رسالة الى القيادات العراقية الشـيعية: وماذا عن الفيليين؟

عبد الستار نورعلي

بسـم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسـلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

السـادة القادة العراقيون الشيعة الكرام ،

السلام عليكم ،
أما بعد ،

الكرد الفيليون ، كما لايخفى عليكم ، يدينون بالتشيع مذهباً، وبالتمسك بحب آل البيت سُـنة. وهم ربما من أشد أنصار ومحبي آل بيت رسول الله (ص)، والمتعلقين بسيرة ومبادئ سبط النبي أبي الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي (ع) وأبنائه المغدورين.
لقد اعتاد الكرد الفيليون في أيام عاشوراء ذكرى واقعة الطف واستشهاد أبناء رسول الله ( ص) أن يقيموا مجالس العزاء في مناطقهم في بغداد، وأن يشاركوا في طقوس عاشوراء المعروفة شيباً وشباباً وفتياناً ونساءاً التي كانت تجري في الكاظمية وكربلاء والنجف. كما لم تكن تنقطع زياراتهم الدائمة لمراقد الأئمة الأطهار في تلك المدن وغيرها.

وحتى أنهم في أفراحهم وأعيادهم ومنها عيد النوروز بالذات في الحادي والعشرين من آذار كانوا يتوجهون الى مدينة النجف الأشرف لزيارة مرقد الإمام علي بن أبي طالب (ع) وعيادة مقابر موتاهم، وقضاء أيام ٍهناك في احتفالية عُرفوا بها وأصبحت من تقاليدهم.
هذا الحب والتشبث والانتماء كان واحداً من الأسباب الرئيسة وراء ظلمهم واضطهادهم وما تعرضوا له من تمييز طائفي وعرقي، وما جرى عليهم من ظلم واجحاف ومطاردة وتهميش وتهجير ومصادرة أموال وممتلكات، وحرمان أبنائهم من تقلد الوظائف والمناصب الحساسة والمهمة والعليا في الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها، وحتى المراكز الدنيا كانت ممنوعة عليهم. مع أنه بالتجربة والواقع والفعل عُرف عنهم الإخلاص والتفاني والوفاء ونظافة اليد والسيرة وعدم خيانة الواجب بل الحماس في تأديته بكل اندفاع وتضحية ودقة وانضباط.

يكفيهم فخراً واعتزازاً ووساماً أنه لم يظهر بينهم على مدى تاريخهم الطويل خائن لوطنه وشعبه وأمته، أو مشارك في مظلمة وايذاء، أو متآمر يضع يده في يد الأعداء من الأجنبي والحاقد والمتربص، بل العكس فمسيرتهم في العراق خير دليل ناصع ينبض بالاخلاص والوفاء والحرص على الوطن.

كان أبناؤهم مشاركين عن قناعة وايمان وحماسة واندفاع في كل نضالات الشعب العراقي في عهود الحكم السابقة وفي صفوف غالبية الحركات والاحزاب الوطنية والقومية والدينية، فتعرضوا بسببها للمطاردة والاعتقال والسجن والتعذيب، وسقط الكثير منهم شهداء في هذا الدرب. ومنهم الآلاف من خيرة شبابهم وشباب العراق ومذهب آل البيت الذين احتجزوا في حملة التهجير القسرية الظالمة عام 1980 وبعدها، لتختفي آثارهم حتى عن المقابر الجماعية. هؤلاء الذين لم تعد حقوقهم ولا حقوق عائلاتهم ولم تثبت بقانون ومتابعة جدية بحماسة مثل حماستهم حين قدموا حياتهم على مذبح الدفاع والنضال في سبيل تحرير الشعب العراقي من الظلم والاستبداد والاضطهاد والمصادرة وطمس الحقوق، منذ سقوط النظام الدكتاتوري الدموي السابق ولحد اليوم، مع ان السلطة والقرار بيد أخوانهم في المذهب واخوانهم في العِرق؟!!

لكن الملاحظ أنه ظلت الوعود تـُطلق، والأقوال تـُغدق، قبل الإنتخابات ، أما بعدها فالأبواب تـُغلق، والأقوال والوعود لا تـُطبق، والأفعال تتراجع وتـُعلق، والألسنة تتلعثم في المماطلة والتسويفِ فلا تنطق، وفي الصمت تغرق .
ويظل الكرد الفيليون يطرقون الأبواب والنوافذ فلا من سامع ولا من مجيب، ولا من متعاطف ولا من طبيب، ولا من مؤيد ولا من حبيب.
فكأنهم من طينة غير طينة المجاهرين بالولاء والحب لآل البيت المطهرين.
وكأنهم ماكانوا عرضة لما تعرضوا له بسبب هذا الولاء وهذا الحب !

وبعد كل هذا هل يجوز أن يتعرضوا ثانية، ومن أبناء المذهب الواحد، الى التهميش والاقصاء، وكأنهم من البعداء والأعداء؟

وهل من الانصاف أن يُواجهوا بصم الآذان،وصمت الألسن وغياب الأعوان، عن حقوقهم المصادرة منذ زمان، أيام الاستبداد والطغيان؟

وهل يحق أن يلقاهم اخوانهم في الحكم بالمماطلة والتسويف في استعادة حقوقهم من أملاك ووثائق مصادرة، وأموال في البنوك محجوزة، وتثبيت حقوق شهدائهم مثل غيرهم من شهداء العراق الأبرار الخالدين؟

أليسوا من المُهجَرين والمهاجرين ، أم أنهم ذهبوا في سفرة سياحية ؟!

ألم يقدموا قوافل الشهداء في مسيرة الظلم الذي تعرضوا له مع أخوانهم من كل أطياف الشعب العراقي دون تمييز وتفريق ؟

لم تكنْ التضحية ولا الشهادة ولا التعرض للظلم وقفاً على فئة دون أخرى. ولايجوز أن تكون إزاحة الظلمات وايقاف الانتهاكات، وتقديم المنجزات، واغداق المكرمات، وإعادة الحقوق المصادرة، لا يجوز أن تكون وفق طبقات ودرجات، على قاعدة ذوي القربى من قرابة الدم والدين والمذهب والمدينة والمناطقية والانتماء السياسي والطائفي. ولا يحق لأحد أياً كان أن يجعل منها مرجعاً وخطة عمل ، ومبرراً في سياساته وتوجهاته وتطبيقاته.

فلا يُزاح ظلم ليُستبدلَ بظلم من نوع آخر، ولا يُهدَم نظام حكم مستبد باغ ٍ ليأتي بعده استبداد في ثوب مغاير، ولا يُحارب التمييز والتفريق بين المواطنين ليقعوا ثانية فريسة لهما بهذه الحجة او تلك، وبهذا التبرير أو ذاك.
العراق لكل العراقيين بلا استثناء ولاتفريق، ولا تمييز ولاتمزيق. فهم بجميع أطيافهم قدموا التضحيات وعانوا ما عانوا في ظل النظام السابق، ومنهم الكرد الفيليون الذين تعرضوا لما تعرضوا له وقدموا التضحيات الهائلة لأسباب ذات أربع شُعب، قومية، ومذهبية، وسياسية، واقتصادية حيث كان أغلب كبار تجار سوق الشورجة وبغداد منهم.

وأنتم خير العارفين، وأصدق الشاهدين..
فلماذا ياأخوة المذهب الواحد يدير البعض ظهره لهم، ويغلق عينيه عما تعرضوا له ويغفل عن حقوقهم لهذا السبب او ذاك .؟
ولماذا يُحاسبون ويُعاملون على أساس الصوت الانتخابي، أوالانتماء الغالب القومي أو المذهبي اللذين يوجهانهم بحسب قوة الأثر والتغلب المشاعري لأحدهما على الآخر، وهو أمر طبيعي عند كل البشر، هناك من يغلب عنده التوجه القومي، وآخر التوجه المذهبي. والقناعة الموضوعية بذلك والايمان بحق الانسان في الاختيار، وعدم التعامل معه على أساس هذين التوجهين هي من أهم اسس وقوانين ومرتكزات الديمقراطية التي ندعو اليها ونحكم ونعمل على أساسها. كما هي من أبسط حقوق الانسان الطبيعية التي أقرها الدستور وتأسست على أساسها لأول مرة في العراق والمنطقة وزارة لحقوق الانسان.

الحق والعدالة متجردان عن الأهواء والولاءات والتمييز بين الناس.
هذا ماتعلمناه من سيرة الرسول الكريم (ص) وسيرة آل بيته الكرام المطهرين الذين عانوا في سبيلهما ما عانوا، وقدموا دماءهم وخيرة أبنائهم غزيرة على مذبح الدفاع والقتال عن الحق والعدل والمظلومين والمستضعفين.
فهل بعد هذا أنتم شيعة مع التقدير والتنفيذ ؟!
وحقوق مهجريكم ومهاجريكم مقدسة، تدافعون عنها ليل نهار وتشكلون اللجان من اجلهم ومن أجل استرداد حقوقهم ؟!
والكرد الفيليون شيعة مع وقف التنفيذ..؟؟!!
أم أن وراء الأكمة ما وراءها ؟
أجيبونا ،
يرحمكم الله ...!

مع فائق التقدير والاحترام والاجلال والاكرام

الشـاعر
عبد السـتار نورعلي
السـويد 29 حزيران 2006