الكرد الفيليون شريحة مسالمة تبحث عن حقوقها

عبد الستار نورعلي

 

عُرف عن الكرد الفيليين في العراق تاريخياً بأنهم شريحة مسالمة لم يُعهد منها العنف والعدوان والاعتداء. لقد ناؤوا تحت وطأة اضطهاد كبير لحق بهم خلال عقود الحكم الاستبدادي السابق، كان آخرها حملة التهجير الظالمة في ثمانينات القرن الماضي خلال الحرب العراقية الايرانية بتهمة التبعية الايرانية وعلى وصمهم بأنهم طابور خامس داخل العراق مع أنهم كانوا أكثر وطنية من أدعيائها وأشد اخلاصاً ووفاءاً لوطنهم العراق.وقد ساهموا في بناء الدولة العراقية الحديثة مساهمة فاعلة في مختلف الميادين موظفين وعمالاً وعسكريين وتجاراً ومثقفين وادباء وفنانين ورياضيين. كما شاركوا في مختلف معارك العراق والعرب واستشهد الكثيرون من أبنائهم على ارض فلسطين وفي جبهات القتال العراقية الوطنية، وفي صفوف الاحزاب والحركات الوطنية والقومية المختلفة.

 

اخلاص الكرد الفيليين ووفاؤهم ونزاهتهم كانت وراء كسبهم ثقة الناس الآخرين من أصدقاء وجيران واصحاب أعمال وتجار في اسواق بغداد حيث كانوا يثقون بهم ثقة عمياء ويعتمدون عليهم من خلال تشغيلهم محاسبين وعمالاً في محلاتهم ومكاتبهم، وهذه سوق الشورجة وحركتها خلال القرن الماضي دليل دامغ لما نقول.

 

رغم الظلم والاضطهاد وحملات التهجير ومصادرة الوثائق العراقية وسلب الأموال المنقولة وغير المنقولة وغياب أثر الآلاف من شبابهم المحتجزين أثناء تلك الحملة والذين من المؤكد أنهم تعرضوا للإبادة ودفنوا في مقابر جماعية، رغم كل ذلك فإنهم حافظوا على نضالهم السلمي اللاعنفي في عرض قضيتهم ومأساتهم أمام الرأي العام العراقي والعربي والعالمي معتمدين على وسائل الاعلام المختلفة ومواقع الانترنيت وتأسيس الجمعيات المدنية والمنظمات الانسانية. ولا يزالون يسيرون في نفس الطريق رافعين أصواتهم عالياً من أجل استعادة حقوقهم المغتصبة والتي رغم التغيير في العراق وبعد حوالي خمس سنوات لم يستردوها. ولم يعمل النظام الجديد على معالجة جراحهم واعادة حقوقهم دستورياً وقانونياً رغم ادعائه بالديمقراطية وحقوق الانسان وانصاف المظلومين واعادة الحقوق المسلوبة الى أصحابها. فلا يزال الذين أغتصبت بيوتهم لم يسترجعوها، بل الأنكى أن البعض بعد السقوط وحين ذهابه الى بيته يخرج عليه ساكنه ومغتصبه بالسلاح مهدداً ومتوعداً بأنه لو عاد لواجه القتل!

و الذين صودرت وثائقهم العراقية لم يحصلوا عليها والأدهى أنهم عند مراجعاتهم لدوائر الدولة بصدد استرجاعها أو الحصول عليها يواجهون بنفس القوانين الظالمة للنظام السابق، ولايزال المهجرون والمهاجرون منهم في مخيمات ايران في أسوأ حال وأقسى ظروف من غير أن تلتفت الدولة لاعادتهم الى وطنهم وتوفير الظروف الانسانية والمعيشية لهم، وكلنا يعرف أن ميزانية العراق هائلة وصلت هذا العام الى حدود الثمانية والاربعين مليار دولار، وهو مبلغ هائل لاأول له ولا آخر يعادل ميزانية سوريا بسبع مرات.

 

رغم كل ما مر به الكرد الفيليون من مصائب ومآسٍ ونكبات وظلم  على كل الأصعدة لم يتحركوا باتجاه اشهار السلاح في وجه الدولة من اجل تثبيت حقوقهم والحصول عليها مثلما فعلت أطياف أخرى من العراقيين. لقد استمروا ولحد اليوم وسيظلون على نفس المنهج السلمي الانساني المدني الذي عُرف عنهم  وبكل الوسائل القانونية والدستورية والتحركات السياسية والشعبية والاعلامية في العمل على استرداد الحقوق المسلوبة والأموال المنهوبة. وهذه نقطة مشرقة سجلت وتسجل في تاريخهم  وستظل حتى يوم تحقيق كامل حقوقهم ومطالبهم التي يناضلون ويتحركون من أجلها.

سيبقى الفيليون يعملون كمواطنين عراقيين من الدرجة الأولى حريصين على وطنهم وشعبهم، شاء من شاء أو أبى من أبى، وبكل ما يمتازون به من اخلاص وطني وأخلاق انسانية عالية وثقة عرفها العراقيون فيهم ، وسلام اجتماعي نثروه فيما حولهم ، ومحية ووفاء تزخر بها نفوسهم، وحماس واجتهاد ونزاهة في مهنهم وأعمالهم ووظائفهم وحياتهم الاجتماعية.

وسيظلون كما كانوا شريحة مسالمة حضارية التوجه، مدنية العمل والتحرك، انسانية التعامل، قانونية المطالبة .

 

 

الجمعة 1 شباط 2008