الكرد الفيليون ومغنية الحي التي لا تـُطرب

عبد الستار نورعلي

 

في تاريخ الكرد الفيليين في العراق في القرن الماضي مروراً بالحالي برزت وتبرز شخصيات واسماء لمعت وتميزت وانتشرت واشتهرت في مختلف أوجه النشاط العام ، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والعلمي والثقافي والاعلامي والأكاديمي والبحث العلمي والمجالين الفني والرياضي ، حيث ساهمت وتساهم في خدمة وبناء العراق الحديث ،  كل في مجال تخصصه وابداعه واهتمامه وعمله .

 

اسماء لمعت واسماء تلمع الآن واسماء لم تجد طريقها الى اللمعان فعملت في صمت ، منها من رحل ومنها من اختفى ومنها من عمل ويعمل في هدوء وروية وثبات راضياً قنوعاً مؤمناً بما يقدمه ومحباً لما يبذله في سبيل الصالح العام لوطنه وشريحته وتثبيتاً لمكانتها المهمة والضرورية والمتميزة ، واظهاراً جلياً لأهميتها ودورها الفعال في الدولة والمجتمع وصيرورتهما وسيرهما ، وذلك بما تمتلكه من طاقات كبيرة وخزين هائل من مواهب ومبدعين وأناس متمكنين من أدواتهم ومقتدرين في اختصاصاتهم لا يختلفون عن غيرهم من أطياف الشعب العراقي.

 

وقد تفجرت بعد سقوط النظام العراقي الدكتاتوري في نيسان 2003 الامكانيات الكردية الفيلية الهائلة والكامنة في مختلف المجالات التي ذكرناها ، ومنها المجال السياسي والاعلامي والكتابي البحثي والابداعي. فمثلاً ظهرت مواقع اعلامية على الانترنيت يديرها مثقفون ومبدعون فيليون وبنجاح ملفت للنظر جعل بعضها من أهم المواقع من ناحية الانتشار والمتابعة والتأثير خبرياً وتحليلاً سياسياً وثقافياً على رأسها موقع صوت العراق الذي قدم كوكبة كبيرة وجديدة من اسماء كتاب ومبدعين كرد فيليين وعراقيين من شتى الاطياف ، وكذلك موقع أكاديميي الكرد الفيليين ، وموقع المجلس العام للكرد الفيليين ، وطن الجميع- صحيفة الحزب الكوردي الفيلي العراقي ، البيت الفيلي موقع الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي ، موقع حركة المسلمين الاكراد الفيليين ، موقع حزب بايمان ، واخيراً وليس آخراً موقع واذاعة شفق. مثلما برزت شخصيات كثيرة على الصعيد السياسي تبوأت مكانة في مختلف التيارات والاحزاب والتجمعات والجمعيات داخل العراق وخارجه ، ومنها من أصبح عضواً في مجلس النواب العراقي ، ومنها من يعمل في مختلف الوزارات والدوائر والمؤسسات الرسمية ووسائل الاعلام المختلفة. اضافة الى الشخصيات السابقة المعروفة التي عملت داخل الأحزاب والقوى الكردستانية والعراقية وبعضها وصل الى قياداتها.

 

هذه الكثرة الكاثرة من الشخصيات والاسماء الفيلية البارزة حاولت وتحاول من خلال أنشطتها ومواقعها أن تؤصل وتثبت دورها وترسخه في الذاكرة العراقية والكردية الجمعية والفردية ، وبالخصوص الفيلية منها ، لما تقدمه من خدمة تجهد من خلالها أن تضع طاقاتها في مسيرة العراق الحضارية في كل المجالات والاتجاهات. ومن أهم الملاحظات وأنصعها على هذه الشريحة من الكرد العراقيين أنه لم تسجل على أي فرد منهم مهما كانت منزلته أو موقعه أية نقطة سوداء في موالاة غيرالعراق وقضية امتهم الكردية ، أو تعاون أحد منهم مع دولة أجنبية ضد وطنه العراق ، أو عمل على ايذاء أحد من أطياف الشعب العراقي على اساس العرق أو الدين أو المذهب أو الطائفة أو الاتجاه السياسي. بل عُرف عنهم الدفاع المستميت عن قضايا الشعب العراقي بمختلف طوائفه وعن الشعوب المستضعفة والمضطهدة في المنطقة والعالم ، وما موقفهم من القضية العربية الفلسطينية ومشاركتهم في معاركها وتقديم الشهداء على أرض فلسطين الا أحد الأدلة على نصاعة تاريخهم ومواقفهم ومبادئهم الانسانية.

 

لكن الأسئلة التي تطرح نفسها بالحاح بعد كل ما أسلفنا هو:

هل تنبه الكرد الفيليون الى كل هذا الخزين المشرق من الشخصيات في وسطهم ؟

هل جهدوا على أن يفخروا بهم و يحتفلوا باسمائهم ؟

هل أعطوا كل هؤلاء حقهم في التكريم والذكر والاشارة ؟

هل حاولوا أن يؤرخوا لهم في ذاكرة النشاط التاريخي الحضاري للكرد الفيليين ؟

هل يذكرونهم بخير حتى في مجالسهم الخاصة ؟

وهل يذكرونهم باحترام واعتزاز حين يرد ذكرهم ؟!

وهل .....

وهل .....

كما تفعل كل أمم الله على أرضه ؟!

أم أنهم يحملون فأس الهدم و سيف الطعن ولسان الصمت و خنجر الغيبة ومحاولة التصغير والاستصغار والتقليل والاقلال من الشأن والتعمد في الاهمال ؟!

 

في معايشتنا اليومية للكرد الفيليين ومؤسساتهم وجمعياتهم واتحاداتهم المدنية نسمع في الظاهروالمعلن من بياناتها وبرامجها وانظمتها الداخلية وأسباب تأسيسها أنها تنبثق لخدمة الشريحة الفيلية والدفاع عن حقوقها واستعادة اموال وبيوت المهجرين المصادرة من النظام الدكتاتوري السابق بعد حملة التهجير القسري قبل واثناء الحرب العراقية الايرانية ، والعمل على تثبيت حقوق شهدائها من الشباب المغيبين في المقابر الجماعية. وكل هذه الجمعيات والمؤسسات متفقة في نفس المطالب لاتزيد ولا تنقص ، لكن المختلف الوحيد فيما بينها هو التعبير والاسلوب والصياغة فقط أما المضمون فهو واحد . ففي معايشتنا هذه الماضية والراهنة نجد مع الأسف الشديد أن كلَ واحد يغني في واد مع أنهم جميعاً واحد من نفس العباد والبلاد!!

وفي هذه المعايشة نصطدم بأن هذه الشريحة لاتزال في حيصَ بيصَ ، خلافات وصراعات واتهامات وطعونات تجاه بعضهم البعض ، كأنما كل واحد ناصب للثاني يتسقط الأخطاء وإن لم توجد يبحث عن اي سبب يتعلق به للتقليل من الآخر على قاعدة خالف تعرف ! وحتى تجاه ممن ذكرنا من الشخصيات والاسماء البارزة والعاملة في مجالاتها على قدر ما تستطيع والتي تدعو الى الفخر والاعتزاز والتكريم. بينما يجب أن لايكون الاختلاف  في وجهات النظر والمواقف والخلافات والعواطف الشخصية سبباً في الفرقة والتشتت والهدم مع أن القضية والمعاناة واحدة موحدة ، ومع أننا ليل نهار نمجد ايماننا بالديمقراطية والدفاع عن حقوقنا.

 

وقديماً قالت العرب : مغنية الحي لا تـُطرب.

وهذا المثل ينطبق بالتمام والكمال وبالمقياس التام على الكرد الفيليين وكأنه قيل فيهم.

 

فهم يتغنون بشخصيات الغير ولديهم من يماثل هذا الغير بل يفوق عليه في مجالاته وتخصصاته.

وهم يحتفون بالغرباء ويلتفون حولهم ويمجدونهم ويصفقون لهم ويسبحون بحمدهم ويكرمونهم ويلتجئون اليهم ، ومنهم الذين لا يقدمون ولا يؤخرون ، وليس لهم سوى لمعان اسمائهم ، أما معانيهم فليست تـُعرف !

وهم يرفعون أنوفهم ويديرون وجوههم استصغاراً واهمالاً متعمداً وبلا اكتراث لمن هو منهم وله مكانته الرفيعة وشهرته الواسعة في أوساط الآخرين ، وبشخصيته ومنزلته يرفع من شأنهم  ويثبت أهليتهم وخزينهم الثري ليعلو اسمهم بين أطياف الشعب العراقي وبين الأمم الأخرى .

إن الكثيرين من الشرائح والأمم الأخرى يحتفون بهذه الاسماء ويحتضنونهم لتفوقهم في ابداعهم وحقول اختصاصهم ، والفيليون عنهم  في وادٍ غير ذي زرع  يهيمون ، وعنهم غافلون ، وهم يقولون مالا يفعلون!

 

لابأس ولا ضير أن نحتفي بكل مبدع متميز مشرق خير يخدم الناس على اختلاف مشاربهم وأطيافهم أياً كان أصل هذا المبدع  وفصله ، بل هذه من الضروريات الانسانية الخيرة ، ولكن الضير حين نهمل من هو نابع من وسطنا ، أونعمل على الطعن فيه أوالتقليل والاستصغار من شانه وشخصيته بهذه الصورة أو تلك.

وقد قيل : من لاخير فيه لأهله لاخير فيه للآخرين.

 

فمتى يحتفي ويتفاخر الكرد الفيليون بمبدعيهم المتميزين وشخصياتهم البارزة المعروفة والمشهورة والتي لها مكانتها العالية بين الأقوام الأخرى ؟

ومتى يطربهم مغني حيهم ؟

ومتى يتوحدون تحت كلمة سواء وهدف بناء وطريق مُضاء ؟!

ومتى ينبذون ويتركون القيل والقال ، ويُـدركون ما هم فيه من حال ؟!

العلم عند الله !

ولاحول ولا قوة إلا بالله !

 

عبد الستار نورعلي

9 نيسان 2007