هل ستظل قضية الكرد الفيليين ضائعة بين حانه ومانه ؟!

عبد الستار نورعلي

 

 المواقف السياسية للقوى والاحزاب الحاكمة والفاعلة في عراق اليوم تجاه الجماعات والاطياف والأفراد مبنية على أساس الانتماء والتأييد والسير في الركاب وتقبيل الأعتاب دون الالتفات الى مدى الظلم والحيف والاضطهاد الذي تعرضت له أيام النظام الدكتاتوري الساقط ، وعدد الشهداء الذين قدمتها في مسيرة نضال الشعب العراقي الى جانب كل الشرائح والقوى الأخرى . مع أن كل ما نسمعه ونقرأه منذ السقوط هو أن التغيير جاء لصالح الشعب العراقي دون تمييز  على أساس العرق أو الدين أو المذهب ، و العمل على إعادة الحقوق لاصحابها ومساواة الجميع أمام الدستور والقانون ، واحقاق حقوق الانسان ، ورفع الظلم والحيف عن الجميع.

 

لكن واقع الحال الذي يعيشه العراق اليوم هو غير ذلك تماماً . فالتمييز حاصل ، والتقريب بحسب العرق والدين والمذهب والانتماء السياسي والحزبي قائم على قدم وساق على خلفية المحاصصة ، بل تجاوزتها الى حدود أضيق وعلى أساس حزبي وقبلي وعائلي . وقضية الكرد الفيليين احدى صور هذا التمييز  وهذا التوجه السياسي المدمر الذي أوقع كل العراقيين في الخيبة واليأس والغضب ، حتى بدأوا بالمقارنة بين الحاضر والماضي ، بين النظام الحالي والنظام السابق الموصوم بالفاشية والعنصرية والطائفية والدموية. لكننا نحس ونرى يأعيننا أن لاشيء قد تبدل سوى اللباس والكلام وحديث الأحلام ، أما الباطن فهو نفسه بل اسوأ حالاً ، حتى أخذ البعض في التحسر على النظام الدكتاتوري السابق.

 

كان النظام السابق يعذب ويقتل الناس في الخفاء بعيداً عن الانظار ، واليوم يُقتل الناس عيني عينك في الشوارع والاسواق والبيوت وعلى مرأى ومسمع الجميع ، ومن مختلف الجهات ارهاباً وعنصرية وطائفية ومافيوية.

 

كان النظام المباد يعامل الكرد الفيليين على أساس تهمة التبعية الايرانية ، لكن كان وراء الأكمة ماوراءها من دوافع ، فوقع عليهم ما وقع من تمييز وتهجير ومصادرة ممتلكات وأموال ووثائقهم العراقية. واليوم نفس الاساليب في التمييز ونفس التعامل ونفس الكلام ومن سلطة وأناس عانوا ما عانوا من ويلات في الماضي، والذين يعتبرون أنفسهم المضطهدين والمظلومين والمناضلين الذين قارعوا الدكتاتورية.

وإلا بماذا نفسر هذا التعامل المستمر والمتعمد تجاه الكرد الفيليين من عدم اعادة حقوقهم وممتلكاتهم ووثائقهم المصادرة؟

وبماذا نسمي العراقيل التي توضع في طريقهم عند مراجعاتهم للدوائر الرسمية والسفارات العراقية خارج البلد وبنفس الأسلوب الذي كانت تتبعه دوائر النظام المباد من مطالبة بشهادة الجنسية والتعامل معهم على أساس كونهم تبعية ايرانية لا على أساس المواطنة العراقية التي كفلها الدستور والنظام والقانون ؟!

 

إن الكرد الفيليين مواطنون عراقيون، وفي المواطنة التي كفلها الدستور لا توجد مواطنة درجة أولى ومواطنة درجة ثانية ومواطنة درجة ثالثة. فالكل يُفترض أن يكونوا سواسية أمام القانون وفي التعامل اليومي!

 

لقد خدم الفيليون الدولة العراقية المعاصرة في مختلف المجالات وباخلاص فاق الآخرين من أدعياء الوطنية والنضال والحرص على العراق وشعبه ، وساهموا بفاعلية وتفانٍ في بنائها ، وشاركوا أخوانهم العراقيين الآخرين في النضال السياسي ضمن مختلف الاحزاب والقوى الوطنية والقومية ، وقدموا آلاف الشهداء في ساحات الكفاح الميدانية ، و في السجون والمعتقلات ، كما اختفى الآلاف من شبابهم مع الذين اختفوا ولم يظهر لهم اثر حتى اليوم ، والذين لحد الآن لم يحسبهم النظام القائم ضمن الشهداء العراقيين مثلما فعلوا مع شهدائهم ، فماذا نسمي هذا؟ وماذا نعتبره؟

ثم أين حقوق الكرد الفيليين المستلبة التي أعيدت ؟

أين أملاكهم وأموالهم المصادرة؟

أليسوا مواطنين عراقيين عانوا الكثير من الظلم والاضطهاد والتهجسر والتمييز العنصري والمذهبي وبامتياز؟

فإن كانوا تبعية ايرانية ويعاملونهم على هذا الأساس ، فأعتقد أن الكثيرين من الذين يرتقون سدة الحكم متهمون بالايرانية بل بأشد منها !

 

كما يبقى سؤالنا يتوجه دائماً وبإلحاح الى ذوي القربى القومية أيضاً:

ماذا فعلتم أنتم وماذا قدمتم للكرد الفيليين الذين ناضلوا معكم في كل المعارك القومية وقدموا الشهداء في الطريق ، ولايزال الكثيرون منهم يعملون ضمن أحزابكم وتنظيماتكم وعلى أعلىالمستويات ؟

ما المطلوب من الفيليين يا ترى ؟

هل المطلوب الانتماء القسري الأعمى والسير في الأعقاب وتقبيل الأعتاب ؟

ألا يعمل الكثيرون منهم في صفوف مختلف الأحزاب والتيارات العراقية سواءاً الحاكمة أم غير الحاكمة ؟

ألسنا كما يُقال في زمن الديمقراطية الليبرالية العصرية والحكم المدني المبني على أساس المحافظة على حقوق الانسان ؟

ولماذا هذا التجاهل والصمت وسد الآذان وحتى الاستهانة والنكران وعلى أعلى المستويات ليس أولها البرلمان ؟

هل المطلوب منهم رفع السلاح وبناء مليشيات وجيوش ، والقيام بتفجيرات واتباع سبيل الارهاب حتى يُحسب لهم حساب ، وتجري معهم مفاوضات ومساومات وحلول ومنح حقوق و كرامات ومواقع وامتيازات؟

 

 أليس كل هذا الذي يجري معهم تمييزاً عنصرياً وظلماً واجحافاً ونكراناً وخرقاً للدستور والقانون والديمقراطية والمواطنة المتساوية و مبادئ حقوق الانسان؟

 وهل ستظل قضية الكرد الفيليين في العراق أزلية ضائعة بين حانه ومانه ؟!

 

 عبد الستار نورعلي                                                                                                     
الأربعاء 19 أغسطس 2007