النائب العراقي عامر ثامر واختزال قضية الكرد الفيليين

عبد الستار نور علي

في تصريح صحفي أخير حول الكرد الفيليين أشار النائب عامر ثامر من الائتلاف العراقي الموحد، وهو الكردي الفيلي، الى أن السبب الكامن وراء تهجير الفيليين في زمن النظام السابق وخلال الحرب العراقية الايرانية في ثمانينات القرن الماضي هو لكونهم شيعة ينتمون إلى مدرسة أهل البيت ع وليس لأنهم كرد. مضيفاً تعليلاً غريباً يثير الدهشة حيث قال:

"لوكان قرار النظام المقبور بترحيلهم اعتمد على تفسير انهم اكراد لشمل الترحيل جميع الاكراد في العراق من منطقة كردستان".

والتعليل الغريب العجيب هذا يثر سؤالاً يجيب عن نفسه، وهو ما أشار اليه الاستاذ أنور عبد الرحمن مدير موقع صوت العراق في رده المذيل على التصريح، فلو كان سبب تهجير الفيليين لأنهم شيعة فحسب فلماذا لم يتم ترحيل الشيعة كلهم عن العراق مثلما ذكر عامر ثامر في تصريحه عن الأكراد؟!

لقد اختزل السيد عامر ثامر دوافع تهجير الكرد الفيليين في سبب وحيد رامياً بكل الأسباب التاريخية والسياسية الكامنة خلف التهجير والاضطهاد والتمييز وراء ظهره وفي طيات التاريخ محاولاً نفيها وطمسها بالكامل دون موضوعية من نظر وتبصر وقراءة تاريخية واعية متأنية، وأعجبها كما قرأنا في تصريحه نفيه شاطباً بجرة لسان على السبب القومي لكونهم كرداً.

ومن قراءتنا لانتمائه النيابي النابع من ولائه وانتمائه التنظيمي نستطيع التأكيد مطمئنين بأنها لفتةُ ترضيةٍ لقائمته وتنظيمه وولائه المذهبي، وربما في محاولة واعتقاد منه بأنه بذلك يكسب تأييد وأصوات الفيليين في الانتخابات القادمة من خلال تأكيده على الجانب المذهبي لقضية الفيليين لكونهم من الشيعة. وخاصة وهو ينتقد صراحة وبوضوح وجلاء التحالف الكردستاني لعدم تمثيل الفيليين في البرلمان الكردستاني، واشارته الى أن ذلك دليل على عدم الحرص على حقوق الكرد الفيليين. وعليه فإن الائتلاف العراقي هو البديل في الحرص وفي استعادة الحقوق. وكأنه يقول" يا فيليون مالكم إلا الائتلاف سنداً مدافعاً عنكم وعن حقوقكم لا الكردستانيون".

لا أحد ينكر على الانسان أن يحتفظ بولائه المذهبي وانتمائه التنظيمي والأيديولوجي والحزبي والدفاع عما يؤمن به، وهذه هي احدى الأولويات في النظام الديمقراطي المدني المعاصر والمتحضر. لكن أن تسلب من الانسان جزءاً من كيانه الانساني وانتمائه وتنكره عليه فذلك هو المرفوض والمستنكر.

إن قضية تهجير الكرد الفيليين العراقيين واحتجاز أبنائهم ثم تصفيتهم في السجون لها اسباب ودوافع عديدة باتت معروفة كتب فيها الكثيرون. ولا نأتي بجديد إذا ذكرناها ثانية. وهي أسباب ودوافع سياسية بسبب معارضتهم للنظام السابق وانتشار الفكر اليساري وسط أبنائهم، وانتماء الكثير منهم للحركات الكردستانية وثوراتها أو تعاطفهم معها على الأقل. كما أنَّ أوساط رجال الأعمال والتجار الفيليين كانت احد مصادر التمويل المالي لتلك الحركات، فقد أشار إلى ذلك الدكتور فاضل البراك مدير المخابرات السابق في ثمانينات القرن الماضي في كتابه (المدارس الايرانية في العراق). فكانت حملة الترحيل محاولة مدروسة ومخططة من النظام الديكتاتوري الساقط لتجريد الحركة الكردستانية من ظهير قوي لها بين الكرد الفيليين، وتقليل القوة والكثافة الكردية السكانية في بغداد ووسط وجنوب العراق.

اضافة الى ذلك كان الدافع المذهبي أيضاً أحد الأسباب الكامنة وراء حملة التهجير والظلم الذي لحق بالفيليين تاريخياً في العراق. وكان تخطيط وتحضير النظام السابق للحرب مع ايران سبباً آخر، فألبس الحملة لتبريرها ادعاءه بما سماها بالتبعية الايرانية تهمة ألصقها بالكرد الفيليين، معتبراً إياهم طابوراً خامساً يخشاه بعد انطلاق الحرب.

وهناك نقطة مهمة في أجندة البعثيين ضد الكرد الفيليين وهي أنهم في انقلابهم في الثامن من شباط 1963 فوجئوا بمواجهة ومقاومة مسلحة شرسة في منطقة باب الشيخ في بغداد وأزقتها التي كان سكانها من الفيليين ولمدة ثلاثة أيام وبوسائل بدائية منها قنابل المولوتوف. وبذلك لم ينسوا ولم يغفروا لهم ذلك. ومما نذكره وقد سمعناه في بداية السبعينات من القرن الماضي أنه اتصل عدد من رجالات الفيليين بمدير مكتب صدام حسين حينها وهو الكردي الفيلي (علي رضا) ليكلّم صدام حول قضية الفيليين وحرمان غالبيتهم من الحصول على الجنسية العراقية والعراقيل والشروط القاسية التي كانت توضع في طريق حصولهم عليها. فكان رد صدام أنه لن يغفر لهم مقاومتهم لانقلابهم الدموي في شباط عام 1963 . وهذا ما يدل على أنه كان قد بيّت سوء النية تجاههم في ظلمهم واضطهادهم وتوجيه ضربة قاسية لهم في يوم قادم مرسوم بحسب الظروف. فكانت حملة التهجير وحجز الأبناء وتصفيتهم اثر انطلاق وخلال الحرب العراقية الايرانية التي استمرت ثماني سنوات هي احدى وسائل الانتقام والرد المخطط له على مواقف الكرد الفيليين.

فكيف إذن مع كل ما أسلفنا وما ذكره وأكده الباحثون والكتاب والمحللون وما مرّ به الكرد الفيليون يختزل السيد عامر ثامر قضيتهم التاريخية وما عانوه من ظلم وتمييز واضطهاد بكونهم شيعة فقط؟!

الخميس 16 تشرين الثاني 2008

Back