تفجير المراقد المقدسة وما وراءه عبد الستار نورعلي
بالأمس الأربعاء الثاني والعشرين من شباط 2006 وفي مدينة سامراء بالعراق جرى تفجير مرقد الإمامين علي الهادي وأبنه حسن العسكري وهما إماما الشيعة العاشر والحادي عشر على يد من وصفوا بالإرهابيين التكفيريين والصداميين أعوان صدام حسين الرئيس العراقي السابق.
إن المرقد المذكور هو من الأماكن المقدسة لدى العراقيين شيعة وسنة ومزار لهم ، يؤمه الآلاف تبركاً وتقرباً من الله سبحانه وتعالى. وبذا لايعد مرقداً شيعياً فحسب ، وإذا علمنا أنه يقع في مدينة سنية حافظ أهلها عليه ورعوه طوال مئات السنين لأدركنا عمق الصلة والترابط بين أبناء العراق وبالأخص طائفتيه الرئيستين ، اللتين يتعايشان معاً منذ بداية التكوين العراقي وانتشار الدين الاسلامي في ربوعه وبين أهليه. سواء بالتقارب والجوار أو بوشائج الالتحام الأسري ، من خلال الزواج والمخالطة والمعايشة، حتى تكونت أسر ومجتمعات وتجمعات مختلطة ممتزجة لا يفرقها شيء ولا تؤثر على علاقاتها أحداث ، فحتى في القبيلة العربية الواحدة هناك أفخاذ تنتمي الى هذه الطائفة وأخرى الى تلك . فهناك شمر سنة وشمر شيعة ، وجنابيون سنة وجنابيون شيعة ... وهكذا . مما يؤشر الى التواشج الاجتماعي والالتحام الأسري الذي لا يمكن فصم عراه بالسهولة التي يتوهمها البعض من الذين لايدركون واقع المجتمع العراقي. وهذه مسلمة موضوعية لا تخفى على أحد. وما تكرارها الا من قبيل التنبيه والتأكيد وإشارة الى الذين يعملون من اجل فك هذا الالتحام وتمزيق هذا النسيج المتشابك للوصول الى أهداف وغايات ضيقة مذهبية أو قومية أوسياسية أومصلحة أنانية طائفية للسيطرة والحكم.
وبالنسبة للدول الأخرى غير العراق عربية كانت أم اسلامية أم أجنبية عدوة متربصة بالأمة فإنها تعمل من خلال استراتيجياتها ومصالحها ودرء أخطار تهددها وتهدد امنها ، فتعمل على الساحة العراقية متعللة بالوجود الأمريكي لدفع الأمور باتجاه توريط الولايات المتحدة في المستنقع العراقي من خلال خلق الأزمات والعراقيل أمام مخططها ، فيكون العراق وشعبه هو الأداة والضحية التي تدفع من دمها وابنائها وممتلكاتها وتدميرالأرض والإنسان ثمناً لمخططات الآخرين .
كم أن هناك قوى أخرى ومنها القاعدة وقوى قومية عربية واسلامية تروم محاربة أمريكا في العراق ، فعملت وتعمل على نشر أفكارها والانتشار وسط العراقيين لكسب من يمكن كسبهم الى جانبها ، مثلما تعمل على تجنيد الشباب المسلم والعربي وارسالهم للجهاد داخل العراق ضد الكفار والمرتدين ، وبما أنهم يكفرون جميع من يخالفهم في المذهب والدين وعلى رأسهم الشيعة فإنهم يعدونهم أتباعاً للكفار وعملاء لهم وأخطر من القوات الأجنبية الصليبية والمحتلة ، لذا فإنها توجه عملياتها ضد هذه الفئات التي يعتبرونها متعاونة مع الكافر والمحتل ، وللجهاد ضدهم الأولوية ، بينما ضرباتهم في مواجهة المحتل لا تذكر مقارنة بما يقومون به ضد أبناء الشعب العراقي من الفقراء والمساكين والباحثن عن لقمة العيش لهم ولأطفالهم. وكل العمليات التي يقومون بها ضحاياها من كل الطوائف والمذاهب والأديان المختلفة ، فكيف لهم معرفة أن جمعاً يضم المئات من الناس هم كلهم من طائفة واحدة؟
إضافة الى كل ذلك لايمكن نكران الجهات والدول الكثيرة العاملة مخابراتها داخل العراق بحرية والقائمة على تنفيذ مخططات دولها داخل العراق لأجندات مختلفة تتعلق بكل دولة ، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل دون ريبة او شك أو نكران.
وفي هذا السياق والتداخل المتشابك لكل القوى والتيارات تأتي عملية تفجير مرقد الإمامين الهادي والعسكري في مدينة سامراء. وأول اهداف هذه العملية البشعة النكراء هواحداث فتنة طائفية داخل العراق . لكنها أثارت غضب العراقيين جميعاً دون استثناء ، وما المظاهرات الصاخبة التي قام بها أهالي سامراء السنة ضد العملية الهمجية الا دليل على وحدة المشاعر العراقية تجاه المقدسات على اختلاف المذاهب ، كما بادر على الفور رجال الدين السنة قبل الشيعة لاستنكار الجريمة ، وقد أعلن الوقف السني تبرعه بملياري دينارعراقي لإعادة إعمار المرقد. كل هذا رد على مرتكبي العمل المنكر وما يهدفون من خلفه لإثارة الفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي .
رغم كل الأحداث المشابهة من تفجير السيارات المفخخة و الحسينيات والمساجد ودور العبادة المختلفة والهادفة الى إثارة هذه النعرات وتمزيق وحدة تلاحم الشعب العراقي كان وعي العراقيين الثابت صخرة صلدة أما مخططات التكفيريين والمتعاونين معهم والقوى الأجنبية التي تريد بالعراق وشعبه السوء والسقوط في الهاوية لهذا الغرض او ذاك بحسب أجندة كل واحد منها.
وهنا يأتي دور المهم والدقيق والخطير للقادة الحاكمين والسياسيين ورجال الدين والمثقفين العراقيين ن وذلك في نبذ كل ما يمكن ان يسيء الى وحدة الشعب العراقي والعمل من اجل بناء العراق الجديد بعيداً عن الطائفية والمحاصصة والأنانية السياسية في التحكم والحكم والصراع من أجل المناصب والمصالح. عليهم العمل من أجل المشاركة الجماعية في الحكم لبناء الوطن بمسؤولية ونكران ذات ووحدة الإرادة نابذين الفرقة والتمسك بالاختلاف ، مع أن الاختلاف رحمة كما ذكر نبي الرحمة ، والمقصود بالاختلاف هنا الايجابي . فلكل حقه بالاحتفاظ برأيه والدفاع عنه في ديمقراطية حقيقية متوازنة صالحة ، لكن مصلحة الوطن وشعبه يجب أن تكون في المقام الأول.
|