سامية عزيز محمد ـ كردية تنال جائزة الحرية العالمية عبد الستار نورعلي
مُنحت السيدة سامية عزيز محمد عضو المجلس الوطني العراقي ضمن قائمة التحالف الكردستاني جائزة الحرية العالمية السنوية لهذا العام 2005 والتي تمنح للنشطاء العاملين في العالم ضمن مجال الدفاع عن الحرية الفردية والجماعية ونشر الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان في العالم وتأمين حقوق المرأة. وقد تسلمت الجائزة في احتفال رسمي أقيم لها في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن حيث تقيم منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، وذلك يوم السبت المصادف السادس والعشرين من تشرين الثاني أمام حشد كبير من الضيوف يقدر بألفين من الشخصيات العالمية السياسية والثقافية ورؤساء البعثات الدبلوماسية وبحضور كافة أعضاء الحكومة الدنماركية وأعضاء البرلمان اضافة الى رئيس الوزراء أندرس فوغ راسموسن الذي سلمها الجائزة بنفسه وسط تصفيق حار متواصل. وقد سبق تسليمها الجائزة أن القى رئيس اللجنة المانحة كلمة أطرى فيها على السيدة عزيز ودورها وعملها رغم المخاطر وانعدام الأمن وتعرض حياتها للخطر تاركة وراءها العيش الرغيد والأمن والاستقرار في الدنمارك ، وعرج على حياتها ومعاناة عائلتها من تهجير الى ايران وكيف هاجرت هي الى سوريا ثم كيف وصلت الى الدنمارك مشيداً بشجاعتها وعملها السياسي. بعد تسلمها الجائزة ألقت السيدة سامية عزيز محمد كلمة شكر وتقدير للجنة التي منحتها الجائزة وللدنمارك التي احتضنتها، وقد ذكرت فيها معاناة الشعب العراقي أثناء الحكم الدكتاتوري وما تعرض له الكرد الفيليون، وذكرت أنها ستظل تعمل من أجل نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. وبذلك تكون المرأةالكردية (الفيلية) التي تنال هذه الجائزة العالمية . عادت السيدة سامية عزيز محمد الى العراق في أعقاب سقوط النظام الدكتاتوري العنصري الفاشي ضمن وفد المجلس العام للكرد الفيليين، متحدية بذلك كل الظروف الصعبة والخطيرة التي أعقبت ذلك. وقد عملت بدأب ونشاط وبشجاعة للدفاع عن حقوق المهجرين والمهاجرين والمرحلين من الكرد الفيليين والعراقيين عموماً من اجل استعادة حقوقهم التي صادرها النظام السابق من أموال واملاك ووثائق رسمية وحقوق المواطنة العراقية واختفاء حوالي خمسة آلاف من شباب الفيليين منذ حملة التهجير الكبرى قبل وأثناء الحرب العراقية الايرانية عام 1980 والذين لم يعثر على أثر لهم حتى الآن الا بعضهم في المقابر الجماعية أو في سجلات دوائر الأمن والمخابرات ضمن قوائم المعدومين دون تهمة أو ذنب ارتكبوه. وكذلك عملت وتعمل في مجال رعاية الأيتام والأرامل وعوائل الشهداء وضحايا العنف دعماً ورعاية وتثبيتاً للحقوق التي يستحقونها لما قدموه من تضحيات خلال حقبة الحكم الدكتاتوري الفاشي ، الى جانب العمل على ترسيخ الديمقراطية وحقوق المرأة في العراق. أختيرت السيدة عزيز رئيسة للجنة المهجرين والمهاجرين في الجمعية الوطنية العراقية المنتخبة في الثلاثين من يناير من هذا العام. وقد عملت باجتهاد واندفاع وتفان متحدية الصعاب والمخاطر واضعة حياتها على كفها دون خوف، دافعها الاخلاص والايمان بما تعمل من أجله ، وقد استطاعت أن تثبت أهليتها وجدارتها في هذا المجال بشهادة كل من عمل معها وحولها، دون أن تركض خلف الأضواء والشهرة والادعاءات الفارغة والمصالح الذاتية وإثارة الضجيج والزوبعات. تعمل بهدوء وصمت ودأب وعزيمة ثابتة وحماس من اجل استرداد الحقوق المغتصبة للمواطنين المظلومين والمضطهدين. وهي عضوة تنفيذية في المعهد العراقي للسلام ورئيسة لجنة المرأة والديمقراطية والدين فيها ، ويعمل هذا المعهد على نشر الديمقراطية وحوار الأديان وتقاربها وحل النزاعات وتأمين حقوق الشباب. ومن جملة ما قامت به من أنشطة كعضوة في الجمعية الوطنية الدفاع عن حقوق المرأة ودورها في العملية السياسية في العراق بحيث تم اقرار أن تكون نسبة تمثيل المرأة في البرلمان العراقي 31% من مجموع المقاعد البرلمانية. كما عملت على تغيير قانون الجنسية العراقية بما يضمن حقوق جميع العراقيين بالتساوي دون تمييز في المواطنة. اضافة الى نشاطها في تثبيت حقوق المهجرين والمهاجرين والمرحلين الذين صودرت أموالهم وممتلكاتهم. عرفت السيدة عزيز بحيوية ونشاط منذ نعومة أظفارها، فهي تمتلك شخصية متحركة ديناميكية جذابة نقية مخلصة صافية تفرض حضورها المؤثر أينما وجدت وبحرارة وقوة ، لذا تميزت بالتأثير في المقابل وامتلاك وده وإعجابه . وكان لكل ذلك أثره في المجال الوظيفي أيضاً لتكون في المقدمة. تخرجت من قسم الادارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية في بغداد. عملت في الخطوط الجوية العراقية في سبعينات القرن العشرين حيث عرفت بالاستقامة والنزاهة ونظافة اليد والاخلاص في العمل ، حتى رشحت مديرة حسابات مطار بغداد الدولي بشرط انتمائها لحزب البعث فرفضت ، وعلى أثرها نقلت موظفة صغيرة في احدى فروع الخطوط الجوية ، وبسبب من الضغط الذي تعرضت له اضطرت الى الهجرة الى سوريا حيث أقامت مع زوجها حتى هجرتها الى الدنمارك حيث تقيم. تنحدر السيدة سامية عزيز محمد من عائلة من كبار العشائر والعائلات الكردية الفيلية المعروفة وهي عائلة (ملا نظر) التي برز فيها الكثير من الشخصيات الاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية والاقتصادية ، وقد واجه عدد من ابنائها السجن والملاحقة في مختلف العهود التي مرت بالعراق بسبب نشاطهم السياسي، وكذلك الاغتيال في العهد الفاشي السابق . جدها الأكبر الملا نظر بنى أول دار في منطقة باب الشيخ قرب ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي سميت المنطقة باسمه (باب الشيخ) وذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على أرض تحوي اثنتين وعشرين نخلة وبذلك يكون أول من سكن في تلك المنطقة التي سميت بين العامة الكرد وغيرهم باسمه ( دربونة الملا نظر) والدربونة بمعنى الزقاق. أبوها هو المرحوم عزيز بن محمد خسرو بن موسى بن ملا نظر، كان من كبار رجال الأعمال في بغداد في حينه ومن أشد المعادين للنظام السابق وللبعث والبعثيين . خالها لأبيها وامها المحامي العراقي المعروف المرحوم عبد الهادي محمد باقر الذي كان أيضاً من كبار رجال الأعمال في بغداد ، وهوً من أوائل من تخرجوا من كلية الحقوق العراقية في ثلاثينات القرن العشرين، وأحد أوائل الضباط الاحتياط العراقيين في الثلاثينات ، كما إنه من الشخصيات البغدادية البارزة في زمنها في الاوساط الاجتماعية والثقافية والتجارية. ساهم في تأسيس جمعية الأكراد الفيليين في بغداد عام 1946 التي قامت بفتح مدرسة الفيلية الابتدائية ثم بعد سنوات ثانوية الفيلية المسائية لأبناء الكرد الفيليين الذين كانت المدارس الرسمية الحكومية ترفض قبولهم ، وقد درس وعمل في التدريس فيهما أيضاً عراقيون آخرون من قوميات وأديان ومذاهب مختلفة. وقد هُجر هو وعائلته أثناء عملية التهجير في أوائل الثمانينات من القرن الماضي ليتوفي في إيران عن عمر جاوز الثمانين. أما عائلتها ، والداها وأخوها الكبير وزوجته وطفلتهما ، فقد هجرت أيضاً الى ايران في أوائل الثمانينات. توفي والدها في سوريا وهو مدفون في مقبرة السيدة زينب، ووالدتها مدفونة في السويد . عانوا شظف العيش والضائقة المادية والمعاناة النفسية والمعاشية في المنفى بعد العز والغنى في بغداد . صادر النظام الدموي السابق أموالهم و بيوتهم في بغداد ، كما حجز أخوها الأصغر نزار ابن الحادية والعشرين مع المحتجزين من أبناء الكرد الفيليين ، ليظهر اسمه بعد سقوط الصنم في بغداد ضمن قوائم الشهداء في المقابر الجماعية دون العثور على رفاته في أية مقبرة أكتشفت. ويقيم اشقاؤها الثلاثة في السويد. وشقيقتها الأخرى كانت مقيمة أيضاً في سوريا حيث هاجرت وعائلتها اليها وقد توفيت هناك عن مرض عضال. إن السيدة سامية عزيز محمد ذات أصول كردية فيلية كما مرَّ ، ومن عائلة معروفة بمكانتها وبعراقتها ومواقف ابنائها في النضال الوطني العراقي في مختلف العهود التي مرت بالعراق . فبيت جدها الكبير الملا نظر كان بيت علم ودين وثقافة وسياسة ، عُرف رجاله الكبار بالتقوى والصلاح والتمسك بالدين وبعض شبابه بالنشاط السياسي الوطني فلاقوا الكثير من السجن والتشريد والاغتيال . كانت تقام في هذا البيت المجالس الدينية في كل رمضان أيام العهد الملكي. كانت العائلة تمتلك الأسلحة التقليدية القديمة من سيوف ودروع وتجانيف تستخدم في مجالس العزاء الحسيني وفي التشابيه التمثيلية التي كانت تقام في العاشر من محرم ذكرى واقعة الطف في كربلاء يوم استشهاد الإمام الحسين بن علي رض خلف السدة في بغداد ( مناطق جميلة ومدينة الثورة وامتداداتهما الحالية )، وهي السدة التي بناها الوالي العثماني ناظم باشا في القرن التاسع عشر . كان بيت الملا نظر هذا عامراً ومأوى مفتوحاً لكل الزائرين والمسافرين من الأكراد المارين ببغداد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل وأواسط القرن العشرين . إن السيدة سامية عزيز محمد واحدة من النساء اللائي يضربن المثل العالي في أن المرأة الكردية ذات طاقات مختزنة ومواهب وقدرات عالية تتفجر في مختلف المجالات الحياتية الخاصة والعامة حين تجد الظروف المناسبة والأجواء المواتية ، وهي لا تختلف ولا تقل في ذلك عن الرجل. فبإمكانها المشاركة الفعلية والفعالة في العمل السياسي والعمل العام وتقديم الكثير من خلال أنشطتها ونشاطها وخدمتها التي لا تقف عند حدود، وبذلك تثبت أيضاً للعالم بأن النساء في كل مجتمع وقارة ، وبالخصوص فيما يسمى بالعالم الثالث المتخلف ، قادرات على البناء والتغيير والعمل ، لا يعيقهن عائق عن أداء دورهن في بناء بلدانهن ومجتمعاتهن وتقديم كل ما في طاقاتهن لأجل التطور والتقدم والتغيير وبناء مجتمعات ديمقراطية تكفل حقوق الانسان عادلة خالية من القهر والظلم والاضطهاد والدكتاتورية والفقر والتمييز والتطرف ورفض الغير. وأمثلة النساء الكرديات كثيرة وكثيرة يحق للشعب الكردي أن يفتخر بهن أمام العالم . إن ما قامت وتقوم به السيدة عزيز من خلال ترؤسها لجنة المهجرين والمهاجرين في المجلس الوطني عمل يخدم الكثيرين ممن ظلموا في العهد الدكتاتوري السابق وسلبت حقوقهم وأموالهم وبيوتهم ، وتجهد على العمل لانصافهم واستعادة تلك الحقوق، الى جانب الدفاع عن حقوق الأيتام والأرامل وضحايا العنف والعمل على نشر الديمقراطية وحقوق الانسان . وهي بما عرف عنها من حيوية ونشاط واصرار قادرة على تقديم الأكثر في هذا المجال. وقد شهد الكثيرون ممن يعرفونها وعلى اتصال بها أنها تؤدي عملها بإخلاص واتقان دون كلل او ملل أو تقاعس. وبذلك لاغرابة أن عملها ونشاطها قد اخترقا المحلية ليصلا الى ساحة النشاط الانساني العالمي لتحوز جائزة الحرية العالمية في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية لخدمة الانسان الذي يعاني في الدول والمجتمعات التي ترزح تحت نير الدكتاتورية والظلم والاضطهاد والتمييز.
الأربعاء 30-11-2005
|