هل  اصبحت قضية الكرد الفيليين في خبر كان؟

عبد الستار نورعلي

  ليس بجديد إذا استعرضنا قضية الكرد الفيليين في العراق بين المعاناة والتمييز والتهجير ومصادرة الأموال والأملاك وتغييب الألوف من خيرة شبابهم في المقابر الجماعية خلال الحكم الدكتاتوري السابق . فقد أصبحت قضيتهم معروفة للجميع ومنها القوى التي تحكم العراق الآن .

كثرت الكتابات، واشتدت المطالبات، وزادت المراجعات، وعلت الأصوات، ولا من سميع ولا من مجيب من قريب أو بعيد، رغم التصريحات في العمل على ارجاع الحقوق المغتصبة وانصاف المظلومين، ورغم تشكيل اللجان في المجلس الوطني السابق ومجلس النواب الحالي لمتابعة المظلوميات التي وقعت في ظل النظام الساقط وسن القوانين لاستعادة الملكية المصادرة ولتعويض ذوي الشهداء واعادة المهجرين الى مدنهم وأماكنهم. ثم وضع سقف زمني لمراجعة الذين تشملهم هذه الاجراءات والقوانين، وكأن الحقوق تسقط بالتقادم.، مع أن العالم منذ عقود يفتح ملفات الاضطهاد والظلم الماضية وحتى التي تمتد الى زمن الاستعمار الحديث في اوائل القرن الماضي، وذلك لمحاسبة الجناة والطغاة والاعتراف بالأخطاء والتجاوزات واعادة الحقوق وتعويض المتضررين من الافراد والجماعات والشعوب التي عانت الاضطهاد والظلم والتعسف ومصادرة الحقوق، سواء من خلال التعويض المادي أوالمعنوي بالاعتذار عن التجاوزات والمظالم ، وهو تعويض معنوي حضاري واعتراف بالخطأ والتجاوز.  

 تأمل الكرد الفيليون خيراً واستبشروا بعد التغيير وبعد ما قيل وما طرح من خطط وبرامج لبناء عراق جديد ديمقراطي حديث عادل خال ٍ من الاضطهاد والدكتاتورية والظلم، عراق مثالي عصري تثبت فيه حقوق الانسان والمواطنة على اساس الانتماء للوطن لا على أساس عنصري أو طائفي أو ديني أو حزبي ضيق.

لكن واقع الحال كان ولا يزال عكس التيار وبالضد مما تأملوا وما قيل ويقال.

لا ذوو القربى والنسب والقومية أنصفوهم، ولا أهل المذهب والعقيدة التفتوا اليهم.

قد يعترض علينا هذا الطرف وذاك ، ويبدي الاستياء والغضب. لكنها الحقيقة المرة المجردة من التزويق والادعاء والتصريحات المداهنة وعلى مبدأ كلام الليل يمحوه النهار.

وها هم الكرد الفيليون مرة أخرى في وادي النسيان والتهميش رغم محاولة البعض القيام بترقيع من منصب هنا أو وظيفة هناك لا تغني ولا تسمن، ولا تؤثر ولا تطمئن.

أين الحقوق المغتصبة ؟  وأين الانصاف والعدل؟  وأين الأملاك المصادرة؟ وأين الأبواب المفتوحة ؟

 البعض من المهجرين الفيليين العائدين وهو يراجع من أجل استعادة ملك أو حق مغتصب يواجه في الدائرة المختصة بنفس الاجراءات الماضية في العهد السابق ونفس المعاملة العنصرية والمميزة وتهمة التبعية الايرانية المتهرئة وغيرها من الحجج الواهية الظالمة التي تنبع من نفس المصدر الماضي ومن نفس الاشخاص الذين كانوا يتحكمون برقاب الناس.

والبعض الآخر حين يذهب لاستعادة بيته أو لمجرد رؤيته بعد عقدين من التهجير، البيت الذي وهبه النظام السابق لأحد أزلامه،  يواجه برشاشة وتهديد بالقتل إن عاد وطالب ببيته أو مر به مرة أخرى. وما أكثر الرشاشات في أيدي الناس في العراق، وما أسهل القتل بالمجان والذي أصبح حرفة مربحة في بلد بلا رقيب ولا حسيب سوى اللصوص والقتلة وأصحاب المصالح والاجندات المعلنة وغير المعلنة!

 لكن المصيبة الأكبر أن نظرة ضيقة ظالمة أخرى طفت على سطح العراق تمسك بخناق الناس المظلومين من الفقراء والضعفاء الذين لا تقف قوى كبيرة قوية مؤثرة خلفهم, هؤلاء المظلومين على مر العهود والأزمان ومنها هذا الزمن الرديء الرهيب الدموي الذي يمر بالبلاد. والفيليون من الشرائح التي لا تملك قوة كبيرة أو سطوة تخيف ، ولا تقف خلفها قوة سياسية مؤثرة فاعلة على الساحة ، أو دولة أخرى لها أجندة سياسية في الوضع العراقي الراهن.  

إن لم تكن محسوباً على قوة من القوى المتحكمة بالسلطة او بالشارع ، وان لم تكن لك قوة ذاتية مسلحة تهدد وترعد وتزبد وتبطش وتقتل وتنهب وتسلب فلن تكون لك حقوق تحصل عليها في خضم هذا الهرج والمرج ، ولاحقوق تستعيدها إن كانت مصادرة. وصوتك لا يصل الى أبعد من أذنيك وعتبة بيتك !!

 من الأمور المهمة والمؤثرة في قضية ووضع الكرد الفيليين أنهم محسوبون على القوتين الرئيستين الحاكمتين في العراق الآن، فهم أكراد قومياً من جانب، وهم شيعة مذهباً وعقيدة من الجانب الثاني. وعليه فما هم بقادرين على الفكاك من أي منهما. عواطفهم أرادوا أم لم يريدوا تتجه في الاتجاهين رغماً عنهم.

لقد وقع عليهم الظلم مزدوجاً بنصلين ككرد أولاً وكشيعة ثانياً. وهو ما يميز مشكلتهم عن مشاكل الاخرين من شرائح الشعب العراقي. وفي الوضع الحالي يعاملون من الجانبين كورقة في حركة التحكم في الوضع السياسي ساعة يحتاجون الى أصواتهم في الانتخابات ، أو قضيتهم في اطار الحديث عن الاضطهاد الذي تعرضوا له قومياً في جانب ومذهبياً طائفياً في الجانب الآخر. ثم حين مطالبة الفيليين بحقوقهم يعاملون على أساس مدى ولائهم القومي من جانب الكرد أو المذهبي من جانب الشيعة ، ومدى ارتباطهم بالقوة السياسية المعنية والذوبان فيها. وكل يرميه على الجانب الثاني.

وبين هذا وذاك ... لا هذا ولا ذاك ...!!!!!!

 كان  الفيليون في العهد السابق يواجهون ظلماً من جانب واحد هي السلطة الدكتاتورية الحاكمة كغيرهم من المظلومين العراقيين .

الآن يواجهون ظلماً من طرفين محسوبين عليهما ، ووقع عليهم الظلم مثلما وقع عليهما..!

فهل من العدل والانصاف يا ذوي العمل على نشر العدل والانصاف كما تجاهرون ليل نهار أن تعاملوهم مثل الكرة كل يحاول رميها في مرمى الآخر، أو يحاول سحبها باتجاهه عند الحاجة ؟

 وفي المعمعمة الجارية في البلاد وانشغال القوى في تثبيت المواقع في السيطرة والتحكم والحكم وسط فقدان الأمن والأمان، وقع الكرد الفيليون في أسر النسيان. وإن رفعوا الصوت حوسبوا وفق كفة الميزان في الميل نحو فلان أم فلان ،  في وضع تكاثرت فيه الفلانات الى حد الاختناق والفلتانات، بحيث تكاثر الذبح والقتل على الهوية والنسف والمفخخات، والخطب الرنانة واللطم والتصريحات في كل المواسم والمهرجانات!؟

وفي خضم كل ذلك يبدو لنا أن قضية ومأساة الكرد الفيليين المهجرين وغير المهجرين وأولادهم الشهداء المغيبين وأملاكهم المغتصبة أصبحت في خبر كان في دهاليز القوى المتحكمة برقاب العراقيين.

لكن هيهات سنظل نصرخ عالياً ونقرع الرؤوس والكراسي بأصواتنا وأقلامنا مادمنا أحياء نرزق حتى تظل قضية الكرد الفيليين ساخنة على السطح وفي الواجهة دائماً.

  في الوقت نفسه سيبقى السؤال المطروح والملح هو:

ما الذي تغير يا ترى في العراق ؟

 

عبد الستار نورعلي

الأحد 3 أيلول 2006