وقفة مع الدكتور محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي -عبد الستار نورعلي

الأحد 23 نيسان 2006

  بعيداً عن المواقف السياسية ، وبعيداً عن الاتفاق أوالاختلاف ، وبعيداً عن المواقف المسبقة ، وبعيداً عن العلاقات الشخصية في الود أو الكره ، وبعيدا ًعن المدح او القدح الذاتي النفعي ، وبعيداً عن التقرب او التكسب أو البحث عن منفعة ، وبعيداً جداً عن المجاملات أود أن أقف أمام هذه الشخصية السياسية الجديدة على المواقع العامة المؤثرة ، والقديمة في الموقف السياسي والنضال ضد الدكتاتورية ، وبغض النظر عن الاتجاه أوالايديولوجيا الجاهزة للإقحام في الرفع أو الايقاع ، أو في الذم أو الإطراء.

 محمود المشهداني الطبيب الانسان كان يوماً طبيب عائلتنا الخاص الذي كنا نتوجه اليه نحن وأطفالنا للمعايدة والعلاج ، أصبح صديقاً موثوقاً ومقرباً الى النفس نكن له كل الحب والتقدير والاحترام ، وذلك أيام فتح عيادته في مدينة الحرية وهو خارج من السجن مصادر الأموال المنقولة وغير المنقولة والمطارد المراقب.

 مالذي يدفع انسان مثلي يختلف مع هذا الرجل في القومية والمذهب والاتجاه الفكري والسياسي . هو العربي  وأنا الكردي الفيلي، هو المتدين وأنا العلماني ، ما الذي يدفعني الى التآلف معه ومودته ومجالسته؟

كيف يلتقي هذا بهذا ؟!

 محمود المشهداني ترك أثراً كبيراً في نفوسنا ، نحن كعائلة وانا كفرد ، ظل حتى اليوم وقبل أن يبرز اسمه سياسياً واعلامياً حتى . كان دائماً على ألسنتنا هنا في الغربة وهناك في بغداد مع من بقي من العائلة.

 كنا نجلس أنا وهو في عيادته حين تفرغ من المرضى لنتحدث في الأدب والشعر والسياسة . أقرأ له قصائدي ، ويقرأ لي قصائده. فالرجل شاعر ومتابع للأدب وتاريخه ، شغوف به كأفضل أديب . وما ذاك بغريب على رجل مؤمن متدين صادق الإيمان والتدين ، نظيف الطوية ، سليم القلب ، طاهر اليد ، يحب الناس. وللعلم كان لايأخذ من الفقراء أجرة العيادة ، بل يمنحهم أيضاً من عيادته الدواء مجاناً ، وهو المطرود من وظيفته في الجيش والمصادرة أمواله ، لايملك شروى نقير حينها. أتذكر أنه في مرض زوج شقيقتي الطويل كان يأتي بنفسه الى البيت لمعالجته.

دفء في النفس ، ورقة في العاطفة ، وانسانية في التعامل ، وبعد عن التعصب.

 كان يتألم لما تعانيه شريحتنا الفيلية من تهجير ومصادرة أموال. لايخشى من أن يصرح برأيه. وفي نظري أن ايمانه الديني الذي اختاره مسلكاً في الحياة والنضال وموقفاً في السياسة كان ايماناً صادقاً حقيقياً نقياً صادراً عن قناعة تامة وفهم دقيق ، والدين الاسلامي كما نعرف بعيد عن التعصب مليء بحب الخير والناس والعمل من أجلهم ومن أجل الضعفاء والمساكين والمظلومين . والمتمسك بالاسلام عن ايمان صادق لا بد أن يتحلى بكل ما جاء به ديننا من شرائع وتعاليم وتوجيهات للفرد والمجتمع.

لم نشعر يوماً بأن الرجل في داخله تعصب أو رفض للآخر ، فما كان يمنحنا من دفء عاطفته وحبه ورعايته وعلاقته وسلوكه الانساني أدخل في نفوسنا الاطمئنان اليه والثقة به وحبه واحترامه.

ثم هاجرت أنا وعائلتي من العراق في اواخر عام 1991 لنستقر في السويد ، لكننا بقينا نتتبع أخباره من الأهل في بغداد ، وبقي اثره الطيب في نفوسنا. حتى بدأت العملية السياسية الحالية وبدأ اسمه يظهر في وسائل الإعلام مع قائمة التوافق . والحق أنه عندما ورد اسمه مدحاً على لسان الرئيس جلال الطالباني لم أكن أعرف أنه المقصود ، حتى انتبهت زوجتي يوماً الى صورته في التلفزة وفي احدى المؤتمرات الصحفية لتصرخ هذا هو الدكتور محمود المشهداني .....!!

وكان هو ...!

واليوم حين رأيناه يعتلي كرسي رئاسة البرلمان شعرنا بارتياح بالغ حقاً . وحين بدأ يتكلم بمرح ومزاح ، وهما ما عرف بهما ، شعرنا أن الرجل لا يزال شخصياً كما هو ، بابتسامته ومرحه وكلامه ودفئه . فتلقائيته وبساطته وحركته الطبيعية ومرحه ومزاحه في جلسة البرلمان أشاع جواً من اللطافة والمرح وسط الجو المكهرب الذي كان مخيماً كما لاحظنا. ومن خلال متابعتنا لمؤتمره الصحفي ثم لقاءاته وتأكيده على مبدأ الوطنية العراقية ونبذ الطائفية شعرنا بأن العراق ربما ، وهو ما نتمناه ، قد وقف على الطريق وفي أيد امينة نقية حريصة مخلصة صادقة في خدمته وخدمة شعبه. وهو يمنحنا أملاً بأن تحل كافة القضايا العالقة ومنها قضية اموال وممتلكات وحقوق الكرد الفيليين أسوة بالمواطنين العراقيين الآخرين.

لكن ... و بلا شك ، للظروف السياسية المعقدة والخطيرة التي يمر بها العراق ولمواقف وأجندة القوى والتيارات المختلفة  اثر بالغ على المسيرة السياسية وتوجهاتها قوى وقادةً وأفراداً .

لا تكفي النية الشخصية السليمة والنقية والمخلصة في تنفيذ السياسات والتوجهات ، فللمصالح الفئوية والقومية والمذهبية والسياسية للقوى الداخلية والدول الخارجية والقوى الدولية أجندتها واستراتيجياتها التي قد تجري بالضد من النوايا الوطنية الطيبة في خدمة العراق وشعبه ، واخراجه مما عاناه ويعانيه يومياً. وبالتأكيد فإن كل ذلك أقوى من الارادات الفردية والجماعية.

ونحن نتمنى من قلوبنا أن يكلل النجاحُ مسيرة الدكتور محمود المشهداني في موقعه القيادي الجديد المهم في بناء العراق الجديد. وعساه يصمد في وجه الرياح التي ستهب في طريقه قوية شديدة وخطيرة دون شك ، كما صمد أيام الديكتاتورية للسجن والحكم بالاعدام ومصادرة الأموال.