادرية وما جرى فيه لا يخرج عن هذا الاطار.